آيات من القرآن الكريم

وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ

لاَ تَذَرْنِي فَرْداً
، يعني: وحيداً لا وارث لي. وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ، يعني: أفضل الوارثين.
قال الله عزّ وجلّ: فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ، يعني: رحم امرأته وكانت عقيماً لم تلد قط، سيئة الخلق، فأصلحها الله تعالى. إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ، يعني: يبادرون في الطاعات، يعني: زكريا وامرأته ويحيى عليهما السلام ويقال:
الأنبياء الذين سبق ذكرهم. وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً، يعني: رغبة فيما عند الله من الثواب وهو الجنة، وَرَهَباً أي فزعا من عذاب الله تعالى. وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ، يعني: مطيعين، ويقال: متواضعين.
قوله عز وجل: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها، يعني: واذكر مريم التي حفظت نفسها من الفواحش. فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا، يعني: نفخ جبريل عليه السلام في نفسها بأمرنا وَجَعَلْناها وَابْنَها يعني: لمريم وعيسى عليهما السلام آيَةً يعني عبرة لِلْعالَمِينَ أي:
لجميع الخلق. ويقال: آية ولم يقل آيتين، لأن شأنهما واحد الآية فيهما بمعنى واحد بغير أب.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٩٢ الى ٩٤]
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤)
قوله عز وجل: إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً، يعني: دينكم دين الإسلام ديناً واحداً، قرأ بعضهم: أُمَّةً واحِدَةً بضمّ التائين ومعناه: إن هذه أمتكم، وقد تم الكلام. ثم يقول:
أُمَّةً، يعني: هذه أمة واحدة. وقرأ العامة: بالنصب على معنى التفسير ثم قال: وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ، يعني: فوحدوني.
ثم قال: وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ يعني: تفرّقوا فيما بينهم وهم اليهود والنصارى. كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ في الآخرة، فهذا تهديد للذين تفرقوا في الدين.
ثم بين ثواب الذين ثبتوا على الإسلام، فقال عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ، يعني: الطاعات وَهُوَ مُؤْمِنٌ، يعني: مصدقا بتوحيد الله عز وجل، فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ، يعني: لا يُجحد ولا يُنسى ثواب عمله. والكفران مصدر مثل شكران وغفران. وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ، يعني: حافظين مجازين.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٩٥ الى ٩٩]
وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩)

صفحة رقم 440

قوله عز وجل: وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ، يعني: على قرية فيما مضى أَهْلَكْناها بالعذاب في الدنيا، أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ إلى الدنيا، قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر وحرم على قرية بكسر الحاء وبغير ألف. وقرأ الباقون وَحَرامٌ بنصب الحاء والألف.
وَحُرْمٌ وَحَرَامٌ بمعنى واحد، كقوله: حلّ وحلال، وروي عن عكرمة، عن ابن عباس أنه كان يقرأ وَحَرَّمَ وقال: واجب عليهم أن لا يرجع منهم راجع، ويقال: معناه وحرام على أهل قرية أهلكناها أن يتقبل منهم عمل، لأنهم لا يَرْجِعُونَ أي: لا يتوبون ويقال: لاَ يَرْجِعُونَ لا زيادة ومعناه: حرام عليهم أن يرجعوا.
ثم قال عز وجل: حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، قرأ ابن عامر فُتِحَتْ بالتشديد على معنى المبالغة والتكثير، وقرأ الباقون بالتخفيف، وقرأ عاصم يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ بالهمز والباقون كلاهما بغير همز. وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، قال مقاتل: يعني، من كل مكان يخرجون، من كل جبل أو أرض أو واد، وخروجهم عند قيام الساعة. وقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: لا يموت واحد منهم إلا ترك من صلبه ألف ذرية فصاعداً. وروى قتادة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أنه قال: «الإنس عشرة أجزاء منهم يأجوج ومأجوج تسعة أجزاء، وجزء واحد سائر الإنس».
وروى سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزبعرى، عن عبد الله بن مسعود قال:
«يَخْرُجُ يَأْجُوجُ ومأجوج بعد الدجال، يموجون في الأرض فيفسدون فيها، ثم قرأ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، أي: يخرجون، فيبعث الله تعالى عليهم دابة مثل هذا النغف، فتلج في أسماعهم ومناخرهم فيموتون، فتنتن الأرض، فيرسل الله عز وجل ماء فيطهّر الأرض منهم، فذلك قوله عز وجل: إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، يعني: أرسلت كقوله: لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ [الأعراف: ٩٦]، يعني: أرسلنا وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ، أي من كل أكمة ونشزة من الأرض يخرجون، وقال بعضهم: يكون خروجهم قبل الدجال. والأصح ما روي عن عبد الله بن مسعود.
قوله عز وجل: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ، يعني: قيام الساعة. فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا، يعني: يقولون: يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ يعني: في جهل مِنْ هذا اليوم. ثم ذكروا أن المرسلين كانوا أخبروهم، فقالوا: بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ، يعني: قد أخبرونا فكذبناهم.
قوله عز وجل: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ وروي عن علي بن أبي

صفحة رقم 441

طالب رضي الله عنه أنه كان يقرأ: «حطب جهنم»، وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ: «حضب جهنم» بالضاد، وقراءة العامة حَصَبُ بالصاد، يعني: رمياً في جهنم. وكل ما يرمى في جهنم فهو حصب، ويقال: الحصب هو الحطب بلسان الزنجية. ومن قرأ: حطب، أي كل ما يوقد به جهنم، ومن قرأ حضب بالضاد معناه: ما يهيج به النار. أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ، أي داخلون.
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أتى قريشاً وهم في المسجد مجتمعون، وثلاثمائة وستون صنماً مصفوفة، وصنم كل قوم بحيالهم فقال: «إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني: من هذه الأصنام، «فِي النَّارِ». ثم انصرف عنهم، فشق ذلك عليهم مشقة عظيمة شديدة. وأتاهم عبد الله بن الزبعرى، وكان شاعراً، فقال: ما لي أراكم بحال لم أركم عليها؟ فقالوا: إن محمداً يزعم أنا وما نعبد في النار. فقال: لو كنت هاهنا لخصمته.
فقالوا: هل لك أن نرسل إليه؟ فقال: نعم. فبعثوا إليه، فأتاهم، فقال له ابن الزبعرى: أرأيت ما قلت لقومك آنفاً، أخاص لهم أم عام؟ فقال: «بل عام، كل من عبد من دون الله فهو وما عبد في النار». قال: أرأيت عيسى ابن مريم عليه السلام هذه النصارى تعبده، فعيسى والنصارى في النار؟ وهذا عزير تعبده اليهود، فعزير واليهود في النار؟ وهذا حي يقال لهم بنو مليح يعبدون الملائكة عليهم السلام، فالملائكة وهم في النار؟ فسكت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يجبهم، فضج أصحابه وضحكوا «١» فنزل: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا، ونزل في عيسى وعزير والملائكة إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ [الأنبياء: ١٠١].
ويقال: إن هذه القصة لا تصح، لأن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان أفصح العرب، وأنطقهم لساناً، وأحضرهم جواباً كما وصف نفسه: «أنَا أفْصَحُ العَرَبِ» فلا يجوز أن يسكت على مثل هذا السؤال، ولم يكن السؤال لازماً، ويقال: كان سكوته للاستخفاف، لأنه سئل سؤالاً محالاً، لأنه قال: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ولم يقل ومن تعبدون. و «ما» لا يقع على النواطق، و «من» تقع على النواطق ويقال: هذا القول يقال لهم يوم القيامة، لأنه قال: قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ. يقال لهم عند ذلك: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ، فإن قيل: ما الحكمة في إدخال الأصنام في النار؟ قيل: زيادة عقوبة للكفار، لأن الأصنام أحجار، فيكون الحر فيها أشد. ويقال: الفائدة في إدخال المعبود النار زيادة ذل وصغار عليهم، حيث رأوا معبودهم في النار معهم من غير أن يكون للأصنام عقوبة، لأنه لا يجوز التعذيب بذنب غيرهم.

(١) عزاه السيوطي: ٥/ ٦٧٩ إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه والحاكم وصححه.

صفحة رقم 442
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية