آيات من القرآن الكريم

وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ

وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (٩٧)
شرح الكلمات:
إن هذه أمتكم: أي ملتكم وهي الإسلام ملة واحدة من عهد آدم إلى العهد المحمدي إذ دين الأنبياء واحد وهو عبادة الله تعالى وحده بما يشرع لهم.
وأنا ربكم فاعبدون: أنا إلهكم الحق حيث خلقتكم ورزقتكم فلا تنبغي العبادة إلا لي فاعبدون ولا تعبدوا معي غيري.
وتقطعوا أمرهم بينهم: أي وتفرقوا في دينهم فأصبح لكل فرقة دين كاليهودية والنصرانية والمجوسية والوثنيات وما أكثرها.
كل إلينا راجعون: أي كل فرقة من تلك الفرق التي قطعت الإسلام راجعة إلينا وسوف نجزيها بكسبها.
فلا كفران لسعيه: أي لا نكران ولا جحود لعمله بل سوف يجزى به وافياً.
وإنا له كاتبون: إذ الكرام الكاتبون يكتبون أعمال العباد خيرها وشرها.
وحرام: أي ممتنع رجوعهم إلى الدنيا.
يأجوج ومأجوج: قبيلتان موجودتان وراء سدهما الذي سيفتح عند قرب الساعة.
حدب: أي مرتفع من الأرض.
ينسلون: أي يسرعون المشي.
الوعد الحق: يوم القيامة.
في غفلة من هذا: أي من يوم القيامة وما فيه من أحداث.

صفحة رقم 440

معنى الآيات:
بعد ذكر أولئك الأنبياء وما أكرمهم الله تعالى به من افضالات وما كانوا عليه من كمالات قال تعالى مخاطباً الناس كلهم: ﴿إن هذه أمتكم﴾ ١ أي ملتكم ﴿أمة واحدة﴾ أي ملة واحد من عهد أول الرسل إلى خاتمهم وهو الإسلام القائم على الإخلاص لله في العبادة والخلوص من الشرك وقوله تعالى: ﴿وتقطعوا٢ أمرهم بينهم﴾ ينعي تعالى على الناس تقطعيهم الإسلام إلى ملل شتى كاليهودية والنصرانية وغيرهما، وتمزيقه إلى طوائف ونحل، وقوله: ﴿وكل إلينا راجعون﴾ إخبار منه تعالى أنهم راجعون إليه لا محالة بعد موتهم وسوف يجزيهم بما كانوا يكسبون ومن ذلك تقطيعهم للدين الإسلامي وتمزيقهم له فذهبت كل فرقة بقطعة منه. وقوله تعالى: ﴿فمن٣ يعمل من الصالحات﴾ والحال أنه مؤمن، والمراد من الصالحات ما شرعه الله تعالى من عبادات قلبية وقولية وفعلية ﴿فلا كفران لسعيه﴾ أي لعمله فلا يجحد ولا ينكر بل يراه ويجزى به كاملاً. وقوله تعالى: ﴿وإنا له كاتبون﴾ يريد أن الملائكة تكتب أعماله الصالحة بأمرنا ونجزيه بها أيضاً أحسن جزاء وهذا وعد من الله تعالى لأهل الإيمان والعمل الصالح جعلنا الله منهم وحشرنا في زمرتهم.
وقوله تعالى: ﴿وحرام٤ على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون﴾ يخبر تعالى أنه ممتنع امتناعاً كاملاً أن يهلك أمة بذنوبها في الدنيا ثم يردها إلى الحياة في الدنيا، وهذا بناء على أن ﴿لا﴾ مزيدة لتقوية الكلام ويحتمل الكلام معنى آخر وهي ممتنع على أهل قرية قضى الله تعالى بعذابهم في الدنيا أو في الآخرة أنهم يرجعون إلى الإيمان والطاعة بالتوبة الصادقة وذلك بعد أن كذبوا وعاندوا وظلموا وفسقوا فطبع على قلوبهم فهم لا يرجعون إلى التوبة بحال، ومعنى ثالث وهو حرام على أهل قرية أهلكهم الله بذنوبهم فأبادهم إنهم

١ قرأ الجمهور: ﴿إن هذه أمتكم﴾ برفع أمتكم على الخبرية ونصب أمّة واحدة على الحال، والرصف. وقرأ بعض: ﴿أمتكم أمةٌ واحدة﴾ بالرفع فيهما.
٢ تفرقوا في الدين واختلفوا فيه.
٣ ﴿من الصالحات﴾ من للتبعيض إذ من غير الممكن أن يعمل العبد كل الصالحات ويأتي بكل الطاعات، وقوله ﴿وهو مؤمن﴾ وموحد أيضاً فإن الشرك محبط للعمل.
٤ في حرام قراءات ووجوه منها: ﴿حرام﴾ وهي قراءة الجمهور وحِرم مثل حِل وحلال. وحرم كمرض، وحرُم كشرف، وحرّم: كضرب، وحرّم كبدّل، وحرم كعلم مشددة اللام وحَرم كفرح وحُرم كقفل تسع قراءات.

صفحة رقم 441

لا يرجون إلى الله تعالى يوم القيامة بل يرجعون للحساب والجزاء فهذه المعاني كلها صحيحة، والمعنى الأخير لا تكلف فيه بكون ﴿لا﴾ صلة بل هي نافية ويرجح١ المعنى الأخير قوله تعالى: ﴿حتى إذا فتحت يأجوج٢ ومأجوج﴾ فهو بيان لطريق رجوعهم إلى الله تعالى وذلك يوم القيامة وبدايته بظهور علاماته الكبرى ومنها انكسار سد يأجوج ومأجوج وتدفقهم في الأرض يخربون ويدمرون ﴿وهم من كل حدب٣﴾ وصوب ﴿ينسلون﴾ مسرعين. وقوله تعالى: ﴿واقترب٤ الوعد الحق﴾ وهو يوم الدين والحساب والجزاء وقوله: ﴿فإذا هي شاخصة٥ أبصار الذين كفروا﴾ وذلك بعد قيامهم من قبورهم وحشرهم إلى أرض المحشر وهم يقولون في تأسف وتحسر ﴿يا ويلنا﴾ أي يا هلاكنا ﴿قد كنا في غفلة﴾ أي في دار الدنيا ﴿بل كنا ظالمين﴾ فاعترفوا بذنبهم حيث لا ينفعهم الاعتراف إذ لا توبة تقبل يومئذ.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- وحدة الدين وكون الإسلام هو دين البشرية كافة لأنه قائم على أساس توحيد الله تعالى في عبادته التي شرعها ليعبد بها.
٢- بيان ما حدث للبشرية من تمزيق الدين بينها بحسب الأهواء والأطماع والأغراض.
٣- وعد الله لأهل الإيمان والعمل الصالح بالجزاء الحسن وهو الجنة.

١ شاهد أن لا: نافية وليست بصلة، ولكون لفظ الحرام معناه الوجوب قول الخنساء:
وإنّ حراماً لا أرى الدهر باكيا
على شجوه إلا بكيت على صخر
تريد أخاها صخراً.
٢ في الكلام حذف تقديره: حتى إذا فتع سد يأجوج ومأجوج، مثل: واسأل القرية. أي أهل القرية.
٣ الحدب: ما انقطع من الأرض، والجمع حداب مأخوذ من حدبة الظهر، قال عنترة:
فما رعشت يداي ولا ازدهاني
تواترهم إليّ من الحداب
و (ينسلون) يخرجون مسرعين، قال امرؤ القيس: فسلي ثيابي من ثيابك تنسل.
وقال النابغة: عسلان الذئب أمسى قارباً
برد الليل عليه فنَسلَ
أي أسرع.
٤ قل: الواو زائدة مقحمة، والمعنى: حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق. فاقترب: جواب إذا والواو مقحمة، ومثله: وتلّه للجبين، وناديناه أي: للجبين ناديناه، وأجاز بعضهم أن يكون جواب إذا: فإذا هي شاخصة ويكون اقترب الوعد الحق: معطوفاً.
٥ هي: ضمير الأبصار، والأبصار بعدها: تفسير لها كأنه قال: فإذا أبصار الذين كفروا قد شخصت عند مجيىء الوعد.

صفحة رقم 442
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية