آيات من القرآن الكريم

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ
ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘ

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ يَدْعُو، فَحَذَفَ يَدْعُو الْأَخِيرَةَ اجْتِزَاءً بِالْأُولَى، وَلَوْ قَلْتَ: يَضْرِبُ لَمَنْ خَيْرُهُ أَكْثَرُ مِنْ شَرِّهِ يَضْرِبُ، ثُمَّ يُحْذَفُ الْأَخِيرُ جَازَ.
وَقِيلَ: عَلَى التَّوْكِيدِ، مَعْنَاهُ: يَدْعُو وَاللَّهِ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ.
وَقِيلَ: "يَدْعُو مَنْ" صِلَةُ قَوْلِهِ: "ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ" يَقُولُ: ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ يَدْعُو، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: "لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ" فَيَكُونُ "مَنْ" فِي مَحَلِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ: ﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى﴾ أَيِ النَّاصِرُ. وَقِيلَ: الْمَعْبُودُ. ﴿وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ﴾ أَيِ: الصَّاحِبُ وَالْمُخَالِطُ، يَعْنِي: الْوَثَنَ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الزَّوْجَ عَشِيرًا لِأَجْلِ الْمُخَالَطَةِ.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (١٤) مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (١٥) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾. ﴿مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ﴾ يَعْنِي نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ﴾ بِحَبْلٍ ﴿إِلَى السَّمَاءِ﴾ أَرَادَ بِالسَّمَاءِ سَقْفَ الْبَيْتِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، أَيْ: لِيَشْدُدْ حَبْلًا فِي سَقْفِ بَيْتِهِ فَلْيَخْتَنِقْ بِهِ حَتَّى يَمُوتَ، ﴿ثُمَّ لْيَقْطَعْ﴾ الْحَبْلَ بَعْدَ الِاخْتِنَاقِ. وَقِيلَ: "ثُمَّ لْيَقْطَعْ" أَيْ لِيَمُدَّ الْحَبْلَ حَتَّى يَنْقَطِعَ فَيَمُوتُ مُخْتَنِقًا، ﴿فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ﴾ صَنِيعُهُ وَحِيلَتُهُ، ﴿مَا يَغِيظُ﴾ "مَا" بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ وَحِيلَتُهُ غَيْظَهُ، مَعْنَاهُ: فَلْيَخْتَنِقْ غَيْظًا حَتَّى يَمُوتَ. وَلَيْسَ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْحَتْمِ أَيْ: أَنْ يَفْعَلَهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْقَطْعُ وَالنَّظَرُ بَعْدَ الِاخْتِنَاقِ وَالْمَوْتِ، وَلَكِنَّهُ كَمَا يُقَالُ لِلْحَاسِدِ: إِنْ لَمْ تَرْضَ هَذَا فَاخْتَنِقْ وَمُتْ غَيْظًا.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الْمُرَادُ مِنَ السَّمَاءِ السَّمَاءُ الْمَعْرُوفَةُ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَيَكِيدَ فِي أَمْرِهِ لِيَقْطَعَهُ عَنْهُ فَلْيَقْطَعْهُ مِنْ أَصْلِهِ، فَإِنَّ أَصْلَهُ مِنَ السَّمَاءِ، فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيَ الَّذِي يَأْتِيهِ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يَقْدِرُ عَلَى إِذْهَابِ غَيْظِهِ بِهَذَا الْفِعْلِ.

صفحة رقم 370

وَرُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ، دَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهُودِ حِلْفٌ، وَقَالُوا: لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نُسْلِمَ لِأَنَّا نَخَافُ أَنْ لَا يُنْصَرَ مُحَمَّدٌ وَلَا يَظْهَرَ أَمْرُهُ فَيَنْقَطِعُ الْحِلْفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْيَهُودِ، فَلَا يميروننا ولا +يئوننا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ (١).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "النَّصْرُ" بِمَعْنَى الرِّزْقِ (٢) وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى ﴿مَنْ﴾ وَمَعْنَاهُ: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. نَزَلَتْ فِيمَنْ أَسَاءَ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَخَافَ أَلَّا يَرْزُقَهُ اللَّهُ، "فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ"، أَيْ: إِلَى سَمَاءِ الْبَيْتِ، فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ فِعْلُهُ ذَلِكَ مَا يَغِيظُ، وَهُوَ خِيفَةُ أَنْ لَا يُرْزَقَ.
وَقَدْ يَأْتِي النَّصْرُ بِمَعْنَى الرِّزْقِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَنْ يَنْصُرْنِي نَصَرَهُ اللَّهُ. أَيْ: مَنْ يُعْطِنِي أَعْطَاهُ اللَّهُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: تَقُولُ الْعَرَبُ: أَرْضٌ مَنْصُورَةٌ، أَيْ: مَمْطُورَةٌ.
قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو، وَنَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَيَعْقُوبُ: "ثُمَّ لِيَقْطَعْ" "ثُمَّ لِيَقْضُوا" بِكَسْرِ اللَّامِ، وَالْبَاقُونَ بِجَزْمِهَا لِأَنَّ الْكُلَّ لَامُ الْأَمْرِ، زَادَ ابْنُ عَامِرٍ ﴿وَلِيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلِيَطَّوَّفُوا﴾ (الحَجِّ: ٢٩) بِكَسْرِ اللَّامِ فِيهِمَا، وَمَنْ كَسَرَ فِي: "ثُمَّ لِيَقْطَعْ" وَفِي "ثُمَّ لِيَقْضُوا" فَرَّقَ بِأَنَّ ثُمَّ مَفْصُولٌ مِنَ الْكَلَامِ، وَالْوَاوُ كَأَنَّهَا مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ كَالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: "فَلْيَنْظُرْ".

(١) ذكره الطبري: ١٧ / ١٢٨ بدون سند.
(٢) ٢٤ / ب.

صفحة رقم 371
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية