
كان أهل الجاهلية يضرجون بيوتهم بالدماء فأراد المسلمون أن يفعلوا مثلهم فنزلت الآية لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها والنيل لا يتعلق بالمولى ولكن المراد لن يقبل ولن يصل إليه، ولن يصعد إليه شيء من لحومها ولا دمائها، ولكن يناله التقوى والإخلاص، كذلك سخرها لكم لتكبروا الله عند ذبحها على ما هداكم ووفقكم إليه، وبشر المحسنين الذين يحسنون العمل، ويقومون به على أتم ما يكون.
المؤمنون الذين يدافع الله عنهم وينصرهم [سورة الحج (٢٢) : الآيات ٣٨ الى ٤١]
إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١)
المفردات:
خَوَّانٍ كثير الخيانة، لَقَدِيرٌ قادر على نصر عباده نصرا مؤزرا

لَهُدِّمَتْ خربت، وقيل: عطلت الصلاة فيها صَوامِعُ وهي: صوامع الرهبان، وقيل: هي خاصة بالصابئين، وَبِيَعٌ جمع بيعة. وهي كنيسة النصارى، صَلَواتٌ: هي كنائس اليهود وأصلها بالعبرية صلوتا فعربت، وَمَساجِدُ هي أماكن الصلاة للمسلمين وإن كانت الأرض كلها جعلت للنبي صلّى الله عليه وسلّم مسجدا وتربتها طهورا لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ والقوى القادر على كل شيء، والعزيز الذي لا يغلبه غالب.
ولما ذكر الله- سبحانه وتعالى- صد الكفار للنبي صلّى الله عليه وسلّم عن الحج، ومنعهم له من دخوله الحرم- وبهذه المناسبة بين بعض ما يلزم في الحج ومناسكه، وما فيه من منافع في الدنيا والآخرة- أتبع ذلك ببيان ما يزيل الصد والمنع، وما يجعل المسلمين أعزة أحرارا أقوياء...
المعنى:
إن الله يدافع عن الذين آمنوا، ويدفع عنهم شر أعدائهم، وينصرهم، ويؤيدهم على عدوهم، وإن الله لا يحب كل خوان للعهد، كفور بالنعم، يذكر غير الله، ويتقرب بذبيحته لصنم أو وثن، وكان المشركون المعاصرون للنبي صلّى الله عليه وسلّم تنطبق عليهم تلك الأوصاف.
كان المشركون يؤذون النبي صلّى الله عليه وسلّم وصحبه الكرام بألسنتهم وأيديهم إيذاء شديدا حتى شكا الصحابة لرسول الله ذلك، فكان
يقول لهم: «اصبروا فإنّى لم أومر بالقتال»
وظل الحال ينتقل من شدة إلى شدة، حتى هاجر المسلمون إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، وهاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذلك، فأنزل الله- سبحانه- بالمدينة آيات القتال، وكانت أول آية نزلت: قوله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، وهي مقررة أيضا لمضمون قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، فإذا إباحة القتال لهم، وكونهم يصمدون في الحرب ضد الكفار، بل ويهزمونهم دفاع من الله عنهم، ونصر مؤزر لهم!.
أذن للذين يقاتلون، أى: أذن لهم من الله في قتال من يقاتلهم ويعتدى عليهم، وسبق له أن أخرجهم من ديارهم وأموالهم، وسامهم سوء العذاب. وذلك بسبب

أنهم ظلموا في كل ما لحقهم من الكفار، وإن الله على نصر المؤمنين لقدير، ينصرهم بغير حرب ولا تعب، ولكن يريد الله من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته، وليمحص الله الذين آمنوا، ولو يشاء الله لانتصر منهم، ولكن ليبلو بعضكم ببعض.
ثم وصف هؤلاء المؤمنون بقوله: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ أى مكة بغير حق يقتضى الإخراج. لكن لقولهم: ربنا الله، وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [سورة البروج آية ٨].
أيها الناس: لا تعجبوا من إذن الله لأوليائه بالقتال، ووعدهم بالنصر على أعدائهم وحثهم على القتال، فلولا ما شرعه الله للأنبياء والمؤمنين من قتال أعداء الله وأعدائهم قديما وحديثا لاستولى أهل الشرك عليهم، ولضاعت مواضع العبادة في الأرض، وهدمت صوامع الرهبان، وبيع النصارى وكنائسهم، وصلوات اليهود وكنائسهم، وكذلك مساجد المسلمين التي يذكر فيها اسم الله ذكرا كثيرا.
وو الله لينصرن الله من ينصره، إن الله لقوى قادر. عزيز لا يغالب ومن ينصره الله هو من ينصر دينه ويتبع أمره ونهيه، ويطيع رسوله وكتابه، والله- سبحانه وتعالى- أقسم لينصرنه، ومن أصدق من الله حديثا: إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ، أفبعد صريح القرآن نطلب من الله النصر والدفاع. وما نصرنا دينه إلا بالانتساب إليه بالاسم فقط. أما القرآن، وحكمه، أما روح الدين والخوف من الله، فشيء في الكتب فقط، ويردد على اللسان فحسب، ولقد صدق الله: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سورة سبأ آية ١٣].
من ينصره الله هم الذين إن مكناهم في الأرض وأعطيناهم السلطان على الناس، أتوا بأربعة أمور عليها ينبنى الملك، وبها تؤسس الدولة الصالحة وهي:
(أ) إقامة الصلاة كاملة تامة في أوقاتها وبشروطها، إذ هي الواجب العملي الأول على كل مسلم، وهي الصلة بين العبد وربه، وهي مطهرة للنفس، وتقوية للروح، وتجديد لمعنى الإسلام، ودواء لكل داء إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ [سورة العنكبوت آية ٤٥] وإقامة الصلاة لامتثال العبد أمر الله كله.
(ب) إيتاء الزكاة. والحوادث التي مرت بالعالم في العصر الحديث، وما نتج من