آيات من القرآن الكريم

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ۗ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ

وَالْكِتَابُ هُوَ مَا بِهِ حِفْظُ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ: إِمَّا عَلَى تَشْبِيهِ تَمَامِ الْحِفْظِ بِالْكِتَابَةِ، وَإِمَّا عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ جَائِزٌ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِذَلِكَ كِتَابًا لَائِقًا بِالْمُغَيَّبَاتِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ بَيَانٌ لِمَضْمُونِ الِاسْتِفْهَام من الْكِتَابَة عَنِ الْجَزَاءِ.
وَاسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ إِلَى مَضْمُونِ الِاسْتِفْهَامِ مِنَ الْكِنَايَةِ فَتَأْوِيلُهُ بِالْمَذْكُورِ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَهَا بَيَانًا لِجُمْلَةِ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ عَائِدٌ إِلَى الْعِلْمِ الْمَأْخُوذِ مِنْ فِعْلِ يَعْلَمُ، أَيْ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ بِمَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لِلَّهِ حَاصِلٌ دُونَ اكْتِسَابٍ، لِأَنَّ عِلْمَهُ ذَاتِيٌّ لَا يَحْتَاجُ إِلَى مُطَالَعَةٍ وَبَحْثٍ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ يَسِيرٌ لِلِاهْتِمَامِ بِذِكْرِهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى إِمْكَانِهِ فِي جَانِبِ عِلْمِ الله تَعَالَى.
[٧١]
[سُورَة الْحَج (٢٢) : آيَة ٧١]
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١)
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ حَرْفَ عَطْفٍ وَتَكُونَ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةً عَلَى الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ بِمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهَا عَطْفَ غَرَضٍ عَلَى غَرَضٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ لِلْحَالِ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ فِي قَوْله جادَلُوكَ [الْحَج: ٦٨]، وَالْمَعْنَى: جَادَلُوكَ فِي الدِّينِ مُسْتَمِرِّينَ عَلَى عِبَادَةِ مَا لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ بَعْدَ مَا رَأَوْا مِنَ الدَّلَائِلِ، وَتَتَضَمَّنُ الْحَالُ تَعْجِيبًا مِنْ شَأْنِهِمْ فِي مُكَابَرَتِهِمْ وَإِصْرَارِهِمْ.

صفحة رقم 332

وَالْإِتْيَانُ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ الْمُفِيدِ لِلتَّجَدُّدِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ فِي الدَّلَائِلِ الَّتِي تَحُفُّ بِهِمْ وَالَّتِي ذُكِّرُوا بِبَعْضِهَا فِي الْآيَاتِ الْمَاضِيَةِ مَا هُوَ كَافٍ لِإِقْلَاعِهِمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ لَوْ كَانُوا يُرِيدُونَ الْحَقَّ.
ومِنْ دُونِ يُفِيدُ أَنَّهُمْ يُعْرِضُونَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، لِأَنَّ كَلِمَةَ دُونِ وَإِنْ كَانَتِ اسْمًا لِلْمُبَاعَدَةِ قَدْ يَصْدُقُ بِالْمُشَارَكَةِ بَيْنَ مَا تُضَافُ إِلَيْهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ. فَكَلِمَةُ (دُونِ) إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهَا (مِنْ) صَارَتْ تُفِيدُ مَعْنَى ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ مِنْ جَانِبٍ مُبَاعِدٍ لِمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ (دُونِ). فَاقْتَضَى أَنَّ الْمُضَافَ إِلَيْهِ غَيْرُ مُشَارِكٍ فِي الْفِعْلِ. فَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا أُشْرِبَتْ قُلُوبُهُمُ الْإِقْبَالَ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وإدخالها فِي شؤون قُرُبَاتِهِمْ حَتَّى الْحَجِّ إِذْ قَدْ وَضَعُوا فِي شَعَائِرِهِ أَصْنَامًا بَعْضُهَا وَضَعُوهَا فِي الْكَعْبَةِ وَبَعْضُهَا فَوْقَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ جُعِلُوا كَالْمُعَطِّلِينَ لِعِبَادَةِ اللَّهِ أَصْلًا.
وَالسُّلْطَانُ: الْحُجَّةُ. وَالْحُجَّةُ الْمُنَزَّلَةُ: هِيَ الْأَمْرُ الْإِلَهِيُّ الْوَارِدُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ وَفِي شَرَائِعِهِ، أَيْ يَعْبُدُونَ مَا لَا يَجِدُونَ عُذْرًا لِعِبَادَتِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ السَّالِفَةِ: وَقُصَارَى أَمْرِهِمْ أَنَّهُمُ اعْتَذَرُوا بِتَقَدُّمِ آبَائِهِمْ بِعِبَادَةِ أَصْنَامِهِمْ، وَلَمْ يَدَّعُوا أَنَّ نَبِيئًا أَمَرَ قَوْمَهُ بِعِبَادَةِ صَنَمٍ وَلَا أَنَّ دِينًا إِلَهِيًّا رَخَّصَ فِي عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ.
وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ، أَيْ لَيْسَ لَهُمْ بِهِ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ الْجَازِمَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ دَلِيلٍ، وَالْبَاطِلُ لَا يُمْكِنُ حُصُولُ دَلِيلٍ عَلَيْهِ. وَتَقْدِيمُ انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ عَلَى انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ لِأَنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ أَهَمُّ.
وَمَا الَّتِي فِي قَوْلِهِ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ نَافِيَةٌ. وَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيْ يَعْبُدُونَ مَا ذُكِرَ وَمَا لَهُمْ نَصِيرٌ فَلَا تَنْفَعُهُمْ عِبَادَةُ الْأَصْنَامِ.
فَالْمُرَادُ بِالظَّالِمِينَ الْمُشْرِكُونَ الْمُتَحَدَّثُ عَنْهُمْ، فَهُوَ مِنَ الْإِظْهَارِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى

صفحة رقم 333
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية