آيات من القرآن الكريم

فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ

ينفك عن تعلقه بالمحكوم له وعليه، ولذلك جمع (١).
وقال (٢) الكلبي: قَوَّم داود الغنم والكرم، فكانت (٣) القيمتان سواء، فدفع الغنم إلى صاحب الكرم.
وأمَّا في حكم سليمان فذكر أن القيمتين كانتا (٤) مستويتين: قيمة (٥) ما نالوا من الغنم، وقيمة ما أفسدت الغنم من الكرم (٦).
٧٩ - قوله تعالى: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ أي: القضية (٧) والحكومة، فكنَّى عنهما؛ لأنه قد (٨) سبق ما يدل عليها من ذكر الحكم.
[وهذا الحكم] (٩) الذي حكما (١٠) به بعضه موافق لشرعنا، وبعضه مخالف. أما الموافق فهو الحكم بالضمان على صحابي الماشية إذا أفسدت بالليل حرثًا، وكذا هو في شرعنا وهو ما رواه الزهريّ، عن حرام بن سعد ابن محيصة (١١):

(١) ذكر نحوه الطبري ١٧/ ٥١. وبه علل الجمع ابن عطية ١٠/ ١٨٤، والزمخشري ٢/ ٥٧٦ وغيرهما.
(٢) في (د)، (ع): (قال).
(٣) في (د)، (ع): (وكانت).
(٤) (كانتا) ساقطة من (د)، (ع).
(٥) (قيمة) ساقطة من (أ).
(٦) من قوله: فذكر أن القيمتين.. إلى هنا. هذا كلام الفراء بنصه في "معانيه" ٢/ ٢٠٨.
(٧) في (د)، (ع): (القصة).
(٨) (قد) ليست في (د)، (ع).
(٩) ساقط من (أ).
(١٠) في (أ): (حكمنا)، وهو خطأ.
(١١) هو حرام بن سعد بن مُحيصة بن مسعود بن كعب الأنصاري، أبو سعد ويقال: أبو سعيد. روى عن جده محيصة، والبراء وقيل لم يسمع من البراء. وروى عنه =

صفحة رقم 136

أن ناقة للبراء (١) بن عازب دخلت حائطًا لبعض الأنصار فأفسدته، فرفع ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقضى على البراء بن عازب بما أفسدته الناقة، وقال: "على أصحاب الماشية حفظها بالليل، وعلى أصحاب الحوائط (٢) حفظ حيطانهم وزروعهم بالنهار" (٣).

= الزهري على اختلاف عليه فيه -توفي بالمدينة سنة ١١٣ هـ. قال الذهبي وابن حجر: ثقة. "طبقات ابن سعد" ٥/ ٢٥٨، "الثقات" لابن حبان ٤/ ١٨٤، "الكاشف" للذهبي ١/ ٢١١، "تهذيب التهذيب" ٢/ ٢٢٣، "تقريب التهذيب" ١/ ١٥٧.
(١) في (أ): (البراء).
(٢) في (د)، (ع): (الحائط).
(٣) هذا الحديث -بهذا اللفظ- ذكره الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٣٣ ب من رواية الزهري، عن حرام بن محيصة. وهذا الحديث رواه جماعة من أصحاب الزهري، عنه، عن حرام بن محيصة، مرسلا:
ومن طريق الإمام مالك رواه الإمام أحمد في "مسنده" ٥/ ٤٣٥، والبيهقي في "سننه" ٨/ ٣٤١، والبغوي في "تفسيره" ٥/ ٣٣٢. ورواه ابن ماجة في "سننه" (أبواب الأحكام -الحكم فيما أفسدت المواشي بالليل ٢/ ٤٢ عن طريق الليث، عن الزهري، عن حرام، بنحوه مرسلاً. ورواه الطبري ١٧/ ٥٣ من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن حرام، بنحوه مرسلا. ورواه الإمام أحمد في "مسنده" ٥/ ٤٣٦، والبيهقي في "سننه" ٨/ ٣٤٢ من طريق سفيان ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وحرام بن محيصة، بنحوه مرسلاً. قال ابن عبد البر في "التمهيد" ١١/ ٨١ - ٨٢: هكذا رواه جميع رواة الموطأ -فيما علمت- مرسلا، وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب مرسلا إلا أن ابن عيينة رواه عن الزهري عن سعيد ابن المسيب وحرام بن محيصة.
ثم قال: هذا الحديث -وإن كان مرسلاً- فهو حديث مشهور، أرسله الأئمة، وحدث به الثقات، واستعمله فقهاء الحجاز، وتلقوه بالقبول، وجرى في المدينة به العمل، وقد زعم الشافعي أنه تتبع مراسيل سعيد بن المسيب فألفاها صحاحًا وأكثر الفقهاء -يحتجون بها. أهـ. لكن قد رواه بعض أصحاب الزهري، عنه. موصولاً: =

صفحة رقم 137

.......................

= فرواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٤/ ٢٢١ وابن ماجة في "سننه" (أبواب الأحكام) الحكم فيما أفسدت المواشي بالليل ٢/ ٤٢، والبيهقي في "سننه" ٨/ ٣٤١ من طريق سفيان، عن عبد الله بن عيسى، عن الزهري، عن حرام بن محيصة، عن البراء قال: أن ناقة لآل البراء أفسدت.. ، فذكره بنحوه.
- ورواه الإمام أحمد في "مسنده" ٤/ ٢٩٥، والبيهقي في "سننه" ٨/ ٣٤١ من طريق محمد بن مصعب وأبو داود في "سننه" كتاب: البيوع، باب: المواشي تفسد زرع قوم ٩/ ٤٨٣، والبيهقي في "سننه" ٨/ ٣٤١ من طريق الفريابي، والبيهقي في "سننه" ٨/ ٣٤١ من طريق أيوب بن سويد، كلهم -يعني ابن مصعب والفريابي وابن سويد- عن الأوزاعي، عن الزهري، عن حرام بنحوه. وقد خالف هؤلاء الثلاثة أبو المغيرة -من أصحاب الأوزاعي- فرواه عن الأوزاعي، عن الزهري، عن حرام، مرسلا. لم يذكر البراء.
لكن المقدم رواية الثلاثة؛ لأنهم جماعة وأبو المغيرة فرد. قاله الألباني.
-ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" ١٠/ ٨٢ عن معمر، عن الزهري، عن ابن محيصة، عن أبيه، أن ناقة للبراء. فذكر نحوه. وقد رواه من طريق عبد الرزاق - بزيادة أبيه- الإمام أحمد في "مسنده" ٥/ ٤٣٦، ، أبو داود في "سننه" كتاب: البيوع، باب: المواشي تفسد زرع قوم ٩/ ٤٨٣، والبيهقي في "سننه" ٨/ ٣٤٢ والواحدي في "تفسيره الوسيط" ٣/ ٢٤٦. قال البيهقي في "السنن" ٨/ ٣٤١ بعد ذكره لهذه الرواية: وقد خالفه -يعني عبد الرزاق- وهيب وأبو مسعود الزجاج عن معمر، فلم يقولا: عن أبيه. وقد ذهب الألباني إلى تصحيح رواية الأوزاعي وابن عيسى الموصولة، وقال في سلسلة الأحاديث الصحيحة (مج ١/ ق ٣/ ص ٨١) -بعد ذكره لرواية عبد الرزاق وكلام أهل العلم فيها: لكن قد وصله الأوزاعي بذكر البراء فيه- في أرجح الروايتين عنه. وقد تابعه عبد الله بن عيسى عن الزهري عن حرام بن محيصة، عن البراء.. وعبد الله بن عيسى وابن عبد الرحمن بن أبي ليلى -وهو ثقة محتج به في الصحيحين- فهي متابعة قوية للأوزاعي على وصله، فصح بذلك الحديث، ولا يضره إرسال من أرسله؛ لأن زيادة الشاقة مقبولة، فكيف إذا كانا ثقتين؟ وقد قال الحاكم عقب رواية الأوزاعي: صحح الإسناد، على خلاف فيه بين معمر والأوزاعي. ووافقه الذهبي. أهـ

صفحة رقم 138

وروي عن الشعبي: أن شاة دخلت على حائك (١) فأفسدت عليه غزله، فاختصموا إلى شريح، فقال شريح: إن كان نهارًا فلا ضمان على صاحبها، وإن كان ليلاً ضَمِن. ثم قرأ هذه الآية (٢).
وأما الذي يخالف شرعنا: هو (٣) أن الحكم في شرعنا ضمان ما أفسدت الماشية بالقيمة أو المثل، لا تسليم الماشية ولا تسليم منافعها (٤).
ويتعلق من يقول: إن كل مجتهد مصيب (٥) بهذه الآية، ويقول: إن الله تعالى أثنى على كل واحد منهما بقوله: ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾.
ومن قال: المصيب واحد (٦) يقول -في هذه الآية: إن الله تعالى خص سليمان بتفهيم القضية (٧)؛ فدل أن الثاني على غير الصواب، ولو كان على

(١) الحائك: هو الذي ينسج الثياب. انظر: "الصحاح" للجوهري ٤/ ١٥٨٢ (حوك).
(٢) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ١٠/ ٨٢، وابن أبي شيبة في "مصنفه" ٩/ ٤٣٦، والطبري في "تفسيره" ١٧/ ٥٢، وابن حزم في "المحلى" ١١/ ٥.
(٣) في (أ): (وهو).
(٤) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص ٣/ ٢٢٣، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ١١/ ٣١٤.
(٥) وهو قول جمهور المتكلمين من الأشاعرة: كالأشعري وأبي بكر الباقلاني وأبي إسحاق الاسفراييني وابن فورك وغيرهم، ومن المعتزلة: كأبي الهذيل وأبي علي ؤأبي هاشم وأتباعهم. انظر: "الفصول في أحكام الأصول" للجصاص ٤/ ٣٠٧، "العدة في أصول الفقه" لأبي يعلى ٥/ ١٥٥٣، "المحصول" للرازي جـ ٢/ ق ٣/ ص ٤٧ - ٤٨، "نهاية السول" للأسنوي ٤/ ٥٦٠.
(٦) وهو قول كافة الفقهاء، وينسب إلى بعض الأئمة الأربعة. انظر: "الفصول" للجصاص ٤/ ٣٢٨، "التمهيد في أصول الفقه" للكلوذاني الحنبلي ٤/ ٣١٦ - ٣١٧، "المحصول" للرازي جـ ٢/ ق ٣/ ص ٤٩، "نهاية السول" للأسنوي ٤/ ٥٦٠.
(٧) في (د)، (ع): (القصة).

صفحة رقم 139

الصواب لم يكن لتخصيص سليمان فائدة؛ لأن الأول أيضًا قد فهم صوابًا على قول من يقول كل مجتهد مصيب، وقوله (١) ﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ ثناء عليهما بالحكم والعلم في غير هذه القضية وداود كان (٢) قد أوتي حكمًا وعلمًا وإن لم يصب في هذه المسألة، والذي يدل على هذا أنه قال: ﴿حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ فذكر (٣) بلفظ التنكير، ولو أراد الثناء عليهما في هذه المسألة بالحكم والعلم لقال: وكلا آتينا حكمها وعلمها.
وقوله تعالى: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ﴾ قال وهب: كان داود يمر بالجبال مسبحًا وهي تجاوبه بالتسبيح، وكذلك الطير (٤).
وهذا كقوله: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ [سبأ: ١٠] وقال سليمان بن حيان: كان داود إذا وجد فترة أمر الجبال فسبحت والطير (٥) حتى يشتاق (٦).
وهذا أشبه بالآية؛ لأن الله تعالى قال: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ﴾ وتسخيرها أن تطيعه إذا أمرها بالتسبيح (٧).

(١) في (أ): (بقوله).
(٢) (كان) ليست في (د)، (ع).
(٣) (فذكر) ساقطة من (د)، (ع).
(٤) "الكشف والبيان" للثعلبي ٣/ ٣٣ ب عن وهب بنصه. وقد روى أبو الشيخ في العظمة ٥/ ١٧٠٣ عن وهب قال: أمر الله الجبال والطير أن تسبح مع داود إذا سبح.
(٥) (والطير) في (د)، (ع) وليست في (أ).
(٦) رواه أبو الشيخ في "العظمة" ٥/ ١٧٠٦ من طريق الفريابي، عنه. لكن المطبوع من العظمة: سليم بن حيان، وهو تصحيف. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٥/ ٦٥٠ عن سليمان بن حيان، ونسبه للفريابي.
(٧) الأشبه -والله أعلم- بالآية الأول، وهي أنها كانت تجاوبه الجبال الصم والطير البهم إذا سبح وأثنى على الله، وذلك لأمرين: =

صفحة رقم 140

وتقدير الآية: وسخرنا (١) الجبال يُسبحن مع داود.
وقوله تعالى: ﴿وَالطَّيْرَ﴾ قال أبو إسحاق: نصبه من وجهين: أحدهما: على معنى: وسخرنا الطير، والآخر: على معنى: يسبحن مع الطير (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ قال ابن عباس: يريد ما فعل بهم (٣).
يعني: من التفهيم، وإيتائنا الحكم، والتسخير.

=الأول: دلالة قوله تعالى في سورة أخرى (يا جبال أوبي معه والطير) والتأويب: الترجيع.
الثاني: القرينة التي في الآية وهي (مع) حيث قال (وسخرنا مع) ولو كن كما قال الواحدي لكان: وسخرنا لداود الجبال، مثل ما قال في حق سليمان بعد ذلك (ولسليمان الريح). وانظر ما قاله ابن عاشور ١٧/ ١٢٠.
(١) في (أ): (وسخرت).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٤٠٠. ويكون نصبه على الوجه الأول على أنه معطوف على (الجبال) ونصبه على الوجه الآخر على أنه مفعول معه. انظر: "إعراب القرآن" للأنباري ٢/ ١٦٣، "البحر المحيط" لأبي حيان ٦/ ٣٣١، "الدر المصون" ٨/ ١٨٥.
(٣) انظر: "تنوير المقباس" ص ٢٠٣. قال الشنقيطي ٤/ ٦٧٣: والظاهر أن قوله (وكنا فاعلين) مؤكد لقوله (وسخرنا مع داود الجبال يُسبحن والطير) والموجب لهذا التأكيد أن تسخير الجبال وتسبيحها أمر عجب وخارق للعادة مظنة لأن يكذب به الكفرة الجهلة. وقال الألوسي ١٧/ ٧٦: (وكنا فاعلين) تذييل لما قبله، أي: من شأننا أن نفعل أمثاله، فليس ذلك ببدع منا وإن كان ذلك بديعًا عندكم. وذهب الزجاج والزمخشري إلى أن (فاعلين) هنا بمعنى قادرين فقال الزجاج ٣/ ٤٠٠ أي: وكنا نقدر على ما نريده. وقال الزمخشري ٢/ ٥٨٠: أي: قادرين على أن نفعل هذا وإن كان عجبا عندكم. وتعقب الشنقيطي ٤/ ٧٦٣ هذا القول، وذكر أنه ظاهر السقوط، وعلل ذلك بقوله: لأن تأويل (وكنا فاعلين) بمعنى كنا قادرين بعيد، ولا دليل عليه.

صفحة رقم 141
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية