
هذا هو المثال الذي يعطي للمعتبر فيه جواز بعث الأجساد وذلك أن إحياء الأرض بعد موتها بين فكذلك الأجساد، وهامِدَةً معناه ساكنة دارسة بالية ومنه قيل همد الثوب إذا بلي، قال الأعشى:
[الكامل]
قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا | وأرى ثيابك باليات همدا |
قوله عز وجل:
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٦ الى ١٠]
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠)
قوله تعالى: ذلِكَ إشارة إلى كون ما تقدم ذكر ف ذلِكَ ابتداء، وخبره بِأَنَّ أي هو بِأَنَّ اللَّهَ تعالى «حق» محيي قادر وقوله وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ليس بسبب لما ذكر لكن المعنى أن الأمر مرتبط بعضه ببعض أو على تقدير: والأمر أن الساعة، وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ الآية، الإشارة بقوله وَمِنَ النَّاسِ إلى القوم المتقدم ذكرهم، وحكى النقاش عن محمد بن كعب أنه قال نزلت الآية في الأخنس بن شريق وكرر هذه على جهة التوبيخ فكأنه يقول فهذه الأمثال في غاية الوضوح والبيان وَمِنَ النَّاسِ مع ذلك مَنْ يُجادِلُ فكأن الواو واو الحال والآية المتقدمة الواو فيها واو عطف جملة الكلام على ما قبلها، والآية على معنى الإخبار وهي هاهنا مكررة للتوبيخ، وثانِيَ حال من ضمير في يُجادِلُ ولا يجوز أن تكون من مِنَ لأنها ابتداء والابتداء إنما عمله الرفع لا النصب وإضافة ثانِيَ غير معتد بها لأنها في معنى الانفصال إذ تقديرها ثانيا عطفه، وقوله ثانِيَ عِطْفِهِ عبارة عن المتكبر المعرض قاله ابن عباس وغيره، ع: وذلك أن صاحب الكبر يرد وجهه عما يتكبر عنه فهو يرد وجهه يصعر خده ويولي صفحته ويلوي عنقه ويثني عطفه وهذه هي عبارات المفسرين، والعطف الجانب وقرأ الحسن «عطفه» بفتح العين والعطف السيف لأن صاحبه يتعطفه أي يصله بجنبه، وقرأ الجمهور «ليضل» بضم الياء، وقرأ مجاهد وأهل مكة بفتح الياء، وكذلك قرأ أبو عمرو، و «الخزي» الذي توعد به النضر بن الحارث في أسره يوم بدر وقتله بالصفراء، و «الحريق» طبقة من طبقات جهنم، وقوله تعالى: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ بمعنى يقال له ونسب التقديم إلى اليدين إذ هما آلتا الاكتساب واختلف في الوقف على قوله يَداكَ فقيل لا يجوز لأن التقدير: وبأن الله أي وَأَنَّ اللَّهَ هو العدل فيك بجرائمك وقيل يجوز بمعنى والأمر أن الله تعالى لَيْسَ بِظَلَّامٍ و «العبيد» هنا ذكروا في معنى مكسنتهم وقلة قدرتهم فلذلك جاءت هذه الصيغة.
قوله عز وجل:
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ١١ الى ١٣]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (١١) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (١٣) صفحة رقم 109

هذه الآية نزلت في أعراب وقوم لا يقين لهم كان أحدهم إذا أسلم فاتفق له اتفاقات حسان من نمو ماله وولد ذكر يرزقه وغير ذلك قال هذا دين جيد وتمسك به لهذه المعاني، وإن كان الأمر بخلاف، تشاءم به وارتد كما صنع العرنيون وغيرهم، قال هذا المعنى ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم، وقوله تعالى: عَلى حَرْفٍ معناه على انحراف منه عن العقيدة البيضاء أو على شفى منها معدى للزهوق، و «الفتنة» :
الاختبار، وقوله تعالى: انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ عبارة للمولي عن الأمور وخسارته الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ، أما الدُّنْيا فبالمقادير التي جرت عليه، وأما الْآخِرَةَ فبارتداده وسوء معتقده، وقرأ مجاهد وحميد والأعرج «خاسرا الدنيا والآخرة» نصبا على الحال، وقوله تعالى: ما لا يَضُرُّهُ يريد الأوثان، ومعنى يَدْعُوا يعبد، ويدعو أيضا في ملماته، واختلف الناس في قوله تعالى: يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ فقالت فرقة من الكوفيين اللام مقدمة على موضعها وإنما التقدير «يدعو من لضره»، ويؤيد هذا التأويل أن عبد الله بن مسعود قرأ «يدعو من ضره»، وقال الأخفش يَدْعُوا يمعنى يقول، و «من» مبتدأ وضَرُّهُ مبتدأ، وأَقْرَبُ خبره، والجملة صلة، وخبر مِنْ محذوف والتقدير يقول لمن ضره أقرب منه نفعه إله وشبه هذا، يقول عنترة: «يدعون عنتر والرماح كأنها» ع وهذا القول فيه نظر فتأمل إفساده للمعنى إذ لم يعتقد الكافر قط أن ضر الأوثان أقرب من نفعها واعتذار أبي علي هنا مموه، وأيضا فهو لا يشبه البيت الذي استشهد به، وقيل المعنى في يَدْعُوا يسمى، وهذا كالقول الذي قبله، إلا أن المحذوف آخرا مفعول تقديره إلها، وقال الزجاج يجوز أن يكون يَدْعُوا في موضع الحال وفيه هاء محذوفة والتقدير ذلك هو الضلال البعيد يدعو أو يدعوه، فيوقف على هذا، قال أبو علي ويحسن أن يكون ذلك بمعنى الذي، أي الذي هو الضلال البعيد يدعو أو يدعوه، فيوقف على هذا، قال أبو علي ويحسن أن يكون ذلك بمعنى الذي، أي الذي هو الضلال البعيد يدعو أو يدعوه، فيوقف على هذا، قال أبو علي ويحسن أن يكون ذلك بمعنى الذي، أي الذي هو الضلال البعيد يَدْعُوا فيكون قوله ذلك موصولا بقوله ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ ويكون يَدْعُوا عاملا في قوله ذلِكَ ع كون ذلِكَ بمعنى الذي غير سهل وشبهه المهدوي بقوله تعالى: وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [طه: ١٧] وقد يظهر في الآية أن يكون قوله يَدْعُوا متصلا بما قبله، ويكون فيه معنى التوبيخ كأنه قال يَدْعُوا من لا يضر ولا ينفع. ثم كرر يَدْعُوا على جهة التوبيخ غير معدى إذ عدي أول الكلام ثم ابتدأ الإخبار بقوله لَمَنْ ضَرُّهُ واللام مؤذنة بمجيء القسم والثانية التي في لَبِئْسَ لام القسم وإن كان أبو علي مال إلى أنها لام الابتداء والثانية لام اليمين، ويظهر أيضا في الآية أن يكون المراد يدعو من ضره ثم علق الفعل باللام وصح أن يقدر هذا الفعل من الأفعال التي تعلق وهي أفعال النفس كظننت وخشيت، وأشار أبو علي إلى هذا ورد عليه، والْعَشِيرُ القريب المعاشر في الأمور، وذهب الطبري إلى أن المراد بالمولى والعشير هو الإنسان الذي يعبد الله على حرف ويدعو الأصنام، والظاهر أن المراد ب الْمَوْلى والْعَشِيرُ هو الوثن الذي ضره أقرب من نفعه، وهو قول مجاهد والله أعلم.