آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ
ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ

موضع الإيمان؛ أي (١): وكثيرًا كسرنا وأهلكنا من أهل قرية كانوا ظالمين آيات الله، كافرين بها كدأبكم يا معشر قريش ﴿وَأَنْشَأْنَا﴾؛ أي: أوجدنا، وأحدثنا ﴿بَعْدَهَا﴾؛ أي بعد إهلاك أهلها ﴿قَوْمًا آخَرِينَ﴾؛ أي ليسوا منهم نسبًا، ولا دينًا. ونحو الآية قوله: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾، وقوله: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾.
١٢ - ثم بيَّن حالهم حين حلول البأس، فقال: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا﴾؛ أي: فلما أحس أهل تلك القرية الظالمة، وأدركوا ﴿بَأْسَنَا﴾؛ أي: عذابنا الشديد إداركًا تامًا، كأنه إدراك المشاهد المحسوس، ورأوه ﴿إِذَا هُمْ مِنْهَا﴾؛ أي: من القرية. ويحتمل أن يعود على ﴿بَأْسَنَا﴾؛ لأنه في معنى الشدة، فأنّث على المعنى. ذكره في "البحر". و ﴿إِذَا﴾ للمفاجاة. و ﴿هُمْ﴾ مبتدأ خبره قوله: ﴿يَرْكُضُونَ﴾؛ أي: يهربون مسرعين راكضين مثل دوابّهم، أو مشبّهين بهم من إفراط الإسراع.
أي (٢): فلمّا أيقنوا أن العذاب واقع بهم لا محالة كما أوعدهم أنبياؤهم، إذا هم يهربون سراعًا عجلين يعدون منهزمين.
والخلاصة: أنهم لمَّا علموا شدة بأسنا وبطشنا علم حس ومشاهدة ركضوا في ديارهم هاربين من قراهم، بعد أن كانوا قد تجبروا على رسلهم، وقالوا لهم: ﴿لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾.
١٣ - ثم ذكر أنهم في ذلك الحين ينهون عن الهرب، ويقال لهم بلسان الحال، أو بلسان المقال من الملك، أو ممن هنالك من المؤمنين على طريق الاستهزاء والتهكم: ﴿لَا تَرْكُضُوا﴾، أي: لا تهربوا من مساكنكم ﴿وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ﴾؛ أي (٣) إلى نعمكم التي كانت سبب بطركم وكفركم. والمترف: المنعم. يقال: أترف فلانٌ؛ أي: وسع عليه في معاشه، وأترفته النعمة أطغته. وأترف فلان أصر على البغي، أي: ارجعوا إلى ما أعطيتموه من العيش الواسع، والحال الطيبة،

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.

صفحة رقم 27
حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الأمين بن عبد الله بن يوسف بن حسن الأرمي العلوي الهرري الشافعي
راجعه
هاشم محمد علي مهدي
الناشر
دار طوق النجاة، بيروت - لبنان
سنة النشر
1421
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية