
وقال مجاهد: إلا تلا وقرأ.
وقيل: إن قوله: (والغرانيق العلى) عنى بها الملائكة، وكذلك الضمير في وأن شفاعتهم ترتجى، هو للملائكة/.
واختار الطبري أن يكون تمنى، بمعنى حدث، إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه.
وقيل: معنى الآية، أن النبي ﷺ إذا حدث نفسه، ألقى الشيطان في حديثه على جهة الحيلة فيقول: لو سألت الله أن يغنمك كذا ليتسع المسلمون، ويعلم الله الصلاح في غير ذلك، فيبطل ما يلقى الشيطان.
وحكى الكسائي والفراء " تمنى " بمعنى حدّث نفسه.
وقوله: ﴿فَيَنسَخُ الله مَا يُلْقِي الشيطان﴾ أي: يبطله، من قولهم: نسخت الشمس الظل.
وقوله: ﴿ثُمَّ يُحْكِمُ الله آيَاتِهِ﴾ أي يخلصها من الباطل الذي ألقى الشيطان. والله عليهم بما يحدث في خلقه من حدث، حكيم في تدبيره إياهم.
قوله تعالى ذكره: ﴿لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشيطان فِتْنَةً﴾. إلى قوله: ﴿يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾.
المعنى: فعل ذلك من نسخ ما ألقى الشيطان ليجعله فتنة للذين في قلوبهم مرض، أي: اختباراً للذين في قلوبهم نفاق ﴿والقاسية قُلُوبُهُمْ﴾ هم المشركون الذين

قست قلوبهم عن الإيمان فلا تلين ولا ترعوي.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِنَّ الظالمين لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾.
أي: وإن مشركي قومك لفي خلاف لله، في أمر بعيد من الحق. والشقاق: أشد العداوة.
ثم قال: ﴿وَلِيَعْلَمَ الذين أُوتُواْ العلم أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ﴾.
أي: نسخ ما ألقى الشيطان ليعلم الذين أتوا العلم بالله أنه الحق من ربك. أي: أن الذي أنزله إليه هو الحق، لا ما نسخ مما ألقى الشيطان ﴿فَيُؤْمِنُواْ بِهِ﴾ أي: فيصدقوا به. ﴿فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ أي: تخضع للقرآن قلوبهم وتذعن بالتصديق به والإقرار بما فيه.
ثم قال: ﴿وَإِنَّ الله لَهَادِ الذين آمنوا﴾.
أي: المرشد المؤمنين إلى الطريق القاصد والحق الواضح، فينسخ ما ألقى الشيطان في أمنية رسول الله ﷺ، فلا يضرهم كيد الشيطان شيئاً.
وقيل: المعنى: لهاديهم إلى طريق الجنة في الآخرة.
وقيل: المعنى: لهاديهم إلى الثبات على الإيمان في بقية أعمارهم.
وقال ابن جريج: ﴿أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ﴾ يعني: القرآن.
ويروى: أن قوماً من المهاجرين بأرض الحبشة بلغهم أن أهل مكة سلموا حين تقربوا من النبي عليه السلام لما سمعوا منه ما ألقى الشيطان في تلاوته، فرجعوا إلى

عشائرهم، وقالوا هم أحب إلينا، فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشطيان.
وقوله: " الهاد " حذفت الياء في الوصل لسكونها وسكون اللام بعدها وحذفت من الخط، لأن الكاتب كتبها على لفظ الوصل، ولو كتبها على الوقف لكتبها بالياء كما كتب ﴿بِهَادِي العمي﴾ [النمل: ٨١] في النمل بالياء على الوقف، وكتب " بهاد العمي " في الروم بغير ياء على الوصل، ولا يحسن الوقف عليه، لأنك إن وقفت بالياء خالفت الخط، وإن وقفت بغير ياء، حذفت لام الفعل لغير علة.
وقد قال يعقوب وسلام: الوقف " الهادي " بالياء على الأصل، والأحسن ألا تقف عليه لما ذكرت لك. ولأنه ليس بتمام ولا قطع، ولأنك تفرق بين المضاف والمضاف إليه، وكلاهما كالشيء الواحد.
وقد روى أبو محمد اليزيدي عن أبي عمرو في " لهاد الذين آمنوا " قال: الوصل بالياء، والوقف على الكتب. وروي ذلك عن اليزيدي أبو عبد الرحمان وأبو حمدون. ومعنى هذا أنه ينوي الياء في الوصل وإن كان لا يلفظ بها، فإذا وقف،

وقف بغير ياء اتباعاً للخط فكأنه قال: الوصل بنية الياء. وهذا كلام مستقيم. وقد استجهل اليزيدي في هذه الرواية ومجازها ما ذكرنا.
ثم قال تعالى: ﴿وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ﴾.
أي: لا يزال الكفار في شك من القرآن.
وقيل: من النبي.
وقيل: من سجوده معهم في آخر النجم.
وقيل: مما ألقى الشيطان في تلاوة النبي ﷺ من قوله: تلك الغرانيق العلى " قال هذا القول الأخير ابن جبير وابن زيد.
قال ابن زيد: لا يخرج ذلك من قلوبهم زادهم ضلالة. وكونها تعود على القرآن أبين، لقوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ الذين أُوتُواْ العلم أَنَّهُ الحق مِن رَّبِّكَ﴾ يعني: القرآن وهو أقرب إليه.
وقوله: ﴿حتى تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً﴾.
أي: حتى تأتيهم ساعة حشر الناس لموقف الحساب " بغتة " أي: فجأة، وهو مصدر في موضع الحال.

ثم قال تعالى: ﴿أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾.
أي: عذاب يوم القيامة، ومعنى عقيم لا ليلة له شبهت/ الليلة باليوم، بمنزلة الولد للوالدة، هذا قول الضحاك وعكرمة.
وقيل: عنى به يوم بدر. وسمي عقيماً لأنهم لم ينظروا إلى الليل، قال ذلك: مجاهد وابن جبير وقتادة وأبي بن كعب. وهذا القول: حسن لأنه قد تقدم ذكر يوم القيامة في قوله: ﴿حتى تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً﴾ فلا يكون يوم القيامة مرة آخرى، وإنما المعنى: لا يزالون في شك من القرآن حتى تقوم الساعة أو يقتلوا يوم بدر.
قال أبي بن كعب: " عذاب يوم عقيم "، يوم بدر، والزام: القتال في يوم بدر، ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى﴾ [الدخان: ١٦] يوم بدر، ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ العذاب الأدنى﴾ [السجدة: ٢١]، يوم بدر، فذلك أربع آيات نزلن في يوم بدر.
وقيل: إنما سمي يوم بدر عقيماً لأنه عقيم فيه الخير والفرج عن الكفار.
وقيل: هو يوم القيامة، عقم أن يكون بعده يوم مثله، أي: منع من ذلك.