آيات من القرآن الكريم

قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ
ﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ

أَيْ لَدَلَالَاتٍ لِذَوِي النُّهَى أَيِ الْعُقُولِ وَالنُّهْيَةُ الْعَقْلُ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: النُّهَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا كَالْهُدَى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا أَمَّا قَوْلُهُ: مِنْها خَلَقْناكُمْ فَاعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا ذَكَرَ مَنَافِعَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ بَيَّنَ أَنَّهَا غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ لِذَاتِهَا بَلْ هِيَ مَطْلُوبَةٌ لِكَوْنِهَا وَسَائِلَ إِلَى مَنَافِعِ الْآخِرَةِ فَقَالَ: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيهِ سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: مِنْها خَلَقْناكُمْ مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَلَقَنَا مِنْ نُطْفَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ. وَالْجَوَابُ: مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمَّا خَلَقَ أَصْلَنَا وَهُوَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ التُّرَابِ عَلَى مَا قَالَ:
كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ [آلِ عِمْرَانَ: ٥٩] لَا جَرَمَ أَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَيْنَا. الثَّانِي: أَنَّ تَوَلُّدَ الْإِنْسَانِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ النُّطْفَةِ وَدَمِ الطَّمْثِ وَهُمَا يَتَوَلَّدَانِ مِنَ الْأَغْذِيَةِ، وَالْغِذَاءُ إِمَّا حَيَوَانِيٌّ أَوْ نَبَاتِيٌّ وَالْحَيَوَانِيُّ يَنْتَهِي إِلَى النَّبَاتِ وَالنَّبَاتُ إِنَّمَا يَحْدُثُ مِنِ امْتِزَاجِ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَنَا مِنْهَا وَذَلِكَ لَا يُنَافِي كَوْنَنَا مَخْلُوقِينَ/ مِنَ النُّطْفَةِ.
وَالثَّالِثُ: ذَكَرْنَا فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ [آلِ عِمْرَانَ: ٦] خَبَرَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّه يَأْمُرُ مَلَكَ الْأَرْحَامِ أَنْ يَكْتُبَ الْأَجَلَ وَالرِّزْقَ وَالْأَرْضَ الَّتِي يُدْفَنُ فِيهَا وَأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ تُرَابِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَيَذَرُهُ عَلَى النُّطْفَةِ ثُمَّ يُدْخِلُهَا فِي الرَّحِمِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ مَخْلُوقًا مِنَ الشَّيْءِ وَظَاهِرُ قَوْلِ الْمُتَكَلِّمِينَ يَأْبَاهُ.
وَالْجَوَابُ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ خَلْقِ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ إِزَالَةَ صِفَةِ الشَّيْءِ الْأَوَّلِ عَنِ الذَّاتِ وَإِحْدَاثَ صِفَةِ الشَّيْءِ الثَّانِي فِيهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ فِيهِ، أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِيها نُعِيدُكُمْ
فَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ الْمُرَادَ الْإِعَادَةُ إِلَى الْقُبُورِ حَتَّى تَكُونَ الْأَرْضُ مَكَانًا وَظَرْفًا لِكُلِّ مَنْ مَاتَ إِلَّا مَنْ رَفَعَهُ اللَّه إِلَى السَّمَاءِ، وَمَنْ هَذَا حَالُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُعَادَ إِلَيْهَا أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ، أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى فَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: وَهُوَ الْأَقْرَبُ: وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ يَوْمَ الْحَشْرِ وَالْبَعْثِ. وَثَانِيهَا: وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تُرَابًا وَطِينًا ثُمَّ نُحْيِيكُمْ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ. وَثَالِثُهَا: الْمُرَادُ عَذَابُ الْقَبْرِ
عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَذَكَرَ عَذَابَ الْقَبْرِ وَمَا يُخَاطَبُ بِهِ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَأَنَّهُ تُرَدُّ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيُرَدُّ إِلَى الْأَرْضِ وَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ عِنْدَ إِعَادَتِهِمْ إِلَى الْأَرْضِ إِنِّي وَعَدْتُهُمْ أَنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى»،
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَدَّدَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مَنَافِعَ الْأَرْضِ وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَهَا لَهُمْ فِرَاشًا وَمِهَادًا يَتَقَلَّبُونَ عَلَيْهَا وَسَوَّى لَهُمْ فِيهَا مَسَالِكَ يَتَرَدَّدُونَ فِيهَا كَيْفَ أَرَادُوا وَأَنْبَتَ فِيهَا أَصْنَافَ النَّبَاتِ الَّتِي مِنْهَا أَقْوَاتُهُمْ وَعَلَفُ دَوَابِّهِمْ وَهِيَ أَصْلُهُمُ الَّذِي مِنْهُ يَتَفَرَّعُونَ ثُمَّ هِيَ كِفَاتُهُمْ إِذَا مَاتُوا، وَمِنْ ثَمَّ
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «بِرُّوا بِالْأَرْضِ فَإِنَّهَا بِكُمْ بَرَّةٌ».
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٥٦ الى ٥٨]
وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يَا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ أَرَى فِرْعَوْنَ الْآيَاتِ كُلَّهَا ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَقْبَلْهَا وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْآيَاتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَرَادَ كُلَّ الْأَدِلَّةِ مَا يَتَّصِلُ بِالتَّوْحِيدِ وَمَا يَتَّصِلُ بِالنُّبُوَّةِ، أَمَّا التَّوْحِيدُ فَمَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه: ٥٠] وَقَوْلُهُ: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً [طَهَ: ٥٣] / الْآيَةَ، وَمَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ؟ قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الشعراء: ٢٣، ٢٤]

صفحة رقم 62
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية