
وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرح، أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ جَشِب (١)، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدان؛ أَنَّ رسول الله ﷺ قال: "فُضِّلت سُورَةُ الْحَجِّ عَلَى الْقُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ".
ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدْ أسندَ هَذَا، يَعْنِي: مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا يَصِحُّ (٢).
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَنَانٍ، حَدَّثَنِي نَافِعٌ، حَدَّثَنِي أَبُو الْجَهْمِ: أَنَّ عُمَرَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ بِالْجَابِيَةِ، وَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ (٣).
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ العُتَقيّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُنَين، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ، مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي المُفَصّل، وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ (٤). فَهَذِهِ (٥) شَوَاهِدُ يَشُدّ بَعْضُهَا بَعْضًا.
﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٢٢) ﴾.
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ (٦) حَدِيثِ أَبِي مِجْلَز، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَاد، عَنِ أَبِي ذَرٍّ؛ أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ قَسَمًا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وصاحِبَيه، وعتبةَ وَصَاحِبَيْهِ، يَوْمَ بَرَزُوا فِي بَدْرٍ (٧).
لَفْظُ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ تَفْسِيرِهَا، ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَال، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلز عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَاد، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ قَيْسٌ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾، قَالَ: هُمُ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ: عليّ وحمزة وعبيدة، وشيبة ابن رَبِيعَةَ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ. انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ (٨).
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ قَالَ: اخْتَصَمَ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَكِتَابُنَا قبل كتابكم. فنحن أولى بالله
(٢) المراسيل برقم (٧٨).
(٣) ورواه البيهقي في السنن الكبرى (٢/٣١٧) من طريق نافع عن رجل من أهل مصر أنه صلى مع عمر بن الخطاب فذكر مثله.
(٤) سنن أبي داود برقم (١٤٠١) وسنن ابن ماجه برقم (١٠٥٧).
(٥) في ف: "فهو".
(٦) في ت: "عن".
(٧) صحيح البخاري برقم (٤٧٤٣) وصحيح مسلم برقم (٣٠٣٣).
(٨) صحيح البخاري برقم (٤٧٤٤).

مِنْكُمْ. وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كِتَابُنَا يَقْضِي عَلَى الْكُتُبِ كُلِّهَا، وَنَبِيُّنَا خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، فَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ. فَأَفْلَجَ اللَّهُ الإسلامَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ، وَأَنْزَلَ: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾. وَكَذَا رَوَى العَوفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ قَالَ: مُصدق وَمُكَذِّبٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مَثَلُ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ اخْتَصَمَا فِي الْبَعْثِ. وَقَالَ -فِي رِوَايَةٍ: هُوَ وَعَطَاءٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ-: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكَافِرُونَ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ﴾ قَالَ: هِيَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، قَالَتِ النَّارَ: اجْعَلْنِي لِلْعُقُوبَةِ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: اجْعَلْنِي لِلرَّحْمَةِ.
وقولُ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْكَافِرُونَ وَالْمُؤْمِنُونَ، يَشْمَلُ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا، وَيَنْتَظِمُ فِيهِ قِصَّةُ يَوْمِ بَدْرٍ وَغَيْرُهَا؛ فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُرِيدُونَ نُصْرَةَ دِينِ اللَّهِ، وَالْكَافِرُونَ يُرِيدُونَ إِطْفَاءَ نُورِ الْإِيمَانِ وخذلانَ الْحَقِّ وَظُهُورَ الْبَاطِلِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَهُوَ حَسَن؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ﴾ أَيْ: فُصِّلَتْ لَهُمْ مُقَطَّعَاتٌ مِنْ نَارٍ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مِنْ نُحَاسٍ وَهُوَ أَشَدُّ الْأَشْيَاءِ حَرَارَةً إِذَا حَمِيَ.
﴿يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ. يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ﴾ أَيْ: إِذَا صُبَّ عَلَى رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ، وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ فِي غَايَةِ الْحَرَارَةِ.
وَقَالَ سَعِيدُ [بْنُ جُبَيْرٍ] (١) هُوَ النُّحَاسُ الْمُذَابُ، أَذَابَ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنَ الشَّحْمِ وَالْأَمْعَاءِ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَكَذَلِكَ تَذُوبُ (٢) جُلُودُهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدٌ: تَسَاقَطَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْحَاقَ الطالَقاني، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ (٣)، عَنِ أَبِي السَّمْح، عَنِ ابْنِ (٤) حُجَيرة، عَنْ أَبِي هُرَيرة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: "إِنْ الْحَمِيمَ ليُصَب عَلَى رُءُوسِهِمْ، فينفُد الجمجمةَ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى جَوْفِهِ، فَيَسْلِتُ (٥) مَا فِي جَوْفِهِ، حَتَّى يَبْلُغَ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ الصِّهْرُ، ثُمَّ يُعَادُ كَمَا كَانَ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ (٦)، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، بِهِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الحَوَاريّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الله ابن السُّرِّيّ قَالَ: يَأْتِيهِ الْمَلَكُ يَحْمِلُ الْإِنَاءَ بِكَلْبتين مِنْ حَرَارَتِهِ، فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْ وَجْهِهِ تَكَرَّهَهُ، قال: فيرفع مِقْمَعَة معه فيضرب
(٢) في ف: "يذوب".
(٣) في ت، ف: "زيد".
(٤) في ت: "أبي".
(٥) في أ: "فيسلت".
(٦) تفسير الطبري (١٧/١٠٠) وسنن الترمذي برقم (٢٥٨٢).