آيات من القرآن الكريم

قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ

أو نسب موسى إلى الكذب ﴿وَأَبَى﴾ وأمتنع أن يقبل التوحيد، ونَسَب موسى إلى السحر.
٥٧ - وهو قوله تعالى: ﴿قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا﴾ يعني: مصر ﴿بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى﴾ تريد أن تغلب على ديارنا بسحرك، فتمتلكها وتخرجنا منها.
٥٨ - ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ﴾ فلنقابلن ما جئتنا به من السحر بسحر مثله ﴿فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا﴾ الموعد في اللغة: يجوز أن يكون اسمًا للوعد فيكون مصدرًا، ويجوز أن يكون اسمًا لمكان الوعد (١). كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ﴾ [الحجر: ٤٣]. فالموعد هاهنا ينبغي أن يكون مكانًا؛ لأن جهنم مكان، ويجوز أن يكون الموعد اسمًا لزمان الوعد، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ﴾ [هود: ٨١]، والذي في هذه الآية هو المصدر: اجعل بيننا وبينك وعدًا، ويدل على هذا قوله: ﴿لَا نُخْلِفُهُ﴾ أي: لا نخلف ذلك الوعد، والإخلاف: أن يعد العدة فلا ينجزها.
وقوله تعالى: ﴿مَكَانًا سُوًى﴾ ينتصب على الظرف للوعد (٢)، وعند البصريين لا يجوز أن يكون ظرفًا للوعد الظاهر في الآية ويتعلق به؛ لأنه قد وصف بالجملة التي هي ﴿لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ﴾ وإذا وصف لم يجز أن يتعلق به بعد الوصف له شيء منه؛ لأنه لا يوصف الاسم قبل تمامه،

(١) انظر: "تهذيب اللغة" (وعد) ٤/ ٣٩١٥، "القاموس المحيط" (وعده) ١/ ٣٢٦، "الصحاح" (وعد) ٢/ ٥٥١، "لسان العرب" (وعد) ٨/ ٤٨٧١، "المفردات في غريب القرآن" (وعد) ص ٥٢٦.
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٤، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١٢٢، "إعراب القرآن" للنحاس٣/ ٤٢، "البحر المحيط" ٦/ ٢٥٣

صفحة رقم 425

وكذلك لا يعطف عليه ولا يؤكد ولا يخبر عنه، والوصف والعطف والتوكيد والخبر كل هذا يؤذن بتمام الاسم، فلا يجوز أن يتعلق بالاسم بعد هذه الأشياء شيء، مثال ذلك أنك لا تقول: هذا ضارب ظريف زيدًا على أن ينصب زيدًا بضارب؛ لأنك وصفت الضارب فلا يتعلق به بعد الوصف شيء، وكذلك لا يجوز المعطي عمرًا زيدًا، على أن ينصب زيدًا بالمعطي؛ لأنك قد أخبرت عنه، ولا يجوز مررت بالضارب وعمرو زيدًا، ولا مررت بالضارب نفسه زيدًا؛ لأنك لا تؤكد ولا تعطف على الاسم وقد نفيت منه بقيه، وكذلك البدل لا يجوز أن يبدل من الاسم قبل تمامه كقولك: مررت بالضارب أخيك زيدًا، على أن تبدل الأخ من الضارب، وقد جاء في الشعر شيء من هذا كقول بشر بن أبي خازم (١):

إِذَا فاقِدٌ خَطْباءَ فَرْخَين رَجَّعَتْ ذَكَرتُ سُلَيمَى في الخَلِيطِ المُباين
أعمل فاقدا بعد وصفه بخطباء. وهذا الذي جاء منه في الشعر يحمل النحويون مثله على إضمار فعل آخر مثل الذي ظهر، كأنه قال بعد قوله خطباء: فقدت فرخين، ودل عليه فاقد، كذلك قوله تعالى: ﴿مَكَانًا﴾ لا يجوز على ما ذكرنا أن يتعلق بموعد، ولكنه يتعلق بمحذوف يدل عليه الظاهر، كأنه قيل: عدنا مكانا سوى، ويجوز أن يتعلق بالموعد المذكور في الآية؛ لأنه ظرف والظرف (٢) يتجوز فيه ما لا يتجوز في غيره، ألا ترى
(١) البيت لبشر بن أبي خازم.
انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٥، "المقرب" لابن عصفور ١/ ١٢٤، "المقاصد النحوية" ٣/ ٥٦٠، "شرح شاهد الألفية" للعيني ٣/ ٥٦٠، "لسان العرب" (فقد) ٦/ ٣٤٤٤، "مجمع البيان" ٧/ ٢٥.
(٢) في (ص): (والمظروف).

صفحة رقم 426

أن الظروف تقع مواقع لا يقعها غيرها (١).
ومما جاء مثل هذا في التنزيل قوله تعالى: ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ﴾ [غافر: ١٠]، فالظرف الذي هو (إذ) يتعلق بالمقت الأول؛ لأن المعنى: لمقت الله إياكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم الآن، فقوله: ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ﴾ يتعلق بالمقت الأول، وقد وقع بعد الاختلاف عنه بقوله أكبر من مقتكم الآن، وهذا يحمل على أحد الوجهين الذين ذكرناهما من تقدير الحذف، كأنه قيل: مقتكم إذ تدعون، أو على أنه ظرف يتجوز فيه.
قال أبو علي الفارسي: (ولم نعلم في التنزيل مجيء (٢) شيء من هذا إلا في الظرف) (٣). ويجوز أن يكون الموعد في هذه الآية اسمًا لزمان الوعد، كقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: ٥٩]، فيكون مجيء الموعد اسمًا للزمان، كقولهم: كان هذا مقدم الحاج، ومبعث الجيوش، ومضرب الشُّوْل (٤) أي: وقت قدومهم ووقت بعثهم، ووقت

(١) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٦.
(٢) في نسخة (س): (جيء).
(٣) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٦.
(٤) الشُّوْل من النوق: التي قد أتى عليها سبعة أشهر من يوم نتاجها، فلم يبق في ضروعها إلا شَول من اللبن، أي: بقية وأما الناقة الشائل بغير هاء: فهي التي ضربها الفحل فشالت بذنبها، أي: رفعته تري الفحل أنها لا قح، وذلك آية لقاحها.
انظر: "تهذيب اللغة" (شال) ٢/ ١٨١١، "مقاييس اللغة" (شول) ٣/ ٢٣٠، "القاموس المحيط" (شالت) (١٠٢١)، "الصحاح" (شول) ٥/ ١٧٤٢، "لسان العرب" (شول) ٤/ ٢٣٦٣.

صفحة رقم 427

ضربها، وأنشد أبو الحسن (١):
كُلَّمَا قُلْتُ: غَدًا مَوعِدنا... غَضِبَتْ هِنْدٌ وَقالَت بَعْدَ غَدْ
والموعد في هذا البيت اسم للزمان، والكلام في انتصاب مكانًا على هذا الوجه يكون كما ذكرنا في الوجه الأول في موعد؛ لأن التقدير: اجعل بيننا وبينك وقت وعد، أو زمان وعد لا نخلفه نحن ولا أنت في مكان سوى. والذي يختاره أبو علي في وجه نصب ﴿مَكَانًا﴾: (أن يكون مفعولًا ثانيًا لجعلت بمنزلة قوله: ﴿جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾ [الحجر: ٩١]، وقوله: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ [الزخرف: ١٩]، في أنه انتصب على أنه مفعول ثان لجعلت) (٢). وعلى هذا يجب أن يكون الموعد اسمًا للمكان، ويجوز أن يكون بدلًا منه. وأما معنى (سوى) قال الزجاج: (﴿مكانا سوى﴾ ويقرأ: سُوى بالضم (٣). ومعناه: مَنْصفًا أي مكانًا يكون النَّصفَ فيما بيننا وبينك، وقد جاء في اللغة سواء ممدود مفتوح بهذا المعنى تقول: هذا مكان سواء، أي متوسط بين المكانين) (٤).
وقال أبو عبيدة: (مكان سُوى وسِوى بضم أوله وبكسر، مثل: طُوى

(١) البيت لعمرو بن أبي ربيعة.
انظر: "ديوانه" ص ٣٢٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٨.
(٢) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٨.
(٣) قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، والكسائي: (مكانا سِوى) بكسر السين. وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة: (مكانا سُوى) بضم السين.
انظر: "السبعة" ص ٤١٨، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٣، "المبسوط في القراءات" ص ٢٤٨، "التبصرة" ٢٥٩.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٠.

صفحة رقم 428

وطِوى وهو المكان المنصف فيما بين القريتين) (١)، وأنشد لموسى بن جابر الحنفي (٢):

وإِنَّ أَبانا كانَ حَلَّ بِبَلدَةٍ سِوى بين قَيْسٍ عَيْلاَنَ والفِزْرِ
فسِوى مثل: بِلى، وقِرى، ومِعى، ورِيي، وقِمع، وضِلع، وقِطع. وسُوى بالضم مثل: ضُحى وسُدى وهُدى ومثل: صُرَد وحُطَم ونحو ذلك. وقال أبو علي: (سِوى فِعَلْ من التسوية، فكأن المعنى: يستوي مسافته على الفريقين فتكون مسافة كل فريق إليه كمسافة الفريق الآخر، وهذا ما يقل في الصفات ومثله: قوم عِدىً، [وأما فُعَلْ فهو في الصفات أكثر من فِعَل نحو: دَليلٍ خُنَعْ] (٣)، ومالٍ لُبَدْ، ورَجلٍ حُطَمٍ) (٤). هذا كلام أهل اللغة في هذا الحرف (٥).
فأما قول المفسرين فقال قتادة: (نصفا) (٦).
(١) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢٠.
(٢) البيت لموسى بن جابر الحنفي.
انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٢٠، "جامع البيان" ١٦/ ١٣٤، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٨، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٤٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٤، "الخزانة" ١/ ١٤٦، "الأغاني" ١٠/ ١٠٧، "لسان العرب" (سوى) ٤/ ٢١٦٣.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من الأصل، ومثبت في بقية النسخ.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٤.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٨١، "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٦٠ ن "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٢٢٤، "تهذيب اللغة" (سوى) ٢/ ١٧٩٥، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٢٧٩.
(٦) "تفسير القرآن" للصنعاني ٢/ ١٦، "جامع البيان" ١٦/ ١٧٦، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٠.

صفحة رقم 429

وقال مقاتل: (عدلا بيننا وبينك) (١). ونحوه قول السدي (٢).
وقال مجاهد: (منصفا بيننا وبينك) (٣).
وقال ابن مسلم: (وسطًا بين القريتين) (٤). وهذه الأقوال بمعنى واحد.
وقال ابن زيد: (مكانًا مستويًا يتبين الناس ما بيننا فيه) (٥). وعلى هذا التسوية من صفة المكان، لا من صفة المسافة إليه، كأنه قيل: مكانًا لا يحجز الناظر إليه من (٦) انخفاض وارتفاع. وقيل (مكانا سوى) أي: تستوي حالنا في الرضا به (٧).
وقال الكلبي: ((سوى) يعني سوى هذا المكان) (٨). يعني الذي كان فرعون فيه وقت خطابه موسى. و (سوى) على هذا القول يكون بمعنى: غير، ويحتاج إلى تقدير محذوف.
وقال عطاء عن ابن عباس: ((مكانا سوى) يريد موضعًا معروفاً) (٩).

(١) "الكشف والبيان" ٣/ ١٩ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٩، "تفسير مقاتل" ص ٣.
(٢) "جامع البيان" ١٦/ ١٧٦، "بحر العلوم" ٢/ ٢٣٦، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٨، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٠.
(٣) "جامع البيان" ١٦/ ١٧٦، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٤٢، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٦، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢١٢.
(٤) "الكشف والبيان" ٣/ ١٩ ب، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٦، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٨، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٩، "زاد المسير" ٥/ ٢٠٥.
(٥) "جامع البيان" ١٦/ ١٧٦، "النكت والعيون" ٣/ ٤٠٨، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢١٢، "الدر المنثور" ٤/ ٥٤٠.
(٦) في (س): (شيء من الخفاء).
(٧) "التفسير الكبير" ٢٢/ ٧٢، "روح المعاني" ١٦/ ٢١٧.
(٨) "الكشف والبيان" ٣/ ١٩ ب، "معالم التنزيل" ٥/ ٢٧٩، "القرطبي" ١١/ ٢١٢.
(٩) ذكرت نحوه كتب التفسير بدون نسبة.
انظر: "ابن كثير" ٣/ ١٧٣، "الفتوحات الإلهية" ٣/ ٩٧، "روح المعاني" ١٦/ ٢١٧.

صفحة رقم 430
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية