
«فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها» : أي سقطت على وجه الأرض فى حال النّحر فأطعموا القانع الذي ألقى جلباب الحياء وأظهر فقره للناس، والمعترّ الذي هو فى تحمّله متحمّل، ولمواضع فاقته كاتم.
قوله جل ذكره:
[سورة الحج (٢٢) : آية ٣٧]
لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧)
لا عبرة بأعيان الأفعال سواء كانت بدنية محضة، أو مالية صرفة، أو بما له تعلّق بالوجهين، ولكن العبرة باقترانها بالإخلاص «١»، فإذا انضاف إلى أكساب الجوارح إخلاص القصود، وتجرّدت عن ملاحظة أصحابها للأغيار صلحت للقبول «٢».
ويقال التقوى شهود الحقّ بنعت التفرّد فلا يشاب تقرّبك بملاحظة أحد، ولا تأخذ عوضا على عمل من بشر.
«لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ» : أي هداكم وأرشدكم إلى القيام بحقّ العبودية على قضية الشرع.
«وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ» : والإحسان كما فى الخبر: «أن تعبد الله كأنك تراه..».
وأمارة صحته سقوط التعب بالقلب عن صاحبه، فلا يستثقل شيئا، ولا يتبرم بشىء.
قوله جل ذكره:
[سورة الحج (٢٢) : آية ٣٨]
إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨).
(٢) يرى القشيري ان هذا جوهر العبادات جميعا، أن تكون خالصة لله، وقد فصلنا ذلك عند بحثنا عن القشيري المفسر.
انظر كتابنا (الإمام القشيري ومذهبه فى التصوف) ط مؤسسة الحلبي.

يدفع عن صدورهم نزغات الشيطان، وعن قلوبهم خطرات العصيان، وعن أرواحهم طوارق النسيتان.
والخيانة على أقسام: خيانة فى الأموال تفصيلها فى المسائل الشرعية، وخيانة فى الأعمال، وخيانة فى الأحوال فخيانة الأعمال بالرياء والتصنع، وخيانة الأحوال بالملاحظة والإعجاب والمساكنة، وشرّها الإعجاب، ثم المساكنة وأخفاها الملاحظة «١».
ويقال خيانة الزاهدين عزوفهم عن الدنيا (على) «٢» طلب الأعواض ليجدوا فى الآخرة حسن المآل.. وهذا إخلاص الصالحين. ولكنه عند خواص الزهاد خيانة لأنهم تركوا دنياهم لا لله ولكن لوجود العوض على تركهم ذلك من قبل الله.
وخيانة العابدين أن يدعوا شهواتهم ثم يرجعون إلى الرّخص، فلو صدقوا فى مرماهم لما انحطّوا إلى الرخص بعد ترقيهم عنها.
وخيانة العارفين جنوحهم إلى وجود مقام، وتطلعهم لمنال منزلة وإكرام من الحق ونوع تقريب.
وخيانة المحبين روم فرحة «٣» مما يمسهم من برحاء المواجيد، وابتغاء خرجة مما يشتدّ عليهم «٤» من استيلاء صدّ، أو غلبات شوق، أو تمادى أيام هجر.
وخيانة أرباب التوحيد أن يتحرك لهم للاختيار عرق، ورجوعهم- بعد امتحائهم عنهم- إلى شظية من أحكام الفرق، اللهم إلا أن يكون ذلك منهم موجودا، وهم عنه مفقودون «٥».
(٢) (على) طلب الأعواض معناها لأجل طلب الأعواض.
(٣) (روم) فى ص و (روح) فى م، ونظن أنها (فرجة) بالجيم كما سبق منذ قليل حين استعمل القشيري (فرجة، وخرجة) فى سياق مماثل.
(٤) هكذا فى م وهى فى ص مما (يشق عليهم) وكلاهما مقبول فى السياق. [.....]
(٥) معنى هذا أن القشيري يسلم بأنه قد يحدث من العبد الواله ما ينبغى أن يعذر فيه، إن صحّ صدقه فى التوجه، واشتد وقع المحو عليه.