
القصة الرابعة- قصة نوح عليه السلام
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٧٦ الى ٧٧]
وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧)
المفردات اللغوية:
وَنُوحاً أي واذكر نوحا إِذْ نادى إذ دعا على قومه بالهلاك، بقوله: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح ٧١/ ٢٦] وهو بدل مما قبله. مِنْ قَبْلُ من قبل المذكورين: إبراهيم ولوط فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ في السفينة مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ أي من الطوفان والغرق، وأذى قومه، والكرب: الغم الشديد وَنَصَرْناهُ جعلناه منتصرا كَذَّبُوا بِآياتِنا الدالة على رسالته فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ لاجتماع الأمرين: تكذيب الحق، والانهماك في الشر، ولم يجتمعا في قوم إلا وأهلكهم الله.
المناسبة:
بعد بيان قصة إبراهيم أبي الأنبياء ولوط قريبه، ذكر الله تعالى قصة نوح أب البشر الثاني لأن جميع الباقين بعد الطوفان من ذريته عليه السلام. وكل من إبراهيم ونوح من الرسل أولي العزم.
التفسير والبيان:
وَنُوحاً.. أي واذكر أيها النبي وقت أن نادى نوح ربه بأن دعا على قومه لما كذبوه: فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر ٥٤/ ١٠] وَقالَ نُوحٌ: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً [نوح ٧١/ ٢٦] وذلك من قبلك وقبل إبراهيم ولوط، فاستجبنا له دعاءه ونجيناه والذين آمنوا به من أهله، كما قال

تعالى: وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ [هود ١١/ ٤٠] نجيناهم من الغرق والشدة والأذى. فقوله مِنْ قَبْلُ أي من قبل هؤلاء المذكورين. والكرب: الطوفان والغم الشديد والعذاب النازل بالكفار، وتكذيب قومه إياه وما لقي منهم من الأذى.
وذلك بعد أن لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله عز وجل، فلم يؤمن به منهم إلا القليل.
وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أي وجعلناه منتصرا على القوم الذين كذبوا بأدلتنا الدالة على رسالته. وفي لغة هذيل: اللهم انصرهم منه، أي اجعلهم منتصرين منه.
إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ أي إن سبب إهلاكهم أنهم قوم سوء لأجل تكذيبهم لنبيهم، فكان جزاؤهم أن أهلكهم الله جميعا صغارا وكبارا، ولم يبق منهم أحد، كما دعا عليهم نبيهم، بعد أن أصروا على كفرهم، وتصدوا لإيذائه، وتواصوا قرنا بعد قرن، وجيلا بعد جيل على مخالفته وعصيان أمره.
فقه الحياة أو الأحكام:
إن في عذاب الاستئصال للأمة أو القوم جميعا عبرة وعظة بالغة، فهؤلاء قوم نوح الذين عكفوا على عبادة الأوثان، وأصروا على الكفر، وتمردوا على دعوة نوح ورسالته، قد أهلكهم الله عامة بالطوفان الذي عمّ السهول والجبال.
والسبب هو تكذيبهم لنبيهم وإيذاؤهم له، بالرغم من الصبر عليهم قرابة عشرة قرون (٩٥٠) عاما، وهي مدة طويلة جدا.
وكان النصر حليف نوح عليه السلام، فنجاه الله والمؤمنين الذين آمنوا به، وعددهم قليل.