
تطق، ولم نكن بأعجز من بعض الوحوش التي هي أصغر منها جرما وأقل قوّة، وكفى بما يتأبد من الإبل شاهدا وعبرة.
[سورة الحج (٢٢) : آية ٣٧]
لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧)
أى: لن يصيب رضا الله اللحوم المتصدق بها ولا الدماء المهراقة بالنحر، والمراد أصحاب اللحوم والدماء، والمعنى: لن يرضى المضحون والمقرّبون ربهم إلا بمراعاة النية والإخلاص والاحتفاظ بشروط التقوى في حل ما قرب به، وغير ذلك من المحافظات الشرعية وأوامر الورع. فإذا لم يراعوا ذلك، لم تغن عنهم التضحية والتقريب وإن كثر ذلك منهم. وقرئ:
لن تنال الله. ولكن تناله: بالتاء والياء. وقيل: كان أهل الجاهلية إذا نحروا البدن نضحوا الدماء حول البيت ولطخوه بالدم، فلما حج المسلمون أرادوا مثل ذلك، فنزلت.
كرّر تذكير النعمة بالتسخير ثم قال: لتشكروا الله على هدايته إياكم لأعلام دينه ومناسك حجه، بأن تكبروا وتهللوا، فاختصر الكلام بأن ضمن التكبير معنى الشكر، وعدى تعديته.
[سورة الحج (٢٢) : آية ٣٨]
إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨)
خص المؤمنين بدفعه عنهم ونصرته لهم، كما قال إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا وقال إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وقال وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وجعل العلة في ذلك أنه لا يحب أضدادهم: وهم الخونة الكفرة الذين يخونون الله والرسول ويخونون أماناتهم ويكفرون نعم الله ويغمطونها «١». ومن قرأ يُدافِعُ فمعناه يبالغ في الدفع عنهم، كما يبالغ من يغالب فيه، لأن فعل المغالب يجيء أقوى وأبلغ.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٣٩ الى ٤١]
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١)

أُذِنَ ويُقاتَلُونَ قرئا على لفظ المبنى للفاعل والمفعول جميعا: والمعنى: أذن لهم في القتال، فحذف المأذون فيه لدلالة يقاتلون عليه بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا أى بسبب كونهم مظلومين وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان مشركو مكة يؤذونهم أذى شديدا، وكانوا يأتون رسول الله ﷺ من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه، فيقول لهم:
اصبروا فإنى لم أومر بالقتال، حتى هاجر فأنزلت هذه الآية، وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين «١» آية. وقيل: نزلت في قوم خرجوا مهاجرين فاعترضهم مشركو مكة فأذن لهم في مقاتلتهم. والأخبار بكونه قادرا على نصرهم عدة منه بالنصر واردة على سنن كلام الجبابرة، وما مرّ من دفعه عن الذين آمنوا مؤذن بمثل هذه العدة أيضا أَنْ يَقُولُوا في محل الجرّ على الإبدال من حَقٍّ أى بغير موجب سوى التوحيد الذي ينبغي أن يكون موجب الإقرار والتمكين لا موجب الإخراج والتسيير. ومثله: هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ.
دفع الله بعض الناس ببعض: إظهاره وتسليطه المسلمين منهم على الكافرين بالمجاهدة، ولولا ذلك لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم، وعلى متعبداتهم فهدموها، ولم يتركوا للنصارى بيعا، ولا لرهبانهم صوامع، ولا لليهود صلوات، ولا للمسلمين مساجد. أو لغلب المشركون من أمّة محمد ﷺ على المسلمين وعلى أهل الكتاب الذين في ذمتهم وهدموا متعبدات الفريقين. وقرئ: دفاع. ولهدمت: بالتخفيف. وسميت الكنيسة «صلاة» لأنه يصلى فيها. وقيل: هي كلمة معرّبة، أصلها بالعبرانية: صلوثا مَنْ يَنْصُرُهُ أى ينصر دينه وأولياءه: هو إخبار من الله عز وجل بظهر الغيب عما ستكون عليه سيرة المهاجرين رضى الله عنهم إن مكنهم في الأرض وبسط لهم في الدنيا، وكيف يقومون بأمر الدين. وعن عثمان رضى الله عنه: هذا والله ثناء قبل بلاء. يريد: أنّ الله قد أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا.
وقالوا: فيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين، لأنّ الله لم يعط التمكين ونفاذ الأمر مع السيرة
فأنزل الله إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ فلما هاجروهم أحلوهم مالهم وقتالهم فقال أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ- الآية.