آيات من القرآن الكريم

قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ ۗ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ
ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ

٧- إن الاستهزاء بالرسل ديدن الكفار قديما وحديثا، فلا بد من الصبر، وسيلقى المستهزئون جزاء استهزائهم.
حراسة الله وحفظه للإنسان وعدل الحساب
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٤٢ الى ٤٧]
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤) قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦)
وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧)
الإعراب:
وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِثْقالَ: خبر كانَ الناقصة، واسمها مضمر فيها، وتقديره: وإن كان الظلم مثقال حبة. وقرئ بالرفع على أن تجعل كانَ التامّة، فيكون مرفوعا على أنه فاعل.
البلاغة:
وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ استعارة، استعار الصمّ للكفار، لأنهم كالبهائم لا يسمعون النداء إلى الإيمان سماع تدبر وتفهم.

صفحة رقم 60

حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ كناية عن العمل القليل.
المفردات اللغوية:
يَكْلَؤُكُمْ يحرسكم ويحفظكم، والفعل الماضي: كلأ: حفظ، والمصدر: الكلاءة: الحراسة والحفظ. مِنَ الرَّحْمنِ أي من بأسه وعقابه الذي تستحقونه إن أراده بكم. وفي لفظ الرَّحْمنِ تنبيه على ألا كالئ غير رحمته العامة. ذِكْرِ رَبِّهِمْ أي القرآن. مُعْرِضُونَ لا يتفكرون فيه. مِنْ دُونِنا من غيرنا ومن عذابنا. يُصْحَبُونَ يجأرون من عذابنا، يقال: صحبك الله أي حفظك.
أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ من الله، لا من قبل نفسي. وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ إنما سماهم الصم لتركهم العمل بما سمعوه من الإنذار كالصم. نَفْحَةٌ نصيب قليل أو أدنى شيء، وأصل النفح: هبوب رائحة الشيء. يا وَيْلَنا يا هلاكنا، ويا: للتنبيه. إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ بالإشراك وتكذيب محمد صلّى الله عليه وسلم.
وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ أي ذوات العدل، توزن بها صحائف الأعمال. لِيَوْمِ الْقِيامَةِ أي فيه أو لجزاء يوم القيامة. فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً من نقص حسنة أو زيادة سيئة.
وَإِنْ كانَ مِثْقالَ أي وإن كان العمل أو الظلم مقدار حبة، وحبة الخردل مثل في الصغر.
أَتَيْنا بِها أحضرناها وأتينا بموزونها. حاسِبِينَ محصين كل شيء إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا.
المناسبة:
بعد أن أبان الله تعالى أن الكفار لا يستطيعون أن يكفوا النار عن وجوههم ولا عن ظهورهم، أتبعه ببيان أنهم في الدنيا أيضا، فلولا أن الله تعالى يحرسهم ويحفظهم لما بقوا سالمين.
ثم أردفه ببيان أنهم معرضون لا يتفكرون بالأدلة التي ترشدهم إلى الإيمان وترك عبادة الأصنام، كما أنهم لا يرون آثار قدرة الله في إتيان الأرض من جوانبها، بأخذ الواحد بعد الواحد، وفتح البلاد والقرى حول مكة، وفي ذلك عبرة، فيؤمنوا برسول الله صلّى الله عليه وسلم.

صفحة رقم 61

ثم ذكر وظيفة الرسل التي هي التبليغ والإنذار، لا الإلزام والقبول، لكفاية أدلة القرآن على الإيمان. ثم بيّن سبحانه أن جميع ما يتعرض له الكفار في الآخرة لا يكون إلا عدلا، فهم وإن ظلموا أنفسهم في الدنيا فلن يظلموا في الآخرة، فموازين الحساب قائمة على العدل والقسط.
التفسير والبيان:
قُلْ: مَنْ يَكْلَؤُكُمْ.. أي قل أيها الرسول لأولئك الذين يسخرون منك ويستهزئون: من يحفظكم ويحرسكم ليلا في نومكم ونهارا في عملكم من بأس الله وعذابه إن أتاكم أو أراد إنزاله بكم؟! وفي تعبير الرَّحْمنِ إشارة إلى أن تأخير العذاب عن الكفار والعصاة هو من رحمة الله ونعمته وفضله، كي يعود الإنسان إلى ربه من نفسه.
بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ أي بل إن هؤلاء المشركين، بالرغم من وجود الأدلة الكثيرة العقلية والمذكورة في القرآن الدالة على فضل الله ونعمته بالحفظ والكلاءة، معرضون عن تلك الأدلة، ولا يتفكرون فيها، ولا يعترفون بنعمة الله عليهم وإحسانه إليهم.
وفي ذكر الرب دلالة على أنهم خاضعون لسلطانه، وأنهم يعيشون في رعايته وتربيته وإمداده بالنعم الوفيرة.
ثم بعد بيان اتصافهم بالإعراض، وبخهم الله تعالى على عبادتهم آلهة لا تضر ولا تنفع فقال:
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا؟ أي هل لهؤلاء المستهزئين المعرضين عن بيان الله آلهة قادرة تمنعهم وتكلؤهم غيرنا؟
لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ، وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ أي إن تلك الآلهة

صفحة رقم 62

المزعومة لا تتمكن من نصر أنفسهم، ولا دفع الضر والبلاء عنهم، ولا هم منا يجأرون أو يمنعون لأنهم في غاية العجز والضعف، فكيف ينصرون غيرهم، ويدفعون الضر عنهم، أو يجلبون النفع لهم؟! ثم أخبر تعالى عن مزيد فضله عليهم فقال:
بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أي إن الذي غرهم وحملهم على ما هم فيه من الضلال أنّهم متّعوا في الحياة الدنيا، ونعموا بها، وطال عليهم العمر فيما هم فيه، فاعتقدوا أنهم على شيء، والحقيقة أنهم مع طول الزمان في غفلة، حتى اغتروا بنعمتنا، ونسوا شكرها.
والخلاصة: أنه ما حملهم على الإعراض عن آيات الله إلا الاغترار بطول المهلة.
ثم قال تعالى واعظا لهم:
أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أي أفلا يعتبرون بنصر الله لأوليائه على أعدائه، وإهلاكه الأمم المكذبة، والقرى الظالمة، وإنجائه لعباده المؤمنين، وفتح البلاد حول مكة، وتناقص رقعة بلاد أهل الشرك؟! وبعبارة أخرى: أفلا يرون أنا ننقص أرض الكفر ودار الحرب، ونحذف جوانبها وأطرافها بتسليط المسلمين عليها، وتغلبهم على أهلها، وضمّها إلى دار الإسلام.
والفائدة في قوله: نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها تصوير ما كان يجريه على أيدي المسلمين، وأن عساكرهم وسراياهم كانت تفتح أرض المشركين المعتدين، وتأتيها غالبة عليها، ناقصة من أطرافها. ومعنى نقص أطرافها:
دخول المسلمين فيها، واتساع نفوذ الإسلام شيئا فشيئا، وانحسار أرض الكفار،

صفحة رقم 63

بدليل قوله بعدئذ: أَفَهُمُ الْغالِبُونَ أي هل نحن الغالبون أم هم؟ فكيف يتوهمون غلبتهم؟ فهم المغلوبون الأخسرون، وهو استفهام بمعنى التقرير والتقريع.
ويرى بعض علماء العصر أن في الآية دلالة واضحة على نقص أطراف الكرة الأرضية في الشمال والجنوب، وأنها غير كاملة التكوير والاستدارة، وذات تفلطح، وهو ما يعبر عنه بالخط الإهليلجي في القطب الشمالي والجنوبي، مما يدل على قدرة الله تعالى، وقوة سلطانه، وتحكمه في الأرض أثناء دورانها.
وبعد أن كرر تعالى إيراد الأدلة في القرآن على وجود الله وقدرته وتوحيده، وبالغ في التنبيه عليها، أتبعه بقوله:
قُلْ: إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ أي قل أيها النبي: إني إنما أنذركم بالقرآن الذي هو كلام ربكم، وإنما أنا مبلّغ عن الله ما أنذرتكم به من العذاب والنكال، فلا تظنوا أن ذلك من قبلي، بل الله آتيكم به، وأمرني بإنذاركم، وعملي هو مجرد التبليغ لا الإلزام بالقبول، فإن لم تجيبوا دعوتي، فعليكم الوبال والنكال، لا عليّ.
وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ أي لا يجدي هذا الوحي من أعمى الله بصيرته، وختم على سمعه وقلبه، وما مثلهم حين لم ينتفعوا بما سمعوا من الإنذار، على كثرته وتتابعه، إلا مثل الصم الذين لا يسمعون شيئا أصلا إذ ليس الغرض من الإنذار مجرد السماع، بل العمل بما يسمع، والتمسك به، بالإقدام على فعل الواجب، والتحرز عن المحرّم، ومعرفة الحق، فإذا لم يتحقق هذا الغرض فلا فائدة في السماع. ثم بيّن تعالى أن حالهم سيتغير، فيصبحون سريعي التأثر بما ينذرون، ويعترفون بما لا ينتفعون، فقال:
وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ: يا وَيْلَنا، إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ أى ولئن مس أو أصاب هؤلاء المكذبين أدنى شيء من عذاب الله يوم القيامة،

صفحة رقم 64

ليعترفن بذنوبهم، وأنهم كانوا ظالمين أنفسهم في الدنيا، ويظهرون الندامة على ما فرط منهم، ويتنادون بالويل والهلاك، ولا فائدة من ذلك. قال الزمخشري في الكشاف: وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات: لفظ المس، وما في النفح من معنى القلة والنزارة، ولفظ المرة.
ثم بيّن الله تعالى أن جميع ما ينزل بهم في الآخرة لا يكون إلا عدلا، فقال:
وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ، فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً أي ونضع الموازين العدل التي توزن بها صحائف الأعمال في يوم القيامة، أو لأهل يوم القيامة، فلا يلحق نفسا أي ظلم، فهم إن ظلموا أنفسهم في الدنيا، فلن يظلموا في الآخرة، وقوله: فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً تأكيد عدالة الميزان، وأنه لا ينقص ثواب أي نفس ما تستحقه.
والأكثر على أنه إنما هو ميزان واحد، وإنما جمع باعتبار تعدد الأعمال الموزونة فيه. ووصفت الموازين بأنها عادلة، لأن الميزان قد يكون مستقيما وقد يكون بخلافه.
والمراد بوضع الموازين: إرصاد الحساب السوي والجزاء على حسب الأعمال بالعدل والإنصاف، من غير أن يظلم أحد مثقال ذرة، أي أن المقصود من الوزن العدل بين الخلائق، وقد مثل ذلك بوضع الموازين لتوزن بها الموزونات. وفي قول آخر هو الأرجح: المراد أنه تعالى يضع الموازين الحقيقة، ويزن بها الأعمال. قال الحسن البصري: هو ميزان له كفتان ولسان. فمن رجحت حسناته على سيئاته، كان من الناجين، ومن غلبت سيئاته على حسناته، كان من الهالكين. والقسط: العدل أي ليس في الموازين بخس ولا ظلم كما يكون في وزن الدنيا.
وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أي وإن كان العمل أو الظلم مقدار

صفحة رقم 65

زنة حبة الخردل، فنجازي عليه الجزاء الأوفى، حسنا أو سيئا.
وَكَفى بِنا حاسِبِينَ أي وكفى بنا محصين لأعمال العباد، فلا أحد أعلم بأعمالهم منا، ولا أحد أضبط ولا أعدل في تقويم الأعمال منا. وفي هذا تحذير شديد، ووعيد أكيد للكفار والعصاة على تفريطهم أو تقصيرهم فيما يجب عليهم نحو الله تعالى لأن العالم الذي لا يشتبه عليه شيء، القادر الذي لا يعجزه شيء، جدير بأن يكون الناس في أشد الخوف منه.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- إن من فضل الله ورحمته الكلاءة: الحراسة والحفظ للناس من عذاب الله تعالى بالليل حال النوم، وفي النهار حال التصرف في الأمور، ولكن الناس لاهون غافلون عن موعظة القرآن ومواعظ ربهم ومعرفته حق عليهم.
٢- إن الآلهة الذين زعم الكفار أنهم ينصرونهم لا يستطيعون نصر أنفسهم، فكيف ينصرون عابديهم؟! وكيف يمنعون ويجأرون من عذاب الله تعالى؟! ٣- إن تقلب أهل مكة وأمثالهم في نعيم الدنيا، وظنهم أن النعمة لا تزول عنهم هو سبب اغترارهم وإعراضهم عن تدبر حجج الله عز وجل، وكان عليهم التأمل في متابعة انتصارات النبي صلّى الله عليه وسلم وغلبته عليهم، وتمكين الله له من فتح البلاد بلدا بعد بلد، مما حول مكة.
٤- إن مهمة النبي صلّى الله عليه وسلم إنذار الكفار وتحذير هم بالقرآن الموحى إليه من عند الله، لا من قبله، ولكنهم إذا لم ينتفعوا بما سمعوا من الإنذار، صاروا كالصم الذين لا يسمعون أصلا، وسيتغير خالهم إذا مسّهم أدنى شيء من عذاب الله،

صفحة رقم 66
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية