
فَاعِلِينَ (٦٨) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (٦٩) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأخْسَرِينَ (٧٠) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (٧١) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (٧٢)
شرح الكلمات:
مالا ينفعكم شيئاً: أي آلهة لا تنفعكم شيئاً ولا تضركم إن أرادت ضركم.
أفٍ لكم: أي قبحاً لكم ولما تعبدون من دون الله.
قالوا: حرقوه: أي أحرقوه بالنار انتصاراً لألهتكم التي كسرها.
برداً وسلاماً: أي على إبراهيم فكانت كذلك فلم يحرق منه غير وثاقه "الحبل الذي وثق به".
كيداً: وهو تحريقه بالنار للتخلص منه.
فجعلناهم الأخسرين: حيث خرج من النار ولم تحرقه ونجا من قبضتهم وذهب كيدهم ولم يحصلوا على شيء.
ونجيناه ولوطاً: أي ابن أخيه هارون.
التي باركنا فيها: وهي أرض الشام.
ويعقوب نافلة: زيادة على طلبه الولد فطلب ولداً فأعطاه ما طلب وزاده آخر.
وكلاً جعلنا صالحين: أي وجعلنا كل واحد منهم صالحاً من الصالحين الذين يؤدون حقوق الله كاملة وحقوق الناس كذلك.
معنى الآيات:
يخبر تعالى أن إبراهيم عليه السلام قال لقومه منكراً عليهم عبادة ألهتهم {أفتعبدون١

من دون الله مالا ينفعكم شيئاً ولا يضركم} أي أتعبدون آلهة دون الله علمتم أنها لا تنفعكم شيئاً ولا تضركم ولا تنطق إذا استنطقت ولا تجيب إذا سئلت ﴿أُفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله﴾ أي قبحاً لكم ولتلك التماثيل التي تعبدون من دون الله الخالق الرازق الضار النافع ﴿أفلا تعقلون١﴾ قبح عبادتها وباطل تأليهها وير جماد لا تسمع ولا تنطق ولا تنفع ولا تضر وهنا أجابوا٢ بما أخبر تعالى به عنهم فقالوا: ﴿حرقوه٣﴾ أي أحرقوا إبراهيم بالنار ﴿وانصروا آلهتكم﴾ التي أهانها وكسرها ﴿إن كنتم فاعلين﴾ أي مريدين نصرتها حقاً وصدقاً. ونفذوا ما أجمعوا عليه وجمعوا الحطب وأججوا النار في بنيان خاص وألقوه فيه بواسطة منجنيق لقوة لهبها وشدة حرها٤ وقال تعالى للنار ما أخبر به في قوله: ﴿قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم﴾ فكانت كما طلب منها ولم تحرق غير وثاقه الحبل الذي شدت به يداه، ورجلاه ولو لم يقل وسلاماً لكان من الجائز أن تنقلب النار جبلاً من ثلج ويهلك به إبراهيم عليه السلام. روى أن والد إبراهيم لما رأى إبراهيم لم تحرقه النار وهو يتفصد عرقاً قال: نعم الرب ربك يا إبراهيم! وقوله تعالى: ﴿وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين﴾ أي أرادوا بإبراهيم مكراً وهو إحراقه بالنار فخيَّب الله مسعاهم وأنجى عبده وخليله من النار وأحبط عليهم ما كانوا يأملون فخسروا في كل أعمالهم التي أرادوا بها إهلاك إبراهيم، وقوله تعالى: ﴿ونجيناه ولوطاً﴾ ٥ أي ونجينا إبراهيم وابن أخيه هاران وهو لوط ﴿إلى الأرض التي باركنا٦ فيها للعالمين﴾ وهي أرض الشام فنزل إبراهيم
٢ بعد إن أعيتهم الحجة وانقطعوا ببيان اللسان لاذوا إلى قوة السنان، وهذا شأن الإنسان إذا كتب عليه الخسران، والعياذ بالرحمن.
٣ روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ومجاهد وابن جريج: أنّ الذي قال حرّقوه: رجل من الأكراد من بادية فارس واسمه هيزرُ وخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة: وقيل: إن القائل: ملكهم نمرود. والله أعلم.
٤ روي أنهم جمعوا الحطب في مدة شهر كامل ولما ألقوه في النار عرض له جبريل عليه السلام فقال: يا إبراهيم ألك حاجة؟ فقال: أمّا إليك فلا، حسبي الله ونعم الوكيل. وقال عليّ وابن عباس رضي الله عنهم لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها ولم تبق دابة في المنطقة إلاّ أطفأت عن إبراهيم النار إلاّ الوزغ فإنها كانت تنفخ عليه فلذا أمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتلها وسمّاها الفويسقة.
٥ هذه النجاة ثانية. الأولى كانت من النار وهذه من ديار الكفار، إذ هاجر من أرض الكلدانيين إلى أرض فلسطين، وهي بلاد الكنعانيين يومئذٍ، وهجرة إبراهيم هذه أول هجرة في تاريخ الإسلام، إذ خرج إبراهيم وابن أخيه لوط بن هاران وزوجه وابنة عمه سارة عليهم السلام، ونصب لوط على المفعول معه، وضمّن فعل نجيناه معنى الإخراج فعدي بإلى.
٦ قيل لها مباركة لكثرة خصبها وأنهارها وثمارها ولأنها معادن الأنبياء والبركة ثبوت الخير، ومنه برك البعير. إذا لزم مكانه ولم يبرحه.

بفلسطين ونزل لوط بالمؤتفكة وهي قرى قوم لوط التي بعد دمارها استحالت إلى بحيرة غير صالحة للحياة فيها وقوله: ﴿باركنا فيها للعالمين﴾ أي بارك في أرزاقها بكثرة الأشجار والأنهار والثمار لكل من ينزل بها من الناس كافرهم ومؤمنهم لقوله: ﴿للعالمين﴾ وقوله تعالى: ﴿ووهبنا له﴾ أي لإبراهيم اسحق حيث سأل الله تعالى الولد، وزاده يعقوب نافلة١ وقوله: ﴿وكلا جعلنا صالحين﴾ أي وجعلنا كل واحد منهم من الصالحين الذين يعبدون الله بما شرع لهم فأدوا حقوق الربَّ تعالى كاملة، وأدوا حقوق الناس كاملة وهذا نهاية الصلاح.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان قوة حجة إبراهيم عليه السلام، ومتانة أسلوبه في دعوته٢ وذلك مما آتاه ربّه.
٢- مشروعية توبيخ أهل الباطل وتأنيبهم.
٣- آية إبطال مفعول النار فلم تحرق إبراهيم إلا وثاقه لما أراد الله تعالى ذلك.
٤- قوة التوكل على الله كانت سبب تلك المعجزة إذ قال إبراهيم حسبي الله ونعم الوكيل.
فقال الله تعالى للنار: ﴿كوني برداً وسلاماً على إبراهيم﴾ فكانت، وكفاه ما أهمه بصدق توكله عليه، ويؤثر أن جبريل عرض له قبل أن يقع في النار فقال هل لك يا إبراهيم من حاجة؟ فقال إبراهيم: أمّا إليك فلا، حسبي الله ونعم الوكيل.
٥- تقرير التوحيد والتنديد بالشرك والمشركين.
٦- خروج إبراهيم من أرض العراق إلى أرض الشام كانت أول هجرة في سبيل الله في التاريخ.
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (٧٣) وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ
٢ قال تعالى: ﴿وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه﴾ من سورة الأنعام.