آيات من القرآن الكريم

لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ
ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ

نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس هو مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ» «١» أَخْرَجَاهُ، فَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ:
إِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ ذبح الأضاحي إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ النَّحْرِ وَمَضَى قَدْرُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَالْخُطْبَتَيْنِ، زَادَ أَحْمَدُ: وَأَنْ يَذْبَحَ الْإِمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مسلم: وأن لا تَذْبَحُوا حَتَّى يَذْبَحَ الْإِمَامُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمَّا أَهْلُ السَّوَادِ مِنَ الْقُرَى وَنَحْوِهِمْ فَلَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِذْ لَا صلاة عيد تشرع عِنْدَهُ لَهُمْ. وَأَمَّا أَهْلُ الْأَمْصَارِ فَلَا يَذْبَحُوا حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قِيلَ: لا يشرع بالذبح إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ وَحْدَهُ. وَقِيلَ: يَوْمُ النَّحْرِ لِأَهْلِ الْأَمْصَارِ لِتَيَسُّرِ الْأَضَاحِيِّ عِنْدَهُمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى فَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ بَعْدَهُ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ.
وَقِيلَ: يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمٌ بَعْدَهُ لِلْجَمِيعِ، وَقِيلَ: وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ، وَبِهِ قال الإمام أَحْمَدُ. وَقِيلَ: يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «أيام التَّشْرِيقِ كُلُّهَا ذَبْحٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ «٢» وَابْنُ حِبَّانَ.
وَقِيلَ: إِنَّ وَقْتَ الذَّبْحِ يَمْتَدُّ إِلَى آخَرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيُّ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ. وَقَوْلُهُ: كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ يَقُولُ تَعَالَى مِنْ أَجْلِ هَذَا سَخَّرْناها لَكُمْ أَيْ ذللناها لكم، وجعلناها مُنْقَادَةً لَكُمْ خَاضِعَةً، إِنْ شِئْتُمْ رَكِبْتُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ حَلَبْتُمْ، وَإِنْ شِئْتُمْ ذَبَحْتُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ- إلى قوله- أَفَلا يَشْكُرُونَ [يس: ٧١- ٧٣] وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الكريمة: كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
[سورة الحج (٢٢) : آية ٣٧]
لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧)
يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّمَا شَرَعَ لَكُمْ نَحْرَ هَذِهِ الْهَدَايَا والضحايا لتذكروه عند ذبحها، فإنه الخالق الرزاق لا يَنَالُهُ شَيْءٌ مِنْ لُحُومِهَا وَلَا دِمَائِهَا، فَإِنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ وَقَدْ كَانُوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ إِذَا ذَبَحُوهَا لِآلِهَتِهِمْ وَضَعُوا عَلَيْهَا مِنْ لُحُومٍ قَرَابِينِهِمْ، وَنَضَحُوا عَلَيْهَا مِنْ دِمَائِهَا، فَقَالَ تَعَالَى: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَنْضَحُونَ الْبَيْتَ بِلُحُومِ الْإِبِلِ وَدِمَائِهَا، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَنَحْنُ أَحَقُّ أَنْ نَنْضَحَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ أَيْ يَتَقَبَّلُ ذَلِكَ وَيَجْزِي عَلَيْهِ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ «إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى

(١) أخرجه البخاري في العيدين باب ٨، ١٠، ومسلم في الأضاحي حديث ٧.
(٢) المسند ٤/ ٨٢.

صفحة رقم 378

قلوبكم وأعمالكم» «١». وجاء في الحديث «إن الصدقة لتقع فِي يَدِ الرَّحْمَنِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ السَّائِلِ، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ» كَمَا تقدم في الْحَدِيثُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا، فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سِيقَ لِتَحْقِيقِ الْقَبُولِ مِنَ اللَّهِ لِمَنْ أَخْلَصَ فِي عَمَلِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى يَتَبَادَرُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ سِوَى هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُسْلِمٍ أَبِي الضَّحَّاكِ: سَأَلْتُ عَامِرًا الشَّعْبِيَّ عَنْ جُلُودِ الْأَضَاحِيِّ، فَقَالَ: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها إِنْ شِئْتَ فَبِعْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَمْسِكْ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَصَدَّقْ. وَقَوْلُهُ: كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ سَخَّرَ لَكُمُ الْبُدْنَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ أَيْ لِتُعَظِّمُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ لِدِينِهِ وَشَرْعِهِ وَمَا يحبه ويرضاه وَنَهَاكُمْ عَنْ فِعْلِ مَا يَكْرَهُهُ وَيَأْبَاهُ. وَقَوْلُهُ: وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ أَيْ وَبَشِّرْ يَا مُحَمَّدُ الْمُحْسِنِينَ أَيْ فِي عَمَلِهِمُ الْقَائِمِينَ بِحُدُودِ اللَّهِ الْمُتَّبِعِينَ مَا شُرِعَ لَهُمُ الْمُصَدِّقِينَ الرَّسُولَ فِيمَا أَبْلَغَهُمْ وَجَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
[مَسْأَلَةٌ] وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ إِلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى مَنْ مَلَكَ نِصَابًا، وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ اشْتِرَاطَ الْإِقَامَةِ أَيْضًا، وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» «٢» عَلَى أَنَّ فِيهِ غَرَابَةٌ، وَاسْتَنْكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرٌ سِنِينَ يُضَحِّي، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سوى الزكاة» وقد تقدم أنه عليه الصلاة والسلام ضَحَّى عَنْ أُمَّتِهِ، فَأَسْقَطَ ذَلِكَ وُجُوبَهَا عَنْهُمْ. وَقَالَ أَبُو سُرَيْحَةَ: كُنْتُ جَارًا لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَكَانَا لَا يُضَحِّيَانِ خَشْيَةَ أَنْ يَقْتَدِيَ النَّاسُ بِهِمَا، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الْأُضْحِيَّةُ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، إِذَا قَامَ بِهَا وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ دار أو محلة أو بيت، سَقَطَتْ عَنِ الْبَاقِينَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِظْهَارُ الشِّعَارِ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول بِعَرَفَاتٍ: «عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحَاةٌ وَعَتِيرَةٌ، هَلْ تَدْرُونَ مَا الْعَتِيرَةُ؟ هِيَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الرَّجَبِيَّةُ» «٣» وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِهِ. وَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فيأكلون وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ، فَصَارَ كَمَا تَرَى، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جميع أهله، رواه البخاري.

(١) أخرجه مسلم في البر حديث ٣٣، وابن ماجة في الزهد باب ٩، وأحمد في المسند ٢/ ٢٨٥، ٥٣٩.
(٢) أخرجه ابن ماجة في الأضاحي باب ٢، وأحمد في المسند ٢/ ٣٢١. [.....]
(٣) أخرجه أبو داود في الأضاحي باب ٦، والترمذي في الأضاحي باب ١٨، وابن ماجة في الأضاحي باب ٢، وأحمد في المسند ٤/ ٢١٥، ٥/ ٧٦.

صفحة رقم 379
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية