آيات من القرآن الكريم

فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ

﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (٩١) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) ﴾
﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى﴾ وَلَدًا ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ أَيْ جَعَلْنَاهَا وَلُودًا بَعْدَ مَا كَانَتْ عَقِيمًا، قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ فَأَصْلَحَهَا لَهُ بِأَنْ رَزْقَهَا حُسْنَ الْخُلُقِ. ﴿إِنَّهُمْ﴾ يَعْنِي الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، ﴿كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا﴾ طَمَعًا، ﴿وَرَهَبًا﴾ خَوْفًا، رَغبًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَرَهبًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، ﴿وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ أَيْ مُتَوَاضِعِينَ، قَالَ قَتَادَةُ: ذُلِّلَا لِأَمْرِ اللَّهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: الْخُشُوعُ هُوَ الْخَوْفُ اللَّازِمُ فِي الْقَلْبِ. ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ حَفِظَتْ مِنَ الْحَرَامِ، وَأَرَادَ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ، ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا﴾ أَيْ أَمَرْنَا جِبْرَائِيلَ حَتَّى نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا، وَأَحْدَثْنَا بِذَلِكَ النَّفْخَ الْمَسِيحَ فِي بَطْنِهَا، وَأَضَافَ الرُّوحَ إِلَيْهِ تَشْرِيفًا لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ أَيْ دَلَالَةٍ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِنَا عَلَى خَلْقِ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، وَلَمْ يَقُلْ آيَتَيْنِ وَهُمَا آيَتَانِ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ وَجَعَلْنَا شَأْنَهُمَا وَأَمْرَهُمَا آيَةً وَلِأَنَّ الْآيَةَ كَانَتْ فِيهِمَا وَاحِدَةً، وَهِيَ أَنَّهَا أَتَتْ بِهِ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ﴾ أَيْ مِلَّتُكُمْ وَدِينُكُمْ، ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ أَيْ دِينًا وَاحِدًا وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَأُبْطِلُ مَا سِوَى الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَدْيَانِ، وَأَصْلُ الْأُمَّةِ الْجَمَاعَةُ الَّتِي هِيَ عَلَى مَقْصِدٍ وَاحِدٍ فَجُعِلَتِ الشَّرِيعَةُ أُمَّةً وَاحِدَةً لِاجْتِمَاعِ أَهْلِهَا عَلَى مَقْصِدٍ وَاحِدٍ، وَنَصَبَ أُمَّةً عَلَى الْقَطْعِ. ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾
﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (٩٤) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) ﴾
﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ أَيِ اخْتَلَفُوا فِي الدِّينِ فَصَارُوا فِرَقًا وَأَحْزَابًا، قَالَ الْكَلْبِيُّ: [فَرَّقُوا دِينَهُمْ بَيْنَهُمْ] (١) يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالتَّقَطُّعُ هَاهُنَا بِمَعْنَى التَّقْطِيعِ، ﴿كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾ فَنَجْزِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ.

(١) ما بين القوسين ساقط من "ب".

صفحة رقم 353

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ لَا يُجْحَدُ وَلَا يُبْطَلُ سَعْيُهُ بَلْ يُشْكَرُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ، ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ لِعَمَلِهِ حَافِظُونَ، وَقِيلَ: مَعْنَى الشُّكْرِ مِنَ اللَّهِ الْمُجَازَاةُ. ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ: " وَحِرْمٌ " بِكَسْرِ الْحَاءِ بِلَا أَلِفٍ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ " حَرَامٌ " وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ حَلٍّ وَحَلَالٍ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَى الْآيَةِ وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَيْ أَهْلِ قَرْيَةٍ، ﴿أَهْلَكْنَاهَا﴾ أَنْ يَرْجِعُوا بَعْدَ الْهَلَاكِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ " لَا " صِلَةً، وَقَالَ آخَرُونَ: الْحَرَامُ بِمَعْنَى الْوَاجِبِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ " لَا " ثابتا معناه واجب عَلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهُمْ ﴿أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ إِلَى الدُّنْيَا.
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ وَحَرَامٌ عَلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهُمْ أَيْ حَكَمْنَا بِهَلَاكِهِمْ أَنْ تُتَقَبَّلَ أَعْمَالُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ أَيْ لَا يَتُوبُونَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ أَيْ يُتَقَبَّلُ عَمَلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ عَقِيبَهُ وَبَيَّنَ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُتَقَبَّلُ عَمَلُهُ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ﴾ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ: " فُتِّحَتْ " بِالتَّشْدِيدِ عَلَى التَّكْثِيرِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، ﴿يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾ يُرِيدُ فُتِحَ السَّدُّ عَنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ﴾ أَيْ نَشَزٍ وَتَلٍّ، وَالْحَدَبُ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ، ﴿يَنْسِلُونَ﴾ يُسْرِعُونَ النُّزُولَ مَنَ الْآكَامِ وَالتِّلَالِ كَنَسَلَانِ الذِّئْبِ، وَهُوَ سُرْعَةُ مَشْيِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْكِنَايَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: عُنِيَ بِهِمْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ بِدَلِيلِ مَا رُوِّينَا عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ" (١) وَقَالَ قَوْمٌ: أَرَادَ جَمِيعَ الْخَلْقِ يَعْنِي أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ مُجَاهِدٍ وَهَمْ مِنْ كُلِّ جَدَثٍ بِالْجِيمِ وَالثَّاءِ كَمَا قَالَ: ﴿فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى ربهم ينسلون﴾ (يونس: ٥١).

(١) أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال برقم (٢١٣٧) ٤ / ٢٢٥٠ - ٢٢٥٥.

صفحة رقم 354
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية