آيات من القرآن الكريم

وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي
ﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﰉﰊﰋﰌ ﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖ

الآتية «فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ» الذي لحقك بسبب قتله، وآمنّاك من القصاص «وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً» في الوقوع من محنة إلى أخرى، لأنك ولدت في السنة التي يذبح بها فرعون المواليد، ثم ألقيت في البحر تخلصا من القتل، ثم التقطك عدوك الذي قتل الألوف ليحظى بقتلك، ثم حرمنا عليك المراضع حتى أحضرنا لك أمك فربتك في بيت عدوك، ثم لطمت فرعون وأخذت بلحيته حتى هم بقتلك، فنجيناك بما ألهمنا آسية زوجته، ثم قتلت القبطي انتصارا لرجل من قومك، ثم هاجرت إلى مدين خوفا من فرعون وآله «فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ» اسم لجد القبيلة، سميت باسمه وهي واقعة على بحر القلزم محاذية لمدينة تبوك الواقعة بين الشام والمدينة على بعد ست مراحل منها، وقيل هي في كورة مصر أو بين دمشق وفلسطين، وقد شدّدنا هذا التشديد، وامتحناك
هذا الامتحان، وغفرنا لك ما وقع منك في الدنيا، وسنثيبك الثواب العظيم في الآخرة ولتعلم بأنا منجوك وناصروك من جميع محن الدنيا، وهذا من نعمتنا الجزيلة عليك تمهيدا للنعمة الكبرى التي هي الرسالة المؤيدة بالآيات العظام والتي يؤول أمرها إلى دار السلام، فنزلت عند نبيّنا شعيب، فزوجك ابنته وأكرم مثواك «ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى» ٤٠ وهو بلوغك رشدك وأشدك وهو سن الأربعين المقدر في علمنا تتويجك فيه بالرسالة، وكان مكثك عنده ورعيك لأغنامه وتزويج ابنته انتظارا لهذا الوقت والموعد والمكان الذي خصّصته لك لتلقّيها
«وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي» ٤١ خاصة فقد اخترتك لتنفيذ أمرى، وأهلتك لتلقي وحيي، وجعلتك قائما بحجتي.
مطلب لا صحة لما ورد من أن الله لم ينبىء نبيا إلا بعد الأربعين:
قالوا كان عمره عليه السلام حين هاجر اثنتي عشرة سنة، وبقي راعيا عند شعيب عشر سنين ثم تزوج بنته في هذه السن، وبقي بعد زواجه ثماني عشرة سنة، ثم أخذها وسافر إلى مصر بعد إكمال الأربعين، وهي السن التي يتمكن معها أمثاله من تحمل خطاب الله تعالى، عدا يوسف عليه السلام فإنه نبىء في البير لثماني عشرة سنة من عمره، كما جاء في الآية ٢٢ من سورته في ج ٢ ويحيى في السابعة من عمره سمي نبيّا

صفحة رقم 200

في الآية ١٢ من سورة مريم المارة، وعيسى نبيّء في المهد كما تشير إليه الآية ٣٠ من سورة مريم أيضا، فيكون عمره والله أعلم إذ ذاك أربعين يوما، أي حين مغادرتها بيت لحم محل ولادته، ولهذا فإن ما ورد في الحديث بأن الله تعالى لم ينبىء نبيا أو يرسل رسولا إلا بعد الأربعين سنة من عمره لا صحة له لمخالفته نص القرآن كما هو مبين في الآيات المشار إليها، قال تعالى بعد أن أجاب طلبه وعدد نعمه عليه «اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ» إلى فرعون وقومه (بآياتي) التي أظهرتها لك والتي سنظهرها بعد علامة على رسالتك «وَلا تَنِيا» تقصّرا أو تفترا أو تنأخرا «فِي ذِكْرِي» ٤٢ بل داوما عليه حال دعوتكما له ومجداني بما يليق بجلالي واذكرا عظمتي» وعزتي وكبريائي وصفاتي الجليلة واسمائي الحسنى وأفعالي الجميلة عند تبليغ الرسالة فرعون لكما عليها وهذا ملاك ذكر الله «اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى» ٤٣ على عبادي وتجبر عليّ ولكن عند ما تكلمانه تقدما اليه بالنصح وتلطفا به وتعطفا عليه «فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً» من غير تعسف ولا عنف وقد أجدر بالقبول من جهة، ومن اخرى جزاء حق تربيته لأحدكما وإكراما لمقامه بين قومه، وفائدة أخرى وهي «لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ» في وعظكما ويتأمل معناه عله يذعن للحق الذي أمرتماه به «أَوْ يَخْشى» ٤٤ عاقبة الأمر فيسلم لكما على رغبة فيما يراه ورهبة مما يتوقعه، وإنما ذكر الله رسوله بهذا وأمرهما بالتراخي وعدم الغلظة دفعا للحجة وتقديما للمعذرة، وإلا فهو عالم أنه لا تنفعه الذكرى لأن إرسال الرسل الى من يعلم أنهم لا يؤمنون لالزام الحجة عليهم، وقطع طرق المعذرة لهم راجع الآية ١٤٤ من الأعراف المارة ولمعناها صلة في الآية ١٣٤ من هذه السورة، هذا، وقرأ رجل عند يحيى بن معاذ (فَقُولا لَهُ) إلخ فبكى وقال إلهي هذا رفقك بمن قال أنا الإله، فكيف رفقك بمن يقول أنت الإله «قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا» فلا يقبل منا ويعجل عقوبتنا قبل إتمام الدعوة إليه لأن الفرط هو ما يتقدم الشيء «أَوْ أَنْ يَطْغى» ٤٥ علينا فيتجاوز الحد ويقول في شأنك مالا ينبغي أن يقال وهو أعظم من التفريط بحقنا والافراط بما يقع منه علينا

صفحة رقم 201
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية