آيات من القرآن الكريم

۞ هَٰذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ
ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ

أقرب من نفعه " فأوجب أن عبادة الآلهة تضر، وقد قال قبل ذلك: " ما لا يضره وما لا ينفعه " فنفى عنها الضر. فإنما يراد بذل أنها لا تضر في الدنيا، وأراد بالآية الأخرى ضرها في الآخرة. والمعنى: لمن ضره في الآخرة أقرب من نفعه. والأخرى ما لا يضره في الدنيا. وكذلك معنى ما كان مثله.
قوله تعالى ذكره: ﴿إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ إلى قوله: ﴿وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق﴾.
أي: إن الله يدخل المصدقين به وبكتبه ورسله العاملين الطاعات بساتين. " تجري من تحتها الأنهار ". أي: من تحت أشجارها.
﴿إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾. فيعطي ما شاء من كرامته أهل طاعته.
ثم قال: ﴿مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِي الدنيا والآخرة﴾.
أي: من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً عليه السلام في الدنيا والآخرة، " فليمدد بسبب " وهو الحبل " إلى السماء " يعني سماء لبيت، وهو سقفه. " ثم ليقطع " السبب. يعني: الاختناق به. " فلينظر هل يذهبن " اختناقه، ذلك ما يغيظ. أي: ما يجد من في

صفحة رقم 4856

صدره من الغيظ. هذا معنى قول قتادة وهو مروي عن ابن عباس أيضاً.
وقال ابن زيد معناه: من كان يظن أن لن ينصر/ الله محمداً ﷺ، فليقطع ذلك من أصله، من حيث يأتيه النصر، فإن أصله في السماء، فليمدد سببه إلى السماء ثم ليقطع الوحي عن النبي ﷺ ﴿ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾.
أي: هل يذهب فعله ما يجد في نفسه من غيظ. في نصر الله تعالى محمداً.
وقيل: النصر هنا معناه: الرزق. وحكي عن العرب، من ينصرني نصره الله. أي: من يعطني أعطاه الله فالتقدير على هذا: من كان يظن أن لن يرزق الله محمداً عليه السلام، فليختنق في حبل في سقف بيته ثم لينظر هل يذهب فعله غيظه.
وقيل: معناه: من كان يظن أن لن يرزق الله تعالى محمداً فليمدد بسبب إلى السماء، فليقطع رزقه إن كان يقدر، فلينظر هل يذهب كيده غيظه.
وكونها عائدة على " من " - وهو قول أبي عبيدة مع طائفة من أهل اللغة - ويكون ينصره بمعنى " ينفعه ".

صفحة رقم 4857

وقد قيل: إن " الهاء " تعود على الدين. أي: من كان يظن أن لن ينصر الله دنيه، فليفعل ما ذكر.
قال ابن عباس: معنه: إن لن ينصر الله محمداً. فالهاء لمحمد عليه السلام.
وقال مجاهد: معناه: من كان يظن أن لن يرزقه الله، فليمدد بحبل إلى سارية البيت فليخنق نفسه. فالهاء على هذا ل " ظن " كأنه ق: من ظن أن الله لا يرزقه، فليقتل نفسه، إذ لا حياة له مع عدم رزق الله له.
وقيل: معناه: من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه في الدنيا والآخرة وأنه يتهيأ له أن يغلب نبيه أو يزيل عنه النصر الذي يريده الله به. فليطلب سبباً يصل به إلى السماء، فليقطع نصر الله عن نبيه، فلينظر هل يتهيأ له الوصول إلى السماء بكيد ويبسبب يحتاله.
وهل يتهيأ له أن يقطع النصر عن نبي الله، أو يزيل بكيده وحيلته ما يغطيه من نصر الله لنبيه، فإنما هذا دلالة على ما لا يتهيأ لهم، ولا يقدرون عليه، وفيه إعلام أن النصر لمحمد من عند الله، وتنبيه على أن محمداً منصور لا يغلب.
ثم قال تعالى: ﴿وكذلك أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ الله يَهْدِي مَن يُرِيدُ﴾ أي: وكما بينت لكم الحجة على من تقدم ذكره، كذلك أنزلت على محمد آيات واضحات يهتدي بها من وفقه الله للحق.

صفحة رقم 4858

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الذين آمَنُواْ والذين هَادُواْ والصابئين والنصارى﴾.
أي: إن هؤلاء على اختلاف أديانهم يفصل بينهم الله يوم القيامة، فيدخل المؤمنين الجنة، ويدخل غيرهم النار، فهذا هو الفصل.
قال قتادة: " والصابون " قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القبلة، ويقرأون الزبور. والمجوس، يعبدون الشمس والقمر والنيران " والذين أشركوا يعبدون الأوثان. والأديان ستة، خمسة للشيطان وواحد للرحمن.
وقوله: ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾.
أي: شاهد على أعمالهم على اختلاف أديانهم، فإن الثانية تخبر عن الأولى. أي: سدت مسد خبرها، إذ هي داخلة على ابتداء وخبر. والابتداء والخبر يسدان مسد خبر أن في كثير من الكلام.
وقيل: لما طال الكلام، صارت الأولى كأنها ملغاة، فأعيدت تأكيداً وتكريراً. والأول أحسن/.
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض﴾.
أي: يخضعون وينقادون لله.
وقيل: السجود هنا مما لا يعقل، ومن الموات والكفار إنما هو ظهور أثر الصنعة عليها، والخضوع الذي يدل على أنها مخلوقة. وانقيادها لله وتصريف الله لها فيما شاء.

صفحة رقم 4859

أن يصرفها فهو مجاز وتوسع. وهذا القول لا يصح، لأنه تعالى قد أخبرنا بأن من الحجارة ما يخشى، وأنه سخر مع داود الجبال والطير يسبحن. وهذا لا يمتنع حمله على الحقيقة، ولا يحسن حمله على معنى ظهور الصنعة فيها، لأن ذلك مع غير داود مثل ما هو مع داود. وإذا لم يكن بد من حمله على الحقيقة، حسن حمل السجود في الموات وما لا يعقل على الحقيقة أيضاً.
وقيل: سجودها، هو تحول ظلها حين تطلع الشمس وحين تزول، فإذا تحول ظل كل شيء، فهو سجوده.
وقال مجاهد: ظلال هذا كله يسجد.
وقال أبو العالية: ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر وإلا يقع لله ساجداً حين يغيب، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له، فيأخذ ذات اليمين.
وقوله: ﴿وَكَثِيرٌ مِّنَ الناس﴾ يعني: المؤمنين ﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب﴾ يعني ظل الكافر يسجد لله. قاله مجاهد، وهو عنده مع هذا منقاذ لله، خاضع وهو ساجد مع ظله، إلا أن سجود ظله ميلانه مع الشمس وسجوده هو انقياده وخضوعه على صحته وسقمه ورزقه ومنعه.

صفحة رقم 4860

وقوله: " وكثير من الناس ". قيل: معناه: وكثير من الناس في الجنة بدليل قوله: " وكثير حق عليه العذاب " لأن الجنة ضد النار. ولو قال: " وكثير لا يسجد " لكان المعنى. وكثير من الناس. أي: وكثير من الناس يسجد.
وقيل: معنى: " وكثير حق عليه العذاب ": وكثير أبى السجود فحق عليه العذاب فيكون الوقف على هذا القول. " وكثير من الناس " ثم يبتدئ: " وكثير حق عليه العذاب " ولهذا المعنى رفع " كثير ". وقد عطف على ما عمل فيه الفعل. ولولا هذا المعنى، لكان النصب الاختيار. كما قال: ﴿والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ [الإنسان: ٣١] " فكثير " الثاني: مبتدأ، وليس بمعطوف على الأول، فإنما هو أخبار عن خلق كثير [وجب عليه] العذاب بكفره. ما قبله إخبار عن كثير من الناس يسجدون لله، وهم المؤمنون.
[ثم قال] ﴿وَمَن يُهِنِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾.
أي: ومن يشقه الله فيهينه، فما له من مكرم يكرمه بالسعادة.

صفحة رقم 4861

﴿إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ﴾ يوفق من يشاء لطاعته، ويخذل من يشاء فيكفر.
ثم قال تعالى: ﴿هذان خَصْمَانِ اختصموا فِي رَبِّهِمْ﴾.
يعني: الذين تبارزوا يوم بدر. وقد ذكر ذلك في أول السورة.
وقال ابن عباس: هم أهل إيمان، وأهل كتاب. اختصموا. قال أهل الكتاب للمؤمنين: نحن أولى بالله، وأقدم منكم كتاباً ونبينا قبل نبيكم. وقال المؤمنون: نحن أحق بالله، آمنا بمحمد ﷺ ونبيككم وبما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسداً. فكان ذلك خصومتهم في ربهم.
وقال الحسن: هم الكفار والمؤمنون، اختصموا في ربهم. وكذا قال مجاهد.
وقال عكرمة: " هذان " إشارة إلى الجنة والنار. اختصما في ربهما، فقال النار: خلقني الله لعقوبته. وقالت الجنة: خلقني الله لرحمته. فقد قص عليك من خبرهما ما تسمع.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿فالذين كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ﴾.
أي: قصماً من نحاص ونار.
وقال ابن جبير: ليس في الآنية أشد حراً من النحاس.

صفحة رقم 4862

قال مجاهد: الكافر قطعت له ثياب من نار. والمؤمن يدخله الله جنات تجري من تحتها الأنهار.
ثم قال: ﴿يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم﴾ أي: ماء يغلي.
وروى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه. وهو قوله: " يصهر به ما في بطونهم ". ثم يعاد كما كان. ومعنى يصهر: يذاب ما في بطونهم من الشحوم، وتشوى جلودهم فتتساقط.
قال مجاهد وقتادة: يصهر: يذاب.
قال ابن عباس: يسقون ماء إذا دخل في بطونهم أذابها والجلود مع البطون.
وقال ابن جبير: إذا جاع أهل النار، يعني إذا جاعوا واستغاثوا بشجر الزقوم، فيأكلون منها، فاختلعت جلود وجوههم. فلو أن ماراً مر بهم يعرفهم، لعرف جلود وجوههم فيها. ثم يصب عليها العطش، فيستغيثون فيغاثون بما كالمهل، وهو الذي انتهى حره، فإذا أدنوه من أفواههم انشوى من حره لحوم وجوههم التي قد سقطع عنها الجلود، " ويصره به ما في بطونهم "، أي: يذاب. يمشون في أمعائهم، وتسقط جلودهم ثم يضربون بمقامع من حديد، يسقط كل عضو على حياله،

صفحة رقم 4863

يدعون بالويل والثبور، نعوذ بالله من ذلك.
وقال عبد الله بن السري: يأيته الملك بالإناء يحمله بكلبتين، فإذا أدناه إليه يكرهه، فيرفع الملك بقمعه، فيضرب بها رأسه، فيفلق بها دماغه، فيكفي الإناء في دماغه، فيصير إلى جوفه. فذلك قوله: ﴿يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ والجلود * وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ﴾.
وقوله: ﴿وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ﴾.
أي: عذاب مقامع أو ضرب مقامع تضربهم بها الخزنة إذا أرادوا الخروج من النار، حتى يرجعوا إليها.
وقوله: ﴿كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا﴾ أي: من العذاب، وغم الظلمة.
قال الفضيل بن عياض: والله ما طمعوا في الخروج. إن الأيدي والأرجل لموثقة، ولكن يرفعهم لهبها، وتردهم مقامعها.
قال سلمن الفارسي: النار سواد مظلمة، لا يضيء لهبها ولا جمرها.
قال مالك بن دينار: بلغني أنه إذا أحس أهل النار في النار، بضرب مقامع

صفحة رقم 4864
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية