آيات من القرآن الكريم

وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي
ﮖﮗ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ

فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها، بِلِقَائِكَ، وَلا تَحْزَنَ، أَيْ ليذهب عَنْهَا الْحَزَنُ، وَقَتَلْتَ نَفْساً، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ قَتَلَ قِبْطِيًّا كَافِرًا. قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: كَانَ إِذْ ذَاكَ ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ، أَيْ مِنْ غَمِّ الْقَتْلِ وَكَرْبِهِ، وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اخْتَبَرْنَاكَ اخْتِبَارًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: ابْتَلَيْنَاكَ ابْتِلَاءً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَخْلَصْنَاكَ إِخْلَاصًا.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ الْفُتُونَ وُقُوعُهُ فِي مِحْنَةٍ بَعْدَ مِحْنَةٍ خَلَّصَهُ اللَّهُ مِنْهَا، أَوَّلُهَا أَنَّ أُمَّهُ حَمَلَتْهُ فِي السَّنَةِ التي كان فرعون يذبح فيها الْأَطْفَالَ، ثُمَّ إِلْقَاؤُهُ فِي الْبَحْرِ فِي التَّابُوتِ، ثُمَّ مَنْعُهُ الرِّضَاعَ إِلَّا مِنْ ثَدْيِ أُمِّهِ، ثُمَّ أَخْذُهُ بِلِحْيَةِ فِرْعَوْنَ حَتَّى هَمَّ بِقَتْلِهِ، ثُمَّ تَنَاوُلُهُ الْجَمْرَةَ بَدَلَ الدرة، ثم قتله القبطي، ثم خروجه إِلَى مَدْيَنَ خَائِفًا فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُصُّ الْقِصَّةَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَعَلَى هَذَا مَعْنَى فتناك خَلَّصْنَاكَ مِنْ تِلْكَ الْمِحَنِ كَمَا يُفْتَنُ الذَّهَبُ بِالنَّارِ فَيُخَلَّصُ مَنْ كُلِّ خَبَثٍ فِيهِ، وَالْفُتُونُ مَصْدَرٌ، فَلَبِثْتَ
، فَمَكَثْتَ أَيْ فَخَرَجْتَ مِنْ أرض مصر إلى مدين فَلَبِثْتَ، سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ، يعني ترعى الأغنام [لشعيب] [١] عَشْرَ سِنِينَ، وَمَدْيَنُ بَلْدَةُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى ثَمَانِ مَرَاحِلَ مِنْ مِصْرَ، هَرَبَ إِلَيْهَا مُوسَى.
وَقَالَ وَهْبٌ: لَبِثَ عِنْدَ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَمَانِيًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، عشر سنين منها مهر [زوجته صفوراء بِنْتُ] [٢] شُعَيْبٍ، وَثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً أَقَامَ عِنْدَهُ حَتَّى وُلِدَ لَهُ، ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى، قَالَ مُقَاتِلٌ: عَلَى مَوْعِدٍ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَوْعِدُ مَعَ مُوسَى وَإِنَّمَا كَانَ مَوْعِدًا فِي تَقْدِيرِ اللَّهِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ:
جِئْتَ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي قَدَّرْتُ لك أنك تجيء إليّ فيه. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ: عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يُوحَى فِيهِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، أَيْ عَلَى الْمَوْعِدِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ وَقَدَّرَهُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ بِالرِّسَالَةِ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ سَنَةً.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٤١ الى ٤٨]
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (٤٤) قَالَا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى (٤٥)
قالَ لَا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦) فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى (٤٧) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)، أَيِ اخْتَرْتُكَ وَاصْطَفَيْتُكَ لِوَحْيِي وَرِسَالَتِي، يعني لتتصرف عَلَى إِرَادَتِي وَمَحَبَّتِي وَذَلِكَ أَنَّ قِيَامَهُ بِأَدَاءِ الرِّسَالَةِ تَصَرُّفٌ عَلَى إِرَادَةِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ، قَالَ الزَّجَّاجُ:
اخْتَرْتُكَ لِأَمْرِي وَجَعَلْتُكَ الْقَائِمَ بِحُجَّتِي وَالْمُخَاطَبَ بَيْنِي وَبَيْنَ خَلْقِي، كَأَنِّي الَّذِي أَقَمْتُ بِكَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ وَخَاطَبْتُهُمُ.
اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي، بدلالاتي، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الْآيَاتِ التِّسْعَ الَّتِي بَعَثَ بِهَا مُوسَى وَلا تَنِيا، ولا تَضْعُفَا، وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَا تَفْتُرَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: لَا تُقَصِّرَا، فِي ذِكْرِي.
اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٤٣)، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَأَهْلُ الْحِجَازِ: لِنَفْسِي اذْهَبْ، وذِكْرِي اذْهَبا، وإِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا ومِنْ بَعْدِي اسْمُهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ فِيهِنَّ وَوَافَقَهُمْ أَبُو بكر:

(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «ابنته صغير ابنة».

صفحة رقم 262

مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ [١] بِإِسْكَانِهَا.
فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً، يقول دارياه وارفقا بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنه: لا تعنفا في قولكما [له] [٢]، وَقَالَ السُّدِّيُّ وَعِكْرِمَةُ: كَنِّيَاهُ فَقُولَا يَا أَبَا الْعَبَّاسِ، وَقِيلَ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي بالقول اللَّيِّنَ: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩) [النازعات: ١٨- ١٩]، وقيل: أمرهما بِاللَّطَافَةِ فِي الْقَوْلِ لِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ التَّرْبِيَةِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْقَوْلُ اللَّيِّنُ أَنَّ مُوسَى أَتَاهُ وَوَعَدَهُ عَلَى قَبُولِ الْإِيمَانِ شَبَابًا لا يهرم معه وَمُلْكًا لَا يُنْزَعُ مِنْهُ إِلَّا بالموت، ويبقى له لَذَّةُ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَنْكَحِ إِلَى حِينِ مَوْتِهِ، وَإِذَا مَاتَ دَخَلَ الْجَنَّةَ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ وَكَانَ لَا يَقْطَعُ أَمْرًا دُونَ هَامَانَ، وَكَانَ غَائِبًا فَلَمَّا قَدِمَ أَخْبَرَهُ بِالَّذِي دَعَاهُ إِلَيْهِ مُوسَى، وَقَالَ أَرَدْتُ أَنْ أَقْبَلَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ هَامَانُ: كُنْتُ أَرَى أَنَّ لَكَ عَقْلًا وَرَأْيًا أَنْتَ رَبٌّ تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مَرْبُوبًا وَأَنْتَ تُعْبَدُ تريد أن تعبد، فغلبه على رَأْيِهِ، وَكَانَ هَارُونُ يَوْمَئِذٍ بِمِصْرَ، فَأَمْرَ اللَّهُ مُوسَى أَنْ يَأْتِيَ هَارُونَ وَأَوْحَى إِلَى هَارُونَ وَهُوَ بِمِصْرَ أَنْ يَتَلَقَّى مُوسَى فَتَلَقَّاهُ إِلَى [٣] مَرْحَلَةٍ وَأَخْبَرَهُ بِمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ، لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى، أَيْ يَتَّعِظُ وَيَخَافُ فَيُسْلِمُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ وقد سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يَتَذَكَّرُ وَلَا يُسْلِمُ؟ قِيلَ: مَعْنَاهُ اذْهَبَا عَلَى رَجَاءٍ مِنْكُمَا وَطَمَعٍ وَقَضَاءُ اللَّهِ وَرَاءَ أَمْرِكُمَا. وَقَالَ الْحُسَيْنُ [٤] بْنُ الْفَضْلِ: هُوَ يَنْصَرِفُ إِلَى غَيْرِ فِرْعَوْنَ مَجَازُهُ لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ [مُتَذَكِّرٌ] [٥] وَيَخْشَى خَاشٍ إِذَا رَأَى بِرِّي وَأَلْطَافِي بِمَنْ خَلَقْتُهُ وَأَنْعَمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَرَّاقُ: لَعَلَّ مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، وَلَقَدْ تَذَكَّرَ فِرْعَوْنُ وَخَشِيَ حِينَ لَمْ تَنْفَعْهُ الذِّكْرَى وَالْخَشْيَةُ وَذَلِكَ حِينَ أَلْجَمَهُ الْغَرَقُ، قَالَ: آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ يَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ هَذِهِ الآية: فقالا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا، فَبَكَى يَحْيَى، وَقَالَ: إِلَهِي هَذَا رِفْقُكَ [٦] بِمَنْ يَقُولُ أَنَا الْإِلَهُ، فَكَيْفَ رِفْقُكَ بِمَنْ يَقُولُ أَنْتَ الْإِلَهُ؟! قَالَا، يَعْنِي مُوسَى وَهَارُونَ، رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
يَعْجَلُ عَلَيْنَا بِالْقَتْلِ وَالْعُقُوبَةِ، يُقَالُ: فَرَطَ عَلَيْهِ فُلَانٌ إِذَا عَجِلَ بِمَكْرُوهٍ، وَفَرَطَ مِنْهُ أَمْرٌ أَيْ بَدَرَ وَسَبَقَ، أَوْ أَنْ يَطْغى، أَيْ يُجَاوِزُ الْحَدَّ فِي الْإِسَاءَةِ إِلَيْنَا.
قالَ لَا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى (٤٦)، قَالَ ابْنُ عباس: أسمع دعاء كما فَأُجِيبُهُ وَأَرَى مَا يُرَادُ بِكُمَا فَأَمْنَعُهُ لَسْتُ بِغَافِلٍ عَنْكُمَا فَلَا تَهْتَمَّا.
فَأْتِياهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ، أَرْسَلَنَا إِلَيْكَ، فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ، أَيْ خَلِّ عَنْهُمْ وأطلقهم عن [٧] أَعْمَالِكَ، وَلا تُعَذِّبْهُمْ لَا تُتْعِبْهُمْ فِي الْعَمَلِ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ، قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ، قَالَ فِرْعَوْنُ: وَمَا هِيَ فَأَخْرَجَ يَدَهُ لَهَا شُعَاعٌ كَشُعَاعِ الشَّمْسِ، وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى، لَيْسَ الْمُرَادُ منه التحية إنما معناه يسلم مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَنْ أَسْلَمَ.
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى، أي إِنَّمَا يُعَذِّبُ اللَّهُ مَنْ كَذَّبَ بِمَا جِئْنَا بِهِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ.

(١) في المخطوط «الآخرون».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «من».
(٤) في المخطوط «الحسن».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «برك».
(٧) في المطبوع «من».

صفحة رقم 263
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي -بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية