آيات من القرآن الكريم

مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ

في تنفسات الزمن من إعفاء بعضهم من ذلك وحمايتهم من قبل الغير فلما انقضاء عند ما يعود المسلمون إلى التمسك بدينهم وينبذون التقاليد الأجنبية ويوحدون كلمتهم. قال تعالى «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ» كلية
وجزئية جلية وخفية «إِنَّ ذلِكَ» العلم مثبت «فِي كِتابٍ» عظيم عند الله تعالى هو الوجه المكنون الحاوي على ما كان وسيكون قبل كونه «إِنَّ ذلِكَ» العلم العظيم جميعه «عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ» (٧) سهل كعلم شيء واحد
«وَيَعْبُدُونَ» بعض خلقه مع علمهم بأن شيئا لا يستحق العبادة غيره وأن لا ربّ على الحقيقة سواه «مِنْ دُونِ اللَّهِ» الجليل الذي خلقهم وسواهم وعلمهم «ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً» عليهم من حجة أو برهان أو دليل أو أمارة «وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ» أن يعبد بل جهل مركب، لأنهم يزعمون ما يعبدونه من الأوثان يشفع لهم عند الله يوم القيامة وينصرهم في الدّنيا من النّاس «وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ» (٧١) ينصرهم من عذابه إذا حل بهم في الدّنيا والآخرة. وإنما سماهم ظالمين لظلمهم أنفسهم بذلك الاعتقاد فيما تعمله أيديهم من الأصنام. قال تعالى «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ» عند سماع تلاوتها أي تظهر على وجوههم علائم الكراهة فتراها عابسة مكفهرّة «يَكادُونَ يَسْطُونَ» يثبون ويبطشون «بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا» أي بمحمد وأصحابه من شدة الغيظ والحنق عليهم، وهذه حكاية حال من أحوال بعض الكفرة المشركين وكفرة أهل الكتابين القائلين بنبوة عزير وعيسى وآلهتهما والملائكة وكونه ثالث ثلاثة «قُلْ» لهم يا سيد الرّسل «أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ» لكم «مِنْ ذلِكُمُ» الخير الذي تكرهونه الآن وتعرضون عن سماعه هو «النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا» أمثالكم فهي مصيركم ومصيرهم «وَبِئْسَ الْمَصِيرُ» (٧٢) هي لمن يصير إليها «يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ» حال مستغربة جديرة بأن تسمى مثلا تشبها ببعض الأمثال السّائرة «فَاسْتَمِعُوا لَهُ» وأصغوا إليه وتدبروه واعقلوه، وهو أن المشركين جعلوا لي شبيها يعبدونه من دوني ويستغيثون به عند شدتهم ويرجون شفاعته بآخرتهم، وأقول لهم «إِنَّ

صفحة رقم 191

الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ «دُونِ اللَّهِ»
ربكم الواحد الفرد الصّمد. من جميع أوثانكم «لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً» ولا أقل منه وأحقر «وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ» كلهم وتعاونوا على خلقه لما استطاعوا البتة. والأنكى من ذلك أنه إذا وقعت على شيئهم لا يقدرون على منعه، ولكن لأنه كلما ذب آب إلّا إذا قتلوه «وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ» على ضعفه وهوانه «شَيْئاً» من الأشياء أو جزءا قليلا منه «لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ» أيضا ولا يقدرون على استخلاصه منه مع عظمهم بالنسبة إليه إذ قد «ضَعُفَ الطَّالِبُ» الذباب السّالب «وَالْمَطْلُوبُ» ٧٣ المسلوب منه وهي أوثانهم لأن منها ما هو جماد وهو أضعف من الذباب بدرجات كثيرة وعابدوها أجهل من كلّ جاهل داخل من كلّ مثال، لأن الذي لا يحمي نفسه من الذباب كيف تطلب منه الحماية، وكيف يعبد، وكيف يرجى منه جلب نفع أو دفع ضر؟ وإن كان حيوانا فهو كذلك أيضا بل أكثر شرا لاحتياجه للأكل والشّرب والحراسة، وإن كان إنسانا فكذلك، لأنه لا يقدر أن يحرس نفسه من أقدار الله ولا يتحرك إلّا بإذن الله وإرادته، وهو متبرئ من عبادتهم، وان الله خالقهم وخالق كلّ شيء، أفلا يعبدونه مع كمال عظمته وبالغ قدرته ويركنون إليه عند حاجتهم في الشّدة والرّخاء، ولهذا فاتركهم يا سيد الرّسل فإنهم جهال «ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» ولا عرفوه حق معرفته ولا مجدوه حق تمجيده وما علموا غاية قبح فعلهم إذ أشركوا به وسموا باسم ما هو أبعد الأشياء عنه، تقدم مثل هذه الجملة في الآية ٦٨ من سورة الزمر والآية ٩١ من الأنعام ج ٢ ولفظ الذباب لم يكرر في القرآن «إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ» على خلق الممكنات بأسرها وإفناء الموجودات كلها «عَزِيزٌ» ٧٤ غالب قاهر لجميع الأشياء وهذه الجملة تعليل لما قبلها من نفي معرفتهم له تعالى. قال ابن عباس كانوا يطلبون الأصنام طيبا فيقع الذباب عليها فيسلبها طيبها فلا تقدر على منعه ولا يقدر الكفرة حراسها على استرداد ما سلبه منها فكيف يقدرون على خلقه، ثم ساق حكاية أخرى من أحوال الكفرة من قولهم (لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) الآية ٢٢ من سورة الفرقان ج ١ وقولهم (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) الآية ٣١ من سورة

صفحة رقم 192

المؤمنين ج ٢ وهي مكررة كثيرا في القرآن، فأخبرهم الله بمعرض الرّد عليهم بأنه يجتبي من هؤلاء وهؤلاء ما يشاء بقوله «اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا» كجبريل وإخوانه «وَمِنَ النَّاسِ» رسلا أيضا كمحمد وإخوانه عليهم الصّلاة والسّلام ومن قبلهم ممن شاء وخصته السّعادة ولهذا لا يعبا بأقوالهم التافهة «إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ» لها وعالم بوقوعها منهم قبل خلقهم «بَصِيرٌ» بمن يختصه للملكية والرّسالة. قال تعالى (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) الآية ١٣٥ من الأنعام ج ٢ وهو
«يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ» وجميع ما هو كائن وما سيكون من رسل الفريقين والمرسل إليهم أجمع «وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ» (٧٣) كلها ويحاسب أهلها عليها قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ» بجميع أنواعه وأصنافه وأجناسه قولا وفعلا ونية «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (٧٧) فتفوزون بأنواع الخير عند الله في الدّنيا والآخرة. واعلم أن الخير كله مجموع في أربعة: النظر والحركة والنّطق والصّمت، فكل نطق لا يكون في عبرة فهو غفلة، وكلّ حركة لا تكون في عبادة فهي فترة، وكلّ نطق لا يكون في ذكر فهو لغو، وكلّ صمت لا يكون في فكر فهو سهو.
هذا وتقدم البحث فيما يتعلق بالسجود في الآية ١٥ من سورة الرّعد المارة، وفيها ما يرشدك لبحثه في غيرها. واعلم أن السّجدات المتفق عليها في القرآن العظيم أربع عشرة ليس منها هذه، والسّجود فيها واجب وقال بعض الأئمة بسنية السّجود عند تلاوة هذه الآية مستدلا بما أخرجه الترمذي وأبو داود عن عتبة بن عامر قال قلت يا رسول الله أفي الحج سجدتان؟ قال نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما. وأخرج مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب أنه قرأ الحج فسجد فيها سجدتين، وقال ان هذه السّورة، فقلت بسجدتين وناهيك به قدوة، وقد أخذ بهذا الشّافعي رحمه الله وقال أبو حنيفة ومالك والحسن وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وسفيان الثوري إنها سجدة صلاة بدليل اقترانها بالركوع، ولو كانت سجدة تلاوة لما اقترنت به كسائر سجدات القرآن، وقد مرت السّجدة الأولى في الآية ١٦ منها قال تعالى «وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ» بأن تستفرغوا جهدكم تبذلوا طاقتكم

صفحة رقم 193

ووسعكم فيه. ومن الجهاد أن لا يخاف الرّجل في قول الحق لومة لا ثم وتقدم بيان فضله في الآية ١٩١ من سورة البقرة «هُوَ اجْتَباكُمْ» أيها النّاس واختاركم لدينه وخدمته، والاجتباء رتبة عظيمة ومنقبة كريمة خصنا الله بها، فهي سعادة ما فوقها سعادة، قال الأبوصيري:

بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركنا غير منهدم
وهذا الاختيار من عناية الله تعالى بهذه الأمة ومن عنايته اختيار محمد صلّى الله عليه وسلم رسولا لنا واختيارنا لشريعته، ولهذا قال (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) الآية ١١٠ من آل عمران والحمد لله على أفضاله وعلى هذه المزية الكريمة والمنحة المثلى، وعلى قوله جل قوله «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» لأنها ميزة جليلة لنا أيضا إذ لم يصيق وبشدد علينا فيما عرضه، بل رخص وسهل، ويسر عليكم أيها المؤمنون في صومكم وصلاتكم وحجكم وزكاتكم وتوبتكم وطهارتكم وجعل ملّتكم «مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ» سمحة نقية وهذا الخليل جدكم «هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ» (٧٨) لقوله تعالى حكاية عنه وعن ابنه إسماعيل عليهما الصّلاة والسّلام.
(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً) الآية ١٣٨ من البقرة وهذه التسمية ثابتة لكم «مِنْ قَبْلُ» في الكتب المتقدمة «وَفِي هذا» القرآن لأنها مذكورة في اللّوح المحفوظ، ولهذا فضلكم على سائر الأمم وجعل دينكم الإسلام وسماكم المسلمين «لِيَكُونَ الرَّسُولُ» محمد صلّى الله عليه وسلم «شَهِيداً عَلَيْكُمْ» يوم القيامة بأنه بلغكم رسالته «وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» بأن الرّسل بلغو أممهم رسالات ربهم بناء على أخبار نبيكم لكم في كتابكم واخباره حق أكثر من المشاهدة وأقوى، لأن العين قد تخطئ المبصر فلا تعرفه حقيقة، والرّسول لا يخطى في التبليغ البتة لعصمته من قبل الله تعالى، وهذا من المخصوص، لأن الشّهادة لا تكون إلّا في هذا عن الغيب، وقد تكون على السّماع في أمور مخصصة أيضا كما أشرنا إليها في الآية ١٤٣ من سورة البقرة المارة «فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ» في كلّ أموركم وثقوا بما وعدكم به على لسان رسولكم «هُوَ مَوْلاكُمْ» وناصركم وحافظكم لا مولى لكم غيره «فَنِعْمَ الْمَوْلى» هو

صفحة رقم 194
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية