٢٥ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ قال الفراء: رد يفعلون على فعلوا (١)؛ لأن المعنى: أن الصد منهم كالدائم فاختير له يفعلون، كأنك قلت: إن الذين كفروا (٢) من شأنهم الصد، ومثله قوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ﴾ [الرعد: ٢٨] قال: وإن شئت (٣) قلت: رد (٤) يفعلون على فعلوا، لأن معناهما كالواحد فلو قيل: إن الذين كفروا وصدوا لم يكن فيه ما يسأل عنه (٥).
وهذا معنى قول الكسائي: إن الذين كفروا ويصدون ولم يقل وصدوا وهي هيئة (٦) يعني أنه بمعنى الماضي.
ونحو هذا قال الزجاج: لفظ المستقبل عطف به (٧) على الماضي، لأن معنى ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ الذين هم كافرون، وكأنه قال: إن الكافرين والصادين (٨).
فهؤلاء جعلوا لفظ المستقبل هاهنا بمنزلة الماضي.
قال أبو علي: المعنى عندي إن الذين كفروا وصدوا [فلما كان
(١) أي عطف (يصدون) على (كفروا).
(٢) عند الفراء ٢/ ٢٢١: إن الذين كفروا [و] من شأنهم الصد. زيادة واو.
(٣) في (أ): (إن شئت).
(٤) (رد): ساقطة من (ظ).
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٠ - ٢٢١ مع اختلاف.
(٦) (هيئ) ة: مهملة في (ظ)، (د)، (ع).
(٧) في (ظ)، (د): (به عطف).
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٠.
المعطوف عليه ماضيًا بل على أن المراد بالمضارع أيضًا الماضي، ويقوي هذا قوله ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ﴾ [محمد: ١]. قال: ويجوز أن يكون المضارع على بأبه كأنه قال: إن الذين كفروا فيما مضى وهم الآن يصدون مع ما تقدم من كفرهم. والأول كأنه أقوى. والإرادة بمثال المضارع الماضي مذهب سيبويه لأنه قال (١): ويقع يفعل في موضع فعل في بعض المواضع وأنشد الشاعر (٢) فقال:
ولقد أمرُّ على اللئيم يسبني... فمضيت ثمت قلت: لا يعنيني (٣)
على معنى: ولقد مررت. انتهت الحكاية عن أبي علي (٤).
وذكرنا هذا وبيانه عند قوله: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ [البقرة: ١٠٢] الآية.
قوله تعالى: ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ﴾ [قال أبو إسحاق: ﴿جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ﴾ (٥)] وقف التمام، ومعنى {جَعَلْنَاهُ
(٢) في (أ): (وأنشد)، والمثبت من باقي النسخ.
(٣) البيت أنشده سيبويه في "الكتاب" ٣/ ٢٤ منسوبًا لرجل مولد من بني سلول، وذلك في "المقاصد النحوية" للعيني ٤/ ٥٨ وفيه. وأعف ثم أقول ما... ، و"تحصيل عين الذهب" للشنتمري ١/ ٤١٦.
ونسبه الأصمعي في "الأصمعيات" ص ١٢٦ لشمر بن عمرو الحنفي، وروايته فيها: (مررت) في موضع (أمر)، ولا شاهد فيهما على هذه الرواية.
والبيت بلا نسبة في: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٣٢٣، والطبري ٢/ ٣٥١ وروايته فيه: فمضيت عنه وقلت: لا يعنيني، و"الخصائص" لابن جني ٣/ ٣٣٠. وانظر: "الخزانة" ١/ ٣٥٧.
(٤) لم أجده بنصه. وانظر: "الحجة" ٣/ ٣٥.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ)
لِلنَّاسِ} كما قال ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: ٩٦] ويكون ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ رفعا على الابتداء والخبر (١).
وهذا معنى قول الفراء: جعل الفعل -يعني جعلناه- واقعًا على الهاء واللام التي في الناس، ثم استأنف وقال: ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾.
قال: ومن شأنِ العرب أن يستأنفوا بسواء (٢) إذا جاءت بعد حرف قد تم به الكلام، فيقولون: مررت برجل سواءٌ عنده الخير والشر. والخفض جائز. وإنما اختاروا الرفع لأن سواء بمعنى واحد. ولو قلت: مررت على رجل واحد عنده الخير والشر لرفعت (٣).
قال أبو علي: قوله ﴿جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ﴾ أي مستقرًا ومنسكًا (٤) ومتعبدًا. والمعنى على أنه نصبه لهم منسكًا ومتعبدًا (٥) كما قال ﴿وُضِعَ لِلنَّاسِ﴾، وقوله ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ﴾ رفع على أنه خبر ابتداء مقدم، المعنى: العاكف والبادي فيه سواء. ومن نصب فقال (سواء (٦)) أعمل المصدر عمل (٧) اسم الفاعل فرفع (العاكف) (٨) [به كما يرفع بمستواه لو قال: مستويًا فيه العاكف
(٢) في (أ): (السواء)، وهو خطأ.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٢. والعبارة الأخيرة فيه: لأن سواء في مذهب واحد، كأنك قلت: مررتُ على رجل واحدُ عند الخير والشر. وليس فيه لرفعت.
(٤) في (أ): (أو منسكا).
(٥) في (أ): (كررت جملة: ، (والمعنى أنه نصب لهم منسكًا ومتعبدًا).
(٦) قرأ حفص عن عاصم: (سواء) نصبًا، وقرأ الباقون (سواء) رفعا. "السبعة" ص ٤٣٥، "التبصرة" ص ٢٦٦، "التيسير" ص ١٥٧.
(٧) في (ظ)، (ع): (على)، وهو خطأ.
(٨) في "الحجة" ٥/ ٢٧١: فرفع (العاكف فيه) كما يرفع.
والباد. فرفع العاكف] (١) بمستوٍ كذلك يرفعه بسواء. والأكثر الرفع في نحو هذا وأن لا تجعل هذا النحو من المصدر بمنزلة اسم الفاعل في الإعمال. ووجه إعماله أن المصدر قد يقام مُقَام اسم الفاعل في الصفة في نحو: رجل عدل. فيصير عدل كعادل (٢).
قال المفسرون في قوله: ﴿الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ﴾ خلقناه وبنيناه (٣) للناس كلهم لم يخص به منهم بعضا دون بعض (٤).
﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ قال ابن عباس: يريد الحاضر، والبادي: الذي يأتيه من البلاد، هم فيه سواء (٥).
وقال سفيان: العاكف فيه: المقيم، والبادي: الذي ينتابه (٦).
(٢) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٧٠ - ٢٧٢. مع اختلاف يسير وتقديم وتأخير وانظر: "علل القراءات" للأزهري ٢/ ٤٢٣، "إعراب القراءات وعللها" لابن خالويه ٢/ ٧٤.
وذكر مكي بن أبي طالب وأبو شامة وجهاً آخر في قراءة النصب، قال أبو شامة: ويجوز أن يكون حالاً من الهاء في (جعلناه)، و (للناس) هو المفعول الثاني، أي جعلناه لهم في حال استواء العاكف والبادي فيه.
"الكشف عن وجوه القراءات السبع" لمكي ٢/ ١١٨، "إبراز المعاني" لأبي شامة ص ٦٠٤.
(٣) هكذا في جميع النسخ. وفي "الكشف والبيان" للثعلبي (جـ ٣ ل ٥٠ أ) المنقول منه النص، و"البسيط" ٣/ ٢٦٥: بنيناه.
(٤) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٥٠ أ، وانظر الطبري١٧/ ١٣٧.
(٥) روى ابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" ٦/ ٢٤ من ابن عباس (العاكف) أهل مكة (والباد) من كان من غير أهلها.
(٦) انظر: "المحرر" لابن عطية ١٠/ ٢٥٦ عن سفيان الثوري.
[وقال قتادة: العاكف: أهله، والبادي: غيرهم (١).
وقال السدي: العاكف المقيم فيه من أهل البلد، والبادي الذي ينتابه] (٢) من غير أهله.
وقال عطاء: العاكف أهل مكة، والبادي من أتاه من أرض غربة (٣)
وقال الفراء: العاكف من كان من أهل مكة، والبادي من نزع إليه بحج أو عمرة (٤).
وقال الزجاج: العاكف المقيم بها، والبادي النازع إليها من أي بلد كان (٥).
وقال ابن قتيبة: البادي الطارئ من البدو (٦).
ومعنى البادي: النازع إليه من غربة. من قولهم: قد بدا القوم إذا خرجوا من الحضر إلى الصحراء والمسافر باد وهو خلاف الحاضر (٧).
واختلفوا في أن العاكف والباد في إيش (٨) يستويان؟.
فذهب (٩) الأكثرون إلى أنهما يستويان في سكنى مكة والنزول بها، فليس أحدهما بأحق بالمنزل يكون فيه من الآخر.
(٢) ما بين المعقوفبن ساقط من (ظ).
(٣) رواه الطبري ١٧/ ١٣٨ بمعناه.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢١.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢١.
(٦) "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٩١.
(٧) انظر: "لسان العرب" ١٤/ ٦٧ (بدا).
(٨) غير منقوطة في (أ). ومعنى إيشٍ: أي شيء.
(٩) في (ظ): (فذكر).
وقال عبد الرحمن بن سابط: العاكف فيه ومن يجيء من الحجاج والمعتمرين سواء في المنازل غير أن لا يخرج أحد من بيته (١).
وهذا قول ابن عباس، وقتادة، وسعيد بن جبير، وابن زيد، وأبي صالح (٢).
ومن مذهب هؤلاء: أن كراء دور مكة وبيعها حرام لقوله تعالى ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ فجعل الطارئ كالمقيم فيه فليس أحد أحق بمنزلة من أحد إلا أن يكون سبق إلى منزل.
قال أبو علي: واستواء العاكف والبادي فيه دلالة على أن (٣) أرض الحرم لا تملك، ولو ملكت لم يستويا فيه وصار العاكف فيها (٤) أولى بها من البادي لحق ملكه، ولكن سبيلها كسبيل المساجد الذي من سبق إليها كان أولى [بالمكان لسبقه، وسبيل المباح الذي من سبق إليه كان أولى] (٥) به (٦).
وهذا مذهب ابن عمر، قال: سواء أكلت مُحرّمًا أو كراء دار مكة (٧).
وعلى قول هؤلاء المسجد الحرام في هذه الآية معناه الحرم كله كقوله: ﴿الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [الإسراء: ١] وقد مر.
وقال آخرون (٨): معنى ﴿سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ﴾ في تفضيله وتعظيم
(٢) روى الطبري ١٧/ ١٣٧ هذا القول عن هؤلاء جميعًا.
وذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٠ أعنهم سوى قتادة.
(٣) أن: ساقطة من (ظ)، (د).
(٤) في (ظ): (فيه).
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ظ).
(٦) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٥/ ٢٧١.
(٧) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" (جـ٣ل ٥٠أ)
(٨) في (ظ): (وقال آخرون) مكررة مرتين.
حرمته وإقامة المناسك به (١).
وهو مذهب مجاهد (٢) والحسن (٣)، وقول من أجاز بيع (٤) دور مكة.
وعلى قول هؤلاء المراد بالمسجد الحرام عين المسجد الذي يصلي فيه اليوم.
قال إسماعيل بن إسحاق القاضي: فظاهر القرآن يدل على أن المسجد الذي يكون فيه قضاء النسك وقضاء الصلاة، وكان المشركون يمنعون المسلمين عن الصلاة في المسجد الحرام والطواف فيه، ويدعون أنهم أربابه وولاته (٥)، وفي هذا نزل قوله تعالى: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [التوبة: ١٩] الآية. فأما المنازل فلم تزل (٦) لأهل مكة الدور والمساكن، غير أن المواساة تجب في أيام الموسم.
وجرت في هذه المسألة مناظرة بين الشافعي وإسحاق الحنظلي -رحمهما الله- بمكة (٧)، وكان إسحاق (٨) لا يرخص في كراء بيوت مكة، فاحتج الشافعي عليه بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ [الحج: ٤٠] فنسب الديار إلى مالكيها، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة: "من أغلق بابه فهو
(٢) رواه الطبري ١٠/ ١٣٧ - ١٣٨.
(٣) لم أقف عليه.
(٤) بيع: ساقطة من (ظ)، (د)، (ع).
(٥) في (أ): (وولاه).
(٦) في (ط)، (د)، (ع): (يزل غير منقوط أوله.
(٧) انظر خبر هذه المناظرة مفصلًا في: "آداب الشافعي ومناقبه" لابن أبي حاتم ص ١٨٠ - ١٨١، "مناقب الشافعي" للبيهقي ١/ ٢١٣ - ٢١٥، "طبقات الشافعية" للسبكي ٢/ ٨٩ - ٩٠.
(٨) في (ظ)، (د): (أبو إسحاق)، وهو خطأ.
آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" (١) وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وهل ترك لنا عقيل من رِباع؟ " (٢).
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ جميع أهل المعاني قالوا في (بإلحاد) زيادة (٣)، معناه: ومن يُرِدْ فيه إلحادًا بظلم، وهو قول الفراء (٤)، والأخفش (٥)، والمبرد (٦)،
(٢) رواه البخاري كتاب: الحج، باب: توريث دور مكة وبيعها وشرائها ٣/ ٤٥٠، ومسلم كتاب: الحج، باب: النزول بمكة للحاج وتوريث دورها ٢/ ٩٨٤ من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
والربع: الدار. الصحاح للجوهري ٣/ ١٢١١ (ربع).
(٣) قال ابن العربي في "أحكام القرآن" ٣/ ١٢٧٦: تكلم الناس في دخول الباء (هاهنا)، فمنهم من قال: إنها زائدة. وهذا مما لا يحتاج إليه في سبيل العربية؛ لأن حمل المعنى على الفعل أولى من حمله على الحرف، فيقال المعنى: ومن يهم فيه بميل يكون ذلك الميل ظلمًا؛ لأن الإلحاد هو الميل في اللغة، إلا أنه قد صار في عرف الشريعة ميلا مذمومًا، فرفع الله الإشكال، وبين أن الميل بالظلم هو المراد هنا.
وقال أبو حيان في "البحر المحيط" ٦/ ٣٦٣ - بعد ذكره لقول من قال إن الباء زائدة: والأولى أن تُضَمَّن (يرد) معنى (يتلبس) فيتعدى بالباء.
وقال ابن كثير ٣/ ٢١٤: والأجود أنه ضمن الفعل هاهنا معنى (يهم)، ولذا عداه بالباء فقال (ومن يرد فيه بإلحاد) أي يهم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار (بظلم) أي عامدًا قاصدًا أنه ظلم ليس بمتأول.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٣.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٣٦.
(٦) في نسبة هذا القول للمبرد والزجاج لظر.
فإن أبا جعفر النحاس في كتابه "معاني القرآن" ٤/ ٣٩٥ بعد أن حكى عن الأخفش القول بأن الباء زائدة قال: وهذا عند أبي العباس خطأ؛ لأنه لا يزاد شيء لغير =
والزجاج (١).
قال الفراء: سمعت أعرابيًّا من ربيعة (٢) -وسألته عن شيء- فقال: أرجو بذاك (٣). يريد أرجو ذاك (٤) قال: ودخلت الباء في ﴿بِإِلْحَادٍ﴾ لأن تأويله: ومن يرد بأن (٥) يلحد فيه. ودخول الباء في (أن) أسهل منه في الإلحاد؛ لأن (أن) تُضمر (٦) الخافض (٧) معها كثيرًا، فاجتمعت (٨) [دخول
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما | تَمثّلُ لي ليلى بكل سبيل |
ثم ذكر الزجاج بيتين من الشعر. ثم قال: والذي يذهب إليه أصحابنا أن الباء ليست بملغاة، المعنى عندهم: ومن إرادته فيه بأن يلحد بلظم، وهو مثل قوله: أريد لأنسى ذكرها. البيت.
(١) المرجع السابق.
(٢) ربيعة اسم لقبائل كثيرة. ولم يتميز لي المراد بهاهنا. انظر: "اللباب" لابن الأثير ٢/ ١٥ - ١٦، "معجم قبائل العرب" لكحالة ٢/ ٤٢٠ - ٤٢٦.
(٣) في جميع النسخ: بذلك. وأثبتنا ما في كتاب الفراء ٢/ ٢٢٣.
(٤) في (ظ)، (د)، (ع): (بذلك)، وهو خطأ.
(٥) في (ظ): (أن).
(٦) في (د)، (ع): (يضم)، وهو خطأ.
(٧) عند الفراء في "المعاني" ٢/ ٢٢٣: "الخوافض" وكذا الطبري ١٧/ ١٣٩ حيث نقل نص الفراء من غير تصريح باسمه.
(٨) عند الفراء في "المعاني": فاحتملت، وكذا الطبري ١٧/ ١٣٩ حيث نقل نص الفراء من غير تصريح باسمه.
الخافض وخروجه؛ لأن الإعراب لا يتبين فيها وقل] (١) دخولها في المصادر لتبين الإعراب (٢) فيها وأنشد (٣):
ألا هل أتاها والحوادث جَمَّة | بأنَّ أمرأ القيس بن تَمْلِك بيقرا (٤) |
وقال المبرد: قال آخرون: إنما يحمل هذا على مصدره. والمعنى: من كانت إرادته واقعة بالإلحاد (٦)، فدخلت الباء للمصدر.
(٢) عن الفراء في "المعاني": لتبين الخفض والرفع فيها.
(٣) في (أ) قلا دة: (الشاعر)، بعد قوله: وأنشد. والأولى حذفها.
(٤) البيت أنشده الفراء٢/ ٢٢٢ لامرئ القيس، وهو في "ديوانه" ٣٩٢ من رواية السكري وغيره، والطبري ١٧/ ١٣٩، و"الصحاح" للجوهري ٢/ ٥٩٥ (بقر)، "لسان العرب" ٤/ ٧٥ (بقر)، و"خزانة الأدب" ٩/ ٥٢٤ - ٥٢٧.
وهذا البيت من قصيدة طويلة قالها بعد أن ذهب إلى الروم مستنجدًا بقيصر للأخذ بثأر أبيه.
قال البغدادي في "الخزانة" ٩/ ٥٢٦. قوله: (ألا هل أتاها) الضمير لحبيبته، وقوله (والحوادث جمة) أي كثيرة، جملة اعتراضية بين الفعل وفاعله... ، وفائدة الاعتراض: الإخبار بأن هجرته عن بلاده حادئة من الحوادث، والعرب تتمدح بالإقامة في البدو.. و"تملك" -بفتح المثناة الفوقية: اسم امرأة. فمنهم يعني من الشراح- من قال: أمه تَمْلك، ومنهم من قال جدته، ويحتمل أن تكون جدته من قبل أمه أو أمهاتها. والله أعلم. أهـ
و (بيقرا): (قيل: بَيْقَرا لرجل بيقرة، إذا هاجر من أرض إلى أرض، وقيل: بَيْقر الرجل أقام بالحضر وترك قومه بالبادية. وقيل: بيقر الرجل إذا خرج من الشام إلى العراق. "الصحاح" للجوهري ٢/ ٥٩٥، "لسان العرب" ٤/ ٧٥.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٢٢ - ٢٢٣.
(٦) في (ظ)، (د)، (ع): (على الإلحاد).
وأنشد الزجاج (١) على هذا المذهب قول كثير:
أُريد لأنْسى ذكرها... البيت
قال: والمعنى: إرادتي لهذا، ومعنى الإلحاد في اللغة: العدول عن القصد (٢). وذكرنا ذلك في سورة النحل (٣).
واختلفوا في المراد بالإلحاد بالظلم المتوعد عليه بالعذاب الأليم:
فقال مجاهد وقتادة: هو الشرك وعبادة غير الله (٤).
وهو قول عطاء (٥)، وهو قول حبيب بن أبي ثابت، والكلبي.
وذكر هو سبب نزوله قال (٦): نزل في عبد الله بن خطل (٧) حين قتل
أريد لأنسى ذكرها فكأنَّما... تمثل لي ليلى بكل سبيل
وهو في "ديوان كثير" ص ١٠٨، "الكامل" للمبرد ٣/ ٩٧، و"أمالي القالي" ٢/ ٦٣، "لسان العرب" ٣/ ١٨٨ (رود)، و"المقاصد النحوية" للعيني ٢/ ٢٤٩، و"خزانة الأدب" ١٠/ ٣٢٩.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢١.
(٣) عند قوله تعالى: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ﴾ [النحل: ١٠٣].
(٤) ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٠ ب عنهما. ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٤، والطبري ١٧/ ١٤٠ عن قتادة.
(٥) رواه سعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ١٥٥ ب) من طريق حبيب بن أبي ثابت، عنه قال: القتل والشرك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٩ وعزاه لسعيد وعبد ابن حميد وابن المنذر.
وقال النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٣٩٤: وروى هشيم، عن الحجاج، عن عطاء (ومن يرد فيه بإلحاد) قال: من عبد غير الله عز وجل. وقد تقدم أن الرواية عن عطاء هي من طريقه. وجاء عنه تفسير آخر، فروى الطبري ١٧/ ١٤١ عنه قال: هم المحتكرون الطعام بمكة.
(٦) في (ظ): (وقال).
(٧) هو: عبد الله بن هلال بن خطل، وقيل: غالب بن هلال بن خطل، اسم خطل:=
الأنصاري، وارتد وهرب إلى مكة (١)، فنزل فيه ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ﴾ يعني يميل عن الإسلام، ثم يظلم، فيدخل الحرم بشرك (٢).
وقال آخرون: هو كل شيء كان منهيا عنه، حتى قال ابن مسعود: لو أن رجلًا بـ (عدن أبين) (٣) همَّ أن (٤) يعمل بسيئة عند البيت أذاقه الله عذابًا أليما (٥). وقال الضحاك: إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة وهو بأرض أخرى،
"السيرة النبوية" لابن هشام ٤/ ٢٩، "الكامل في التاريخ" لابن الأثير ٢/ ١٦٩، "البداية والنهاية" ٤/ ٢٩٧، "فتح الباري" لابن حجر ٤/ ٦١.
(١) المصادر السابقة.
(٢) ذكره الرازي ٢٣/ ٢٥ عن مقاتل. وقد روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" كما في "تفسير ابن كثير" ٣/ ٢١٥ من طريق ابن لهيعة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله (ومن يرد فيه بإلحاد): (نزلت في عبد الله بن أنيس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثه مع رجلين أحدهما مهاجر والآخر من الأنصار، فافتخروا في الأنساب، فغضب عبد الله بن أنيس، فقتل الأنصاري ثم ارتد عن الإسلام، ثم هرب إلى مكة، فنزلت فيه ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ﴾. وسنده ضعيف، لضعف ابن لهيعة.
(٣) في (أ): (بعدان أيبن)، وهو خطأ. و (عدن أبين) مدينة مشهورة على ساحل بحر اليمن، ويقال لها (عدن أبين) للتمييز بينها وبين (عدن لاعة) في بلاد حجة باليمن. انظر: "معجم البلدان" لياقوت ٦/ ١٢٦ - ١٢٧، "مراصد الاطلاع" للبغدادي ٢/ ٩٢٣، "معجم المدن والقبائل اليمنية" للمقحفي ص ٢٧٩.
(٤) (أن): ساقطة من (ج)، (د)، (ع).
(٥) رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٦/ ٦٥ - ٦٦ وإسحاق بن راهويه في "مسند =
فتكتب عليه ولم يعلمها (١).
وهذا قول السدي (٢)، وابن زيد (٣)، ومجاهد في رواية عثمان بن الأسود (٤).
وقال ابن عباس: هو استحلال ما حرم الله (٥). وهذا قول ابن جريج (٦).
قال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ٢١٥ - بعد أن ذكر سند ابن أبي حاتم ورواية الإمام أحمد: هذا الإسناد صحيح على شرط البخاري، ووقفه أشبه من رفعه.
وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٧٠: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح.
وقال ابن حجر في "المطالب العالية" ٣/ ٣٥٢ والمسندة ص ٥١٥: (قوي الإسناد).
وقال البوصيري في "إتحاف المهرة" ٣/ ٩٠ ب بعد ذكره لرواية إسحاق: هذا إسناد موقوف صحيح.
(١) رواه الطبري ١٧/ ١٤١، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٦/ ٢٩ وعزاه لابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر.
(٢) انظر الطبري ١٧/ ١٤٠ - ١٤١.
(٣) في الطبري ١٧/ ١٤١ عنه قال: الإلحاد: الظلم في الحرم.
(٤) روى عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٤ عن الثوري، وسعيد بن منصور في "تفسيره" (ل ٥٥ ب) عن ابن المبارك كلاهما يعني الثوري وابن المبارك عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: بيع الطعام بمكة إلحاد.
ورواه سعيد بن منصورل ٥٥ ب عن إسماعيل بن زكريا عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: احتكار الطعام بمكة إلحاد، وليس الجالب كالمقيم.
(٥) رواه الطبري ١٧/ ١٤٠ عنه من رواية العوفي.
(٦) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٥٠
وقال في رواية عطاء: هو قتل ما نهى الله عنه من الصيد، ودخول مكة بغير إحرام، وأخذ حمام مكة، وأشياء كثيرة لا يجوز للمحرم أن يفعلها (١).
وعلى هذا القول هذا الإلحاد والظلم يختص باستحلال محظورات الإحرام وركوبها (٢).
وقوله ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ قال أبو إسحاق (٣): هو خبر (إن) للمذكور في أول الآية. قال: والمعنى أن الكافرين والملحدين (٤) في المسجد الحرام نذيقهم (٥) من عذاب أليم. قال: ويجوز أن يكون محذوفا فيكون المعنى: إن الذين هذه صفتهم هلكوا (٦).
والعرب ربما تحذف الخبر إيجازا واختصارا كما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم-
(٢) قال الطبري ١٧/ ١٤١: وأولى الأقوال: التي ذكرناها في تأويل ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن مسعود وابن عباس من أنه معني بالظلم في هذا الموضع: كل معصية لله، وذلك لأن الله عم بقوله (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم) ولم يُخصص به ظلم دون ظلم في خبر ولا عقل، فهو على عمومه.
وقال النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٣٩٤: وأبين ما قيل فيه أن معنى (بإلحاد بظلم) لكل معصية؛ لأن الآية عامة. وقال أبو حيان في "البحر" ٦/ ٣٦٣ - بعد ذكره للأقوال: والأولى حمل هذه الأقوال على التمثيل لا على الحصر، إذ الكلام يدل على العموم. وقال ابن كثير ٣/ ٢١٥: وهذا الآثار وإن دلت على أن هذه الأشياء من الإلحاد ولكن هو أعم من ذلك، بل فيها تنبيه على ما هو أغلظ منها.
(٣) (إسحاق): مكان بياض في (أ). ثم (أ) بعد ذلك (وعلى هذا القول) وقد ضرب عليه الناسخ، لأنه مكرر بسبب إنتقال نظره إلى السطر الذي قبله.
(٤) (والملحدين): ساقطة من (ظ)، (د)، (ع).
(٥) عند الزجاج: (نُذقُهم).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٢٠ مع تصرف يسير.