آيات من القرآن الكريم

وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ

قوله، وَحَرامٌ إلى آخر الآية فتأمل الوعيد فيها على كل قول تذكرة فإنه بين، و «الكفران» مصدر كالكفر ومنه قول الشاعر: [الطويل]

رأيت أناسا لا تنام جدودهم وجدي ولا كفران لله نائم
واختلف القراء في قوله تعالى وَحَرامٌ، فقرأ عكرمة وغيره «وحرم» بفتح الحاء وكسر الراء، وقرأ جمهور السبعة و «حرام»، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم، و «حرم» بكسر الحاء وسكون الراء، وقرأ ابن العباس بخلاف عنه «وحرم» بفتح الحاء وسكون الراء، وقرأت فرقة «وحرّم» بفتح الحاء وشد الراء، وقرأت فرقة «وحرّم» بضم الحاء وكسر وشدها، وقرأ قتادة ومطر الوارق «وحرم» بفتح الحاء وضم الراء، والمستفيض من هذه القراءات قراءة من قرأ و «حرم»، وقراءة من قرأ و «حرام» وهما مصدران بمعنى نحو الحل والحلال، فأما معنى الآية فقالت فرقة «حرام وحرم» معناه جزم وحتم فالمعنى وحتم عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ إلى الدنيا فيتوبون ويستعتبون بل هم صائرون إلى العقاب، وقال بعض هذه الفرقة الإهلاك هو بالطبع على القلوب ونحوه والرجوع هو إلى التوبة والإيمان، وقالت فرقة المعنى وَحَرامٌ أي ممتنع، و «حرم» كذلك، عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ وقالوا لا زائدة في الكلام واختلفوا في الإهلاك والرجوع بحسب القولين المذكورين، قال أبو علي يحتمل أن يرتفع «حرام» بالابتداء والخبر رجوعهم ولا زائدة، ويحتمل أن يرتفع «حرام» على خبر الابتداء كأنه قال والإقالة والتوبة «حرام» ثم يكون التقدير «بأنهم لا يرجعون» فتكون لا على بابها كأنه قال هذا عليهم ممتنع بسبب كذا فالتحريم في الآية بالجملة ليس كتحريم الشرع الذي إن شاء المنهي ركبه.
قال القاضي أبو محمد: ويتجه في الآية معنى ضمنه وعيد بيّن وذلك أنه ذكر من عمل صالحا وهو مؤمن ثم عاد إلى ذكر الكفرة الذين من كفرهم ومعتقدهم أنهم لا يحشرون إلى رب ولا يرجعون إلى معاد فهم يظنون بذلك أنه لا عقاب ينالهم فجاءت الآية مكذبة لظن هؤلاء أي وممتنع على الكفرة المهلكين أن لا يرجعون بل هم راجعون إلى عقاب الله وأليم عذابه فتكون لا على بابها والحرام على بابه وكذلك الحرم فتأمله.
قوله عز وجل:
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٩٦ الى ٩٧]
حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧)
تحتمل حَتَّى في هذه الآية أن تكون متعلقة بقوله وَتَقَطَّعُوا [الأنبياء: ٩٣] وتحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تعلق ب يَرْجِعُونَ [الأنبياء: ٩٥] وتحتمل أن تكون حرف ابتداء وهو الأظهر بسبب إِذا لأنها تقتضي جوابا وهو المقصود ذكره، واختلف هنا في الجواب، فقالت فرقة الجواب قوله اقْتَرَبَ الْوَعْدُ

صفحة رقم 99

والواو زائدة، وقالت فرقة منها الزجاج وغيره الجواب في قوله يا وَيْلَنا التقدير قالوا يا وَيْلَنا وليست الواو بزائدة، والذي أقول إن الجواب في قوله فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره لأنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرم عليهم امتناعه، وقرأ الجمهور «فتحت» بتخفيف التاء، وقرأ ابن عامر وحده «فتحت» بتثقيلها، وروي أن يأجوج ومأجوج يشرفون في كل يوم على الفتح فيقولون غدا نفتح ولا يردون المشيئة إلى الله تعالى فإذا كان غدا وجدوا الردم كأوله حتى إذا أذن الله تعالى في فتحه قال قائلهم غدا نفتحه إن شاء الله فيجدونه كما تركوه قريب الانفتاح فيفتحونه حينئذ، وقرأ عاصم وحده «يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ» بالهمز، وقرأ الجمهور بالتسهيل، وقد تقدم في سورة الكهف توجيه ذلك وكثير من حال يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ فغنيناها هنا عن إعادة ذلك. و «الحدب» كل متسنم من الأرض كالجبل والظرب والكدية والقبر ونحوه. وقالت فرقة المراد بقوله، وَهُمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ لأنهم يطلعون من كل ثنية ومرتفع ويعمون الأرض وذلك أنهم من الكثرة بحيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «يقول الله تعالى يوم القيامة لآدم أخرج بعث النار من ذريتك فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين» قال ففزع الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «إن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألف رجل» ويروى أن الرجل منهم لا يموت حتى يولد له ألف بين رجل وامرأة وقالت فرقة المراد بقوله وَهُمْ جميع العالم وإنما هو تعريف بالبعث من القبور وقرأ ابن مسعود «من كل جدث» وهذه القراءة تؤيد هذا التأويل ويَنْسِلُونَ معناه يسرعون في تطامن ومنه قول الشاعر: [الرمل]

عسلان الذئب أمسى قاربا برد الليل عليه فنسل
وقرأت فرقة بكسر السين، وقرأت بضمها، وأسند الطبري عن أبي سعيد قال يخرج يأجوج ومأجوج فلا يتركون أحدا إلا قتلوه إلا أهل الحصون فيمرون على بحيرة طبرية فيمر آخرهم فيقول كان هنا مرة ما، قال فيبعث الله عليهم النغف حتى تكسر أعناقهم فيقول أهل الحصون لقد هلك أعداء الله فيدلون رجلا ينظر فيجدهم قد هلكوا قال فينزل الله تعالى من السماء ماء فيقذف بهم في البحر فيطهر الأرض منهم، وفي حديث حذيفة نحو هذا وفي آخره قال وعند ذلك طلوع الشمس من مغربها، وروي أن ابن عباس رأى صبيانا يلعبون وينزوا بعضهم على بعض فقال هكذا خروج يأجوج ومأجوج.
وقوله تعالى: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ يريد يوم القيامة، وروي في الحديث «أن الرجل ليتخذ الفلو بعد يأجوج ومأجوج فلا يبلغ منفعته حتى تقوم الساعة»، وقوله تعالى: هِيَ، مذهب سيبويه أنها ضمير القصة كأنه قال فإذا القصة أو الحادثة شاخِصَةٌ أَبْصارُ وجوز الفراء أن تكون ضمير الأبصار تقدمت لدلالة الكلام ويجيء ما يفسرها وأنشد على ذلك: [الطويل]
فلا وأبيها لا تقول حليلتي ألا فرّعني مالك بن أبي كعب
والشخوص بالعين إحداد النظر دون أن يطرف، وذلك يعتري من الخوف المفرط أو علة أو نحوه، وقوله: يا وَيْلَنا تقديره يا ويلنا لقد كانت بنا غفلة عما وجدنا الآن وتبينا الآن من الحقائق ثم تركوا الكلام الأول ورجعوا إلى نقد ما كان يداخلهم من تعهد الكفر وقصد الإعراض فقالوا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ.

صفحة رقم 100
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية