
والمستحب للمُهْدي أن يطلب القانع والمعتر، فيعطيهما جميعًا، قيامًا بالأمر وامتثالًا له.
قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ﴾ كذلك أي: مثل ما وصفنا من نحرها قيامًا، والإطعام منها ﴿سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ﴾ نعمة منا عليكم لتتمكنوا من نحرها على الوجه المسنون.
﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد لكي تطيعوني. وشكر الله طاعة له واعتراف بإنعامه.
٣٧ - قوله تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا﴾ قال الكلبي: كان أهل الجاهلية إذا نحروا البدن نضحوا دماءها حول البيت قربة إلى الله، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك، فأنزل الله هذه الآية (١).
وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٤ - ٥٥ بمثل لفظ البيهقي، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في "سننه".
واختار الطبري ١٧/ ١٧٠ أن القانع: السائل، والمعتر هو الذي يأتيك معترًا بك لتعطيه وتطعمه، وعّلل ذلك بقوله: لأنه لو كان المعني بالقانع -في هذا الموضع: المكتفى بما عنده والمستغني به- لقيل: وأطعموا القانع والسائل، ولم يقل "وأطعموا القانع والمعتر" وفي اتباع ذلك قوله "والمعتر" الدليل الواضح على أن القانع معني به السائل..
وقال النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٤١٣ عن القول بأن القانع هو السائل والمعتر الذي يتعرض لك ولا يسألك، إنه أحسن ما قيل في هذا وهو الصحيح في اللغة. واستظهر هذا القول الشنقيطي في "أضواء البيان" ٥/ ٦٩٥.
(١) ذكر السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٥ - ٥٦ نحوه عن ابن عباس، وعزاه لابن المنذر وابن مردويه. =

وقال الزَّجَّاج: كانوا إذا ذبحوا لطَّخُوا البيت بالدم (١).
والمعنى: لن يصل إلى الله اللحوم ولا الدماء أي: لن يتقرب إليه بها.
وقال مقاتل بن حيّان: لن يُرفع إلى الله لحومها ولا دماؤها، ولكن يرفع إلى الله منكم الأعمال الصالحة والتقوى (٢).
والمعنى لن يتقبل الله اللحوم ولا الدّماء، ولكن يتقبل التقوى فيها وفي غيرها بإيجاب الثواب عليها.
وقيل: لن يبلغ رضا الله لحومها ولا دماؤها، ولكن يبلغه التقوى منكم (٣).
وقال الأزهري: لن يصل إلى الله ما يُنيلكم به ثوابه غير التقوى، دون اللحوم والدماء (٤).
قوله: ﴿وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد النيّات.
وقال إبراهيم: التقوى ما أُريد به وجهه (٥).
وذكر ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢٢٥ نحوه من رواية ابن أبي حاتم عن ابن جريج. ولم يثبت في سبب نزول هذه الآية شيء صحيح.
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٩.
(٢) ذكره عنه السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٦، وعزاه لابن أبي حاتم.
(٣) ذكر هذا القول الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٨٤، والحاكم الجشمي في "التهذيب" ٦/ ١٧٩ ب، ولم ينسباه لأحد.
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ١٥/ ٣٧٢ دون قوله: دون اللحوم والدماء.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ١٧٠. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٥٦، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم بلفظ: ما التمس به وجه الله تعالى.