
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ، جَمْعُ سِوَارٍ، وَلُؤْلُؤاً، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَعَاصِمٌ (وَلُؤْلُؤًا) هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الْمَلَائِكَةِ [فاطر: ٣٣] بِالنَّصْبِ وَافَقَ يَعْقُوبُ هَاهُنَا عَلَى مَعْنَى وَيُحَلَّوْنَ لُؤْلُؤًا وَلِأَنَّهَا مَكْتُوبَةٌ فِي الْمَصَاحِفِ بِالْأَلِفِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: (مِنْ ذهب) وترك الْهَمْزَةَ الْأُولَى فِي كُلِّ الْقُرْآنِ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو بَكْرٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ إِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِيهِ فقال أبو عمرو: أثبتوها فيها كما أثبتوا في: قالوا وكالوا [١]، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: أَثْبَتُوهَا لِلْهَمْزَةِ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ حَرْفٌ مِنَ الْحُرُوفِ وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ أي: أنهم يَلْبَسُونَ فِي الْجَنَّةِ ثِيَابَ الْإِبْرَيْسَمِ وَهُوَ الَّذِي حَرُمَ لَبْسُهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى الرِّجَالِ.
«١٤٥٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ دَاوُدَ السَّرَّاجِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُلْبِسْهُ اللَّهُ إِيَّاهُ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنْ دَخْلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبَسْهُ هو».
قوله تعالى: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَيِ الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صدقنا وعده. وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ، إِلَى دِينِ اللَّهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالْحَمِيدُ هُوَ اللَّهُ الْمَحْمُودُ فِي أَفْعَالِهِ [وأقواله] [٢].
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٢٥ الى ٢٨]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥) وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨)
- وهو في «شرح السنة» ٢٩٩٥ بهذا الإسناد.
- وهو في «مسند علي بن الجعد» ١٠١٠ عن شعبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» ٩٦٠٩ و٩٦١٠ من طريقين عن شعبة به.
- وأخرجه أحمد ٣/ ٢٣ والطيالسي ٢٢٠٧ والحاكم ٤/ ١٩١ وابن حبان ٥٤٣٧ والطحاوي في «المشكل» ٤٨٤٥ من طرق عن قتادة به.
وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! مع أنه ذكر داود السراج في «الميزان» وقال: لم يرو عنه غير قتادة. أي هو مجهول.
- وصدر الحديث عند البخاري ٥٨٣٢ ومسلم ٢٠٧٣ وابن ماجه ٣٥٨٨ وأحمد ٣/ ١٠١ وأبو يعلى ٣٩٣٠ وابن حبان ٥٤٢٩ من حديث أنس.
(١) في المطبوع وط «وكانوا».
(٢) زيادة عن المخطوط.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، عَطَفَ الْمُسْتَقْبَلَ عَلَى [١] الْمَاضِي لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ لَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ الْمَاضِي كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وقيل: مَعْنَاهُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَّرُوا فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فِي الْحَالِ، أَيْ: وَهُمْ يَصُدُّونَ. وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ، أَيْ:
وَيَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ، قِبْلَةً لِصَلَاتِهِمْ وَمَنْسَكًا وَمُتَعَبَّدًا كَمَا قَالَ: وُضِعَ لِلنَّاسِ [آلِ عِمْرَانَ: ٩٦]. سَواءً، قَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَيَعْقُوبُ: (سَوَاءً) نَصْبًا بِإِيقَاعِ الْجَعْلِ عَلَيْهِ [لِأَنَّ الْجَعْلَ] [٢] يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مُسْتَوِيًا فِيهِ، الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرٌ، وَتَمَامُ [٣] الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ لِلنَّاسِ وَأَرَادَ بِالْعَاكِفِ الْمُقِيمَ فِيهِ، وَبِالْبَادِي الطَّارِئَ الْمُنْتَابَ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَقَالَ قَوْمٌ (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ والباد) يعني فِي تَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ وَقَضَاءِ النُّسُكِ فِيهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَجَمَاعَةٌ، وَقَالُوا: الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْسُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَعْنَى التَّسْوِيَةِ هُوَ التَّسْوِيَةُ فِي تَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَقَالَ آخَرُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ جَمِيعُ الْحَرَمِ، وَمَعْنَى التَّسْوِيَةِ أَنَّ الْمُقِيمَ وَالْبَادِيَ سَوَاءٌ فِي النزول به ليس أحدهما بأحق بالمَنْزِلِ يَكُونُ فِيهِ مِنَ الْآخَرِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُزْعِجُ فِيهِ أحد إِذَا كَانَ قَدْ سَبَقَ إِلَى مَنْزِلٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ زَيْدٍ، قَالُوا: هُمَا سَوَاءٌ فِي الْبُيُوتِ وَالْمَنَازِلِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَابِطٍ: كَانَ الْحُجَّاجُ إِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِأَحَقَّ بِمَنْزِلِهِ مِنْهُمْ.
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْهَى النَّاسَ أَنْ يُغْلِقُوا أَبْوَابَهُمْ فِي الْمَوْسِمِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَإِجَارَتُهَا، وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ يَجُوزُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ [الحَجِّ: ٤٠].
«١٤٥٣» وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فهو آمن».
فنسب [الديار إليهم نسبة] [٤] مِلْكٍ، وَاشْتَرَى عُمْرُ دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا وَهَذَا قَوْلُ طاووس وعمر بْنِ دِينَارٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ أَيْ:
فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ وَهُوَ الْمَيْلُ إِلَى الظُّلْمِ، والباء فِي قَوْلِهِ: بِإِلْحادٍ زَائِدَةٌ كَقَوْلِهِ:
تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المُؤْمِنُونَ: ٢٠]، وَمَعْنَاهُ مَنْ يُرِدْ فِيهِ إِلْحَادًا بِظُلْمٍ، قَالَ الْأَعْشَى: ضَمِنَتْ بِرِزْقِ عِيَالِنَا أَرْمَاحُنَا، أَيْ: رِزْقَ عِيَالِنَا. وَأَنْكَرَ الْمُبْرَدُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ زَائِدَةً وَقَالَ: مَعْنَى الْآيَةِ مَنْ تَكُنْ إِرَادَتُهُ فيه أن [٥] يُلْحِدَ بِظُلْمٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِلْحَادِ فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: هُوَ الشِّرْكُ وَعِبَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ حَتَّى شَتْمِ الْخَادِمِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: هُوَ دُخُولُ الْحَرَمِ غَيْرَ مُحْرِمٍ أَوِ ارْتِكَابُ شَيْءٍ مِنْ محظورات الإحرام [٦] مِنْ قَتْلِ صَيْدٍ أَوْ قَطْعِ شَجَرٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ تَقْتُلَ فِيهِ مَنْ لَا
(١) في المطبوع «عن».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «وتم».
(٤) في المطبوع «الدار إليه نسب».
(٥) في المطبوع «بأن».
(٦) في المطبوع «الحرم». [.....]

يقتلك أو تظلم مَنْ لَا يَظْلِمُكَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الضَّحَّاكِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: تُضَاعَفُ السَّيِّئَاتُ بِمَكَّةَ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ. وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أبي ثابت: هو احْتِكَارُ الطَّعَامِ بِمَكَّةَ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ، قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَمَّ بِخَطِيئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا هَمَّ بِقَتْلِ رَجُلٍ بِمَكَّةَ وَهُوَ بِعَدَنِ أَبْيَنَ أَوْ بِبَلَدٍ آخَرَ أَذَاقَهُ الله من العذاب الأليم. قال السُّدِّيُّ: إِلَّا أَنْ يَتُوبَ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ [و] [١] أَنَّهُ كَانَ لَهُ فُسْطَاطَانِ أَحَدُهُمَا فِي الْحِلِّ وَالْآخَرُ فِي الْحَرَمِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَاتِبَ أَهْلَهُ عاتبهم في الحل [٢]، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ مِنَ الْإِلْحَادِ فِيهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ كَلَّا وَاللَّهِ وبلى والله.
قوله تَعَالَى: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ، أي: وطّأنا، وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: جَعَلْنَا. وَقِيلَ:
بَيَّنَّا. قَالَ الزَّجَّاجُ: جَعَلْنَا مَكَانَ الْبَيْتِ مبوأ إبراهيم [٣]. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: هَيَّأْنَا. وإنما ذكر مَكَانَ الْبَيْتِ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ رُفِعَتْ إلى السماء في زمن الطُّوفَانِ ثُمَّ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِبْرَاهِيمَ بِبِنَاءِ الْبَيْتِ لَمْ يَدْرِ أَيْنَ يَبْنِي فَبَعَثَ اللَّهُ رِيحًا خَجُوجًا فَكَنَسَتْ لَهُ مَا حَوْلَ الْبَيْتِ عَلَى الْأَسَاسِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بَعَثَ اللَّهُ سَحَابَةً بِقَدْرِ الْبَيْتِ فَقَامَتْ بِحِيَالِ الْبَيْتِ وَفِيهَا رَأْسٌ يَتَكَلَّمُ يَا إِبْرَاهِيمُ ابْنِ عَلَى قَدْرِي فَبَنَى عَلَيْهِ [٤]. قَوْلُهُ تَعَالَى: أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً أَيْ: عَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَقُلْنَا لَهُ لَا تُشْرِكْ بِي شيئا، وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ، أي: الذين يطوفون بالبيت [من دنس الذنوب] [٥]، وَالْقائِمِينَ أَيِ: الْمُقِيمِينَ، وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ، أَيِ: الْمُصَلِّينَ.
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ أي: أعلم ونادي فِي النَّاسِ، بِالْحَجِّ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي؟ فَقَالَ:
عَلَيْكَ الأذان وعلينا الْبَلَاغُ، فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى الْمَقَامِ فارتفع [به] [٦] الْمَقَامُ حَتَّى صَارَ كَأَطْوَلِ الْجِبَالِ فَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَشَرْقًا وَغَرْبًا وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إن ربكم قد بنى لكم بَيْتًا وَكَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ إِلَى الْبَيْتِ فَأَجِيبُوا رَبَّكُمْ فَأَجَابَهُ كُلُّ مَنْ كَانَ يَحُجُّ [٧] مِنْ أَصْلَابِ الْآبَاءِ وَأَرْحَامِ الْأُمَّهَاتِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَوَّلُ مَنْ أَجَابَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ فَهَمْ أَكْثَرُ النَّاسِ حَجًّا.
وَرُوِيَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ صَعِدَ أَبَا قُبَيْسٍ وَنَادَى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِيَ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَهْلَ الْقِبْلَةِ وَزَعَمَ الْحَسَنُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهَذَا التَّأْذِينِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ.
«١٤٥٤» وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فرض عليكم الحج فحجوا».
(١) سقط من النسخ.
(٢) في المطبوع «الآخر».
(٣) في المطبوع «مبدأ لإبراهيم».
(٤) في المخطوط «عليها».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المخطوط «حج».

قوله تعالى: يَأْتُوكَ رِجالًا، أي: مُشَاةً عَلَى أَرْجُلِهِمْ جَمْعُ رَاجِلٍ، مِثْلُ قَائِمٍ وَقِيَامٍ وَصَائِمٍ وَصِيَامٍ، وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ، أَيْ: رُكْبَانًا عَلَى كُلِّ ضَامِرٍ، وَالضَّامِرُ: الْبَعِيرُ الْمَهْزُولُ. يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ أَيْ: مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ بَعِيدٍ، وَإِنَّمَا جَمَعَ يَأْتِينَ لِمَكَانِ كل وارد النوق.
لِيَشْهَدُوا، ليحضروا، مَنافِعَ لَهُمْ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ومحمد بن علي الباقر: العفو والمغفرة. وقال سعيد بن جبير: التجارة، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ الْأَسْوَاقُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: التِّجَارَةُ وَمَا يَرْضَى اللَّهُ بِهِ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ، يَعْنِي عَشْرَ ذِي الْحِجَّةِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. قِيلَ لَهَا: مَعْلُومَاتٍ لِلْحِرْصِ عَلَى عِلْمِهَا بِحِسَابِهَا مِنْ أَجْلِ وَقْتِ الْحَجِّ فِي آخِرِهَا. وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ، وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا يَوْمُ عَرَفَةَ وَالنَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ، يَعْنِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا تَكُونُ مِنَ النَّعَمِ، وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ. وَاخْتَارَ الزَّجَّاجُ أَنَّ الْأَيَّامَ الْمَعْلُومَاتِ يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ [لِأَنَّ الذِّكْرَ عَلَى بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ يَدُلُّ عَلَى التَّسْمِيَةِ عَلَى نَحْرِهَا] [١]، وَنَحْرُ الْهَدَايَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ. فَكُلُوا مِنْها أَمْرُ إِبَاحَةٍ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا لَا يَأْكُلُونَ مِنْ لُحُومِ هَدَايَاهُمْ شَيْئًا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْهَدْيَ إِذَا كَانَ تَطَوُّعًا يَجُوزُ لِلْمُهْدِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ أُضْحِيَّةُ التَّطَوُّعِ لِمَا:
«١٤٥٥» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ أنا أحمد بن علي الكشمهيني أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فِي قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: وَقَدِمَ عَلِيٌّ بِبَدَنٍ مِنَ الْيَمَنِ وَسَاقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَ مِنْهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ثلاث وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ وَنَحَرَ عَلِيٌّ مَا بَقِيَ، ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ تُؤْخَذَ بِضْعَةٌ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ فَتُجْعَلَ فِي قِدْرٍ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَحَسِيَا مِنْ مَرَقِهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُهْدِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا مِثْلَ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَالدَّمِ الْوَاجِبِ بِإِفْسَادِ الْحَجِّ وَفَوَاتِهِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَكَذَلِكَ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يَأْكُلُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنَّذْرِ، وَيَأْكُلُ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّمَتُّعِ وَمِنْ كُلِّ هَدْيٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ فِدْيَةِ الْأَذَى وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْمَنْذُورِ، وَعِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ يَأْكُلُ مِنْ دَمِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَلَا أكل مِنْ وَاجِبٍ سِوَاهُمَا. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ، يَعْنِي: الزَّمِنَ الْفَقِيرَ الَّذِي لَا شَيْءَ له والبائس الَّذِي اشْتَدَّ بُؤْسُهُ، وَالْبُؤْسُ شِدَّةُ الفقر.
- وهو في «شرح السنة» ١٩١١ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٢١٨ وأبو داود ١٩٠٥ وابن ماجه ٣٧٤ والدارمي ٢/ ٤٤- ٤٩ وأبو يعلى ٢٠٢٧ والبيهقي ٥/ ٧- ٩ من طرق عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر به.
(١) ما بين الحاصرتين في «الوسيط» ٣/ ٢٦٨ «... واختاره الزجاج» قال: لأن الذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر لقوله: عَلى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ.