آيات من القرآن الكريم

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ

شرح الكلمات:
من رسول ولا نبي: الرسول ذكر من بني آدم أوحي إليه بشرع وأمر بابلاغه. والنبي مقرر لشرع من قبله.
تمنى في أمنيته: أي قرأ في أمنيته، أي في قراءته.
ثم يُحكم الله آياته: أي بعد إزالة ما ألقاه الشيطان في القراءة بحُكم الله آياته أي يثبتها.
فتنة للذين في قلوبهم مرض: أي اختباراً للذين في قلوبهم مرض الشرك والشك.
والقاسية قلوبهم: هم المشركون.
فتخبت له قلوبهم: أي تتطامن وتخشع له قلوبهم.
في مرية منه: أي في شك منه وريب من القرآن.
عذاب يوم عقيم: هو عذاب يوم بدر إذ كان يوماً عقيماً لا خير فيه.
في جنات النعيم: أي جنات ذات نعيم لا يبلغ الوصف مداه.
فلهم عذاب مهين: أي يهان فيه صاحبه فهو عذاب جثماني نفساني.
معنى الآيات:
بعد التسلية الأولى للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي تضمنها قوله تعالى: ﴿وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح.. الخ﴾ ذكر تعالى تسلية ثانية وهي أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقرأ حول الكعبة في صلاته سورة النجم والمشركون حول الكعبة يسمعون فلما بلغ قوله تعالى: ﴿أفرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى﴾ ألقى الشيطان في مسامع المشركين الكلمات التالية: "تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى" ففرح المشركون بما سمعوا ظناً منهم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأها وأن الله أنزلها فلما سجد في آخر السورة سجدوا معه إلا رجلاً١ كبيراً لم يقدر على السجود فأخذ حثية من تراب وسجد عليها وشاع أن محمداً قد اصطلح مع قومه حتى رجع المهاجرون من الحبشة فكرب لذلك رسول الله وحزن فأنزل الله تعالى هذه

١ هذا الرجل، روى البخاري أنه أمية بن خلف، وقيل هو أبو أحيحة سعيد بن العاص وقيل: هو الوليد بن المغيرة. والله أعلم بأيهم كان.

صفحة رقم 487

الآية تسلية له فقال: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول١﴾ ذي رسالة يبلغها ولا نبيّ مقرر لرسالة نبي قبله ﴿إلا إذا تمنى﴾ أي قرأ ﴿ألقى للشيطان في أمنيته٢﴾ أي في قراءته ﴿فينسخ الله﴾ أي يزيل ويبطل ﴿ما يلقي الشيطان﴾ ٣ من كلمات في قلوب الكافرين أوليائه ﴿ثم يُحكم الله آياته﴾ بعد إزالة ما قاله الشيطان فيثبتها فلا تقبل زيادة ولا نقصانا، والله عليم بخلقه وأحوالهم وأعمالهم لا يخفى عليه شيء من ذلك حكيم في تدبيره وشرعه هذه سنته تعالى في رسله وأنبيائه. فلا تأس يا رسول الله ولا تحزن ثم بين تعالى الحكمة في هذه السنة فقال: ﴿ليجعل ما يلقى للشياطن﴾ أي من كلمات في قراءة النبي أو الرسول ﴿فتنة للذين في قلوبهم مرض﴾ الشك والنفاق ﴿والقاسية قلوبهم﴾ وهم المشركون ومعنى فتنة هنا محنة يزدادون بها ضلالاً على ضلالهم وبُعداً عن الحق فوق بعدهم إذ ما يلقى الشيطان في قلوب أوليائه إلا للفتنة أي زيادة في الكفر والضلال. وقوله تعالى: ﴿وإن الظالمين لفي شقاق بعيد﴾ هو إخبار منه تعالى عن حال المشركين بأنهم في خلاف لله ورسوله، بعيدون فيما يعتقدونه وما يعملونه وما يقولونه. ، وما يتصورونه مخالف تمام المخالفة لما يأمر تعالى به ويدعوهم إليه من الاعتقاد والقول والعمل والتصور والإدراك. وقوله تعالى: ﴿وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم﴾ هذا جزء العلة التي تضمنتها سنة الله في إلقاء الشيطان في قراءة الرسول أو النبي فالجزء الأول تضمنه قوله تعالى: ﴿ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم﴾ وهذا هو الجزء الثاني أي ﴿وليعلم الذين أوتوا العلم﴾ بالله وآياته وتدبيره ﴿أنه الحق من ربك﴾ أي ذلك الإلقاء والنسخ وإحكام

١ في هذه الآية دليل على أن هناك فرقاً بين النبي والرسول لذكر الرسول في الآية ثم النبي: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي﴾ والذي عليه جمهور أهل السنة والجماعة: أن كل رسول نبي إذ لا يرسل حتى يوحى إليه وينبّأ وليس كل نبي رسولاً إذ ينبئه الله تعالى بما شاء ولا يرسله، وجاء في حديث أبي ذر "إنّ عدد الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً أولهم آدم وآخرهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن عدد الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي جمّ غفير"
٢ قال سليمان بن حرب إنّ (في) هنا هي بمعنى عند أي: ألقى الشيطان عند قراءته ألقى في قلوب المشركين. ولـ (في) بمعنى عند نظير هو قوله تعالى ﴿ولبثت فينا من عمرك سنين﴾ أي: عندنا.
٣ ما روي من خبر في قصة الغرانيق كله ضعيف ولم يثبت فيها حديث صحيح قط، والذي ثبت في الصحيح هو قراءة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لسورة النجم وسجوده وسجود المشركين معه والذي عصم منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو المعصوم أن ينطق بكلمة: تلك الغرانيق العلا.. الخ وإنما نطق بها الشيطان وأسمعها المشركين للفتنة كما في التفسير المثبت فيه رأي ابن جرير إمام المفسّرين رحمه الله تعالى.

صفحة رقم 488

الآيات بعده١ ﴿فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم﴾ أي تطمئن وتسكن عنده وتخشع فيزدادون هدى. وقوله تعالى: ﴿وإن الله لهاد٢ الذين آمنوا إلى صراط مستقيم﴾ هذا إخبار منه تعالى عن فعله مع أوليائه المؤمنين به المتقين له وأنه هاديهم في حياتهم وفي كل أحوالهم إلى صراط مستقيم يفضي بهم إلى رضاه وجنته، وذلك بحمايتهم من الشيطان وتوفيقهم وإعانتهم على طاعة الرحمن سبحانه وتعالى. وقوله تعالى: ﴿ولا يزال الذين كفروا في مرية منه٣﴾ أي من القرآن هل هو كلام الله هل هو حق هل إتباعه نافع وتستمر هذه المرية والشك بأولئك القساة القلوب أصحاب الشقاق البعيد ﴿حتى تأتيهم الساعة بغتة﴾ أي فجأة وهي القيامة ﴿أو يأتيهم عذاب يوم عقيم٤﴾ أي لا خير فيه لهم وهو يوم بدر وقد تم لهم ذلك وعندها زالت ريبتهم وعلموا أنه الحق حيث لا ينفع العلم.
وقوله تعالى: ﴿الملك٥ يومئذ لله﴾ أي يوم تأتي الساعة يتمحض الملك لله وحده فلا يملك معه أحد فهو الحاكم العدل الحق يحكم بين عباده بما ذكر في الآية وهو أن الذين آمنوا به وبرسوله وبما جاء به وعملوا الصالحات من فرائض ونوافل بعد تخليهم عن الشرك والمعاصي يدخلهم. جنات النعيم، والذين كفروا به وبرسوله وبما جاء به، وكذبوا بآيات الله المتضمنة شرائعه وبيان طاعاته فلم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات وعملوا العكس وهو السيئات فأولئك البعداء في الحطة والخسة لهم عذاب مهين يكسر أنوفهم ذلة لهم ومهانة لأنفسهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان سنة الله في إلقاء الشيطان في قراءة الرسول أو النبي للفتنة.
٢- بيان أن الفتنة يهلك فيها مرضى القلوب وقساتها، ويخرج منها المؤمنون أكثر يقيناً.

١ قوله تعالى: ﴿وليعلم الذين أوتوا العلم﴾ جائز أن يكونوا من المؤمنين ومن أهل الكتاب.
٢ ومثبتهم على الهداية.
٣ ومن الدين ومن كل ما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٤ وعذاب يوم القيامة عذاب عظيم باعتبار أنه يوم لا ليلة له فهذا وجه العقم لأنّ العقيم هو الذي لا يخلّف ولداً، ولما ذكر عذاب يوم القيامة تعيّن أن يكون هو يوم بدر ومعنى عقمه: أنه لا خير فيه للمشركين ولم يحصلوا منه على فائدة.
٥ قالوا: الملك هو اتساع المقدور لمن له تدبير الأمور، وقيل في الآية إشارة إلى يوم بدر وهو بعيد ولا داعي إليه، ودلالة الآية تنفيه.

صفحة رقم 489
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية