لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها الحسيس صوت يحس به اى لا يسمعون صوتها سمعا ضعيفا كما هو المعهود عند كون المصوت بعيدا وان كان صوته فى غاية الشدة لا انهم لا يسمعون صوتها الخفي فى نفسه فقط قال الصادق كيف يسمعون حسيسها والنار تخمد لمطالعتهم وتتلاشى برؤيتهم وفى الحديث (تقول النار للمؤمن يوم القيامة جز يا مؤمن فقد اطفأ نورك لهبى: وفى المثنوى
ز آتش مؤمن ازين رو اى صفى
ميشود دوزخ ضعيف ومنطفى «١»
كويدش بگذر سبك اى محتشم
ور نه ز آتشهاى تو مرد آتشم
وفى التأويلات النجمية ومن آثار سبق العناية الازلية ان لا يسمعون حسيس جهنم القهر وحسيسها مقالات اهل الأهواء والبدع وادلة الفلاسفة وبراهينهم بالعقول المشوبة بالوهم والخيال وظلمة الطبيعة وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ دائمون فى غاية التنعم والاشتهاء والشهوة طلب النفس اللذة وتقديم الظرف للقصر والاهتمام وهو بيان لفوزهم بالمطالب اثر بيان خلاصهم من المهالك قال ابن عطاء للقلوب شهوة وللارواح شهوة وللنفوس شهوة وقد يجمع الله لهم فى الجنة جميع ذلك فشهوة الأرواح القرب وشهوة القلوب المشاهدة والرؤية وشهوة النفوس الالتذاذ بالراحة والاكل والشرب والزينة لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ بيان لنجاتهم من الافزاع بالكلية بعد بيان نجاتهم من النار لانهم إذا لم يحزنهم اكبر الافزاع لا يحزنهم ما عداه بالضرورة والفزع انقباض ونفار يعترى الإنسان من الشيء المخيف وهو من جنس الجزع ولا يقال فزعت من الله كما يقال خفت منه قال الراغب الفزع الأكبر هو الفزع من دخول النار وقال بعضهم ذبح الموت بمرأى من الفريقين وأطباق جهنم على أهلها اى وضع الطبق عليها بعد ما اخرج منها من اخرج فيفزع أهلها حينئذ فزعا شديدا لم يفزعوا فزعا أشد منه وقال بعض ارباب الحقيقة هو قوله تعالى فى الأزل (هؤلاء فى الجنة ولا أبالي) وذلك لان نفوسهم المطمئنة فى الجنة المضافة الى الحضرة كما قال تعالى وَادْخُلِي جَنَّتِي فافهم جدا وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ اى تستقبلهم ملائكة الرحمة مهنئين لهم هذا يَوْمُكُمُ على ارادة القول اى قائلين هذا اليوم يومكم الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ فى الدنيا وتبشرون بما فيه من فنون المثوبات على الايمان والطاعة قال الكاشفى [عابدانرا كويند اين روز جزاى شماست عارفانرا خطاب رسد كه اين روز تماشاى شماست]
نيك مردانرا نعيم اندر نعيم
عشق بازان را لقا اندر لقاء
حصه آنها وصال حور عين
بهره اينها جمال كبريا
فليجتهد العاقل فى الطاعات حتى يصل الى القربات وليبعد نفسه عن المخالفات ليأمن من العقوبات واعلم ان الدار الآخرة وثوابها انما ينال إليها بترك الدنيا وزخارفها كما ان وصلة المولى لا تحصل الا بترك الكونين فمن كان مشتهاه الجنة ونعيمها فليترك اللذة فى الدنيا ومن كان مشتهاه المشاهدات فليقطع نظره عن غير الله تعالى قال فى الفتوحات الملكية اجمع اهل كل ملة على ان الزهد فى الدنيا مطلوب وقالوا ان الفراغ من الدنيا أحب لكل عاقل خوفا على نفسه من الفتنة التي حذرنا الله منها بقوله أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
انتهى كلامه قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوى
(١) در اواخر دفتر ششم در بيان حديث جز يا مؤمن فان نورك اطفأ نارى
صفحة رقم 525
ومن وصف الروحانية الى وصف الربوبية بجذوة ارجعي الى ربك وعدا علينا فى الأزل انا كنا فاعلين الى الابد وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ وهو كتاب داود عليه السلام كما قال وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ اى بعد ما كتبنا فى التوراة لان كل كتاب سماوى ذكر كما سبق قال الراغب زبرت الكتاب كتبته كتابة غليظة وكل كتاب غليظ الكتابة يقال له الزبور وخص بالكتاب المنزل على داود قيل بل الزبور كل كتاب يصعب الوقوف عليه من الكتب الالهية وقال بعضهم اسم للكتاب المقصور على الحكمة العقلية دون الاحكام الشرعية والكتاب لما يتضمن الاحكام والحكم ويدل على ذلك ان زبور داود لا يتضمن شيأ من الاحكام قال فى القاموس الزبور الكتاب بمعنى المزبور والجمع زبر وكتاب داود عليه السلام انتهى أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ اى عامة المؤمنين بعد اجلاء الكفار كما قال وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وهذا وعد منه بإظهار الدين وإعزاز اهله وعن ابن عباس رضى الله عنهما ان المراد ارض الجنة كما ينبئ عنه قوله تعالى وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ قال فى عرائس البقلى كان فى علم الازلية ان ارض الجنان ميراث عباده الصالحين من الزهاد والعباد والأبرار والأخيار لانهم اهل الأعواض والثواب والدرجات وان مشاهدة جلال أزليته ميراث اهل معرفته ومحبته وشوقه وعشقه لانهم فى مشاهدة الربوبية واهل الجنة فى مشاهدة العبودية قال سهل أضافهم الى نفسه وحلاهم بحلية الصلاح معناه لا يصلح لى إلا ما كان لى خالصا لا يكون لغيرى فيه اثر وهم الذين أصلحوا سريرتهم مع الله وانقطعوا بالكلية عن جميع مادونه وقال الشيخ المغربي قدس سره
مجوى در دل ما غير دوست ز آنكه نيابى
از انكه در دل محمود جز أياز نباشد
إِنَّ فِي هذا اى فيما ذكر فى السورة الكريمة من الاخبار والمواعظ البالغة والوعد والوعيد والبراهين القاطعة على التوحيد وصحة النبوة لَبَلاغاً اى كفاية لِقَوْمٍ عابِدِينَ اى لقوم همهم العبادة دون العادة وَما أَرْسَلْناكَ يا محمد بما ذكر وأمثاله من الشرائع والاحكام وغير ذلك من الأمور التي هى مناط السعادة فى الدارين فى حال من الأحوال إِلَّا حال كونك رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فان ما بعثت به سبب لسعادة الدارين ومنشأ لانتظام مصالحهم فى النشأتين ومن اعرض عنه واستكبر فانما وقع فى المحنة من قبل نفسه فلا يرحم وكيف كان رحمة للعالمين وقد جاء بالسيف واستباحة الأموال قال بعضهم جاء رحمة للكفار ايضا من حيث ان عقوبتهم أخرت بسببه وأمنوا به عذاب الاستئصال والخسف والمسخ ورد فى الخبر انه عليه السلام قال لجبريل (ان الله يقول وما أرسلناك الى آخره فهل أصابك من هذه الرحمة) قال نعم انى كنت أخشى عاقبة الأمر فامنت بك لثناء اثنى الله على بقوله ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ قال الكاشفى [در كشف الاسرار آورده كه از رحمت وى بود كه امت را در هيچ مقام فراموش نكرد اگر در مكه معظمه بود واگر در مدينه زاهره اگر در مسجد مكرم بود واگر در حجره طاهره همچنين در ذروه عرش أعلى ومقام قاب قوسين
صفحة رقم 527
او ادنى ياد فرمود كه «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فردا در مقام محمود بساط شفاعت كسترده كويد أمتي أمتي]
عاصيان پر كنه در دامن آخر زمان
دست در دامان تو دارند وجان در آستين
نا اميد از حضرت بانصرتت نتوان شدن
چون تويى در هر دو عالم رحمة للعالمين
قال بعض الكبار وما أرسلناك الا رحمة مطلقة تامة كاملة عامة شاملة جامعة محيطة بجميع المقيدات من الرحمة الغيبية والشهادة العلمية والعينية والوجودية والشهودية والسابقة واللاحقة وغير ذلك للعالمين جمع عوالم ذوى العقول وغيرهم من عالم الأرواح والأجسام ومن كان رحمة للعالمين لزم ان يكون أفضل من كل العالمين وعبارة ضمير الخطاب فى قوله وَما أَرْسَلْناكَ خطاب للنبى عليه السلام فقط وإشارته خطاب لكل واحد من ورثته الذين هم على مشربه الى يوم القيامة بحسب كونه مظهرا لارثه وقال بعض الكبار انما كان رحمة للعالمين بسبب اتصافه بالخلق العظيم ورعايته المراتب كلها فى محالها كالملك والملكوت والطبيعة والنفس والروح والسر وفى التأويلات النجمية فى سورة مريم بين قوله وَرَحْمَةً مِنَّا فى حق عيسى وبين قوله فى حق نبينا عليه السلام وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فرق عظيم وهو انه فى حق عيسى ذكر الرحمة مقيدة بحرف من ومن للنبعيض فلهذا كان رحمة لمن آمن به واتبع ما جاء به الى ان بعث نبينا عليه السلام ثم انقطعت الرحمة من أمته بنسخ دينه وفى حق نبينا عليه السلام ذكر الرحمة للعالمين مطلقا فلهذا لا تنقطع الرحمة عن العالمين ابدا اما فى الدنيا فبان لا ينسخ دينه واما فى الآخرة فبان يكون الخلق محتاجين الى شفاعته حتى ابراهيم عليه السلام فافهم جدا قال فى عرائس البقلى ايها الفهيم ان الله أخبرنا ان نور محمد عليه السلام أول ما خلقه ثم خلق جميع الخلائق من العرش الى الثرى من بعض نوره فارساله الى الوجود والشهود رحمة لكل موجود إذا لجميع صدر منه فكونه كون الخلق وكونه سبب وجود الخلق وسبب رحمة الله على جميع الخلائق فهو رحمة كافية وافهم ان جميع الخلائق صورة مخلوقة مطروحة فى فضاء القدرة بلا روح حقيقة منتظرة لقدوم محمد عليه السلام فاذا قدم الى العالم صار العالم حيا بوجوده لانه روح جميع الخلائق. ويا عاقل ان من العرش الى الثرى لم يخرج من العدم الا ناقصا من حيث الوقوف على اسرار قدمه بنعت كمال المعرفة والعلم فصاروا عاجزين عن البلوغ الى شط بحار الالوهية وسواحل قاموس الكبريائية فجاء محمد عليه السلام اكسير أجساد العالم وروح اشباحه بحقائق علوم الازلية وأوضح سبيل الحق للخلق بحيث جعل سفر الآزال والآباد للجميع خطوة واحدة فاذا قدم من الحضرة الى سفر القربة بلغهم جميعا بخطوة من خطوات البارى سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ
حتى وصل الى مقام او ادنى فغفر الحق لجميع الخلائق بمقدمه المبارك قال بعض العلماء ان كل نبى كان مقدمة للعقوبة لقوله تعالى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ونبينا عليه السلام كان مقدمة للرحمة لقوله وَما أَرْسَلْناكَ الى آخره وأراد الله تعالى ان يكون خاتمة على الرحمة لا على العقوبة لقوله تعالى (سبقت رحمتى على غضبى) ولهذا جعلنا آخر الأمم فابتداء الوجود رحمة وآخره وخاتمته
صفحة رقم 528