
فقلنا: اضربوه ببعضها فضربوه فأحياه الله وأخبر عن القتلة كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
يوم القيامة فيأخذ كلّ جزاء عمله، وكذلك يريكم الله آياته الواضحة الدالة على صدق القرآن والنبي حيث يخبر بالمغيبات كي تعقلوا فتؤمنوا بالنبي وتصدقوا بالقرآن.
يريد الله أن يسجل عليهم ذنبين:
الأول: وقوفهم موقف المستهزئ المعاند المجادل المتشدد المنكر الحق الصريح، وجزاءه على كل هذا لعلهم يتعظون.
الثاني: قتل النفس البريئة والإنكار، وإنما أخره لأن الأول ديدنهم وطبيعتهم التي لا يتخلفون عنها.
وفي القصة عبرة للمتشددين وتسلية للنبي صلّى الله عليه وسلّم وتسجيل على اليهود بعض قبائحهم وخاصة قلبهم للحقائق.
قسوة قلوبهم واستبعاد الإيمان منهم [سورة البقرة (٢) : الآيات ٧٤ الى ٧٨]
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤) أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٧) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨)

المفردات:
يَتَفَجَّرُ: يخرج بكثرة. يَشَّقَّقُ: ينفتح شقوقا بالطول أو العرض.
خَشْيَةِ اللَّهِ: انقيادا لله وحده. يُحَرِّفُونَهُ: يغيرونه. عَقَلُوهُ: فهموه وعرفوه. لِيُحَاجُّوكُمْ: ليجادلوكم ويخاصموكم. أُمِّيُّونَ: عوام أَمانِيَّ: أكاذيب لا تستند إلى دليل عقلي أو نقلي.
المعنى:
من بعد ذكر ما يلين القلوب الجامدة من المواعظ والآيات والحجج البينات قست قلوبكم قسوة قاسية، فهي كالحجارة أو أشد قسوة منها، إذ قلوبكم لم تتأثر بالآيات، فكأنها خرجت عن دائرة الحيوان إلى دائرة الجماد، بل نزلت عن درجة الجماد أيضا، فها هي ذي الحجارة تتأثر بالماء تارة فيتفجر منها بكثرة فيتكون النهر، وتارة تتشقق شقوقا يخرج منها الماء ولو بسيطا، والحجارة قد تأثرت بالمؤثرات الخارجية فتسقط منقادة لله وحده، وقلوبكم لم تتأثر بالمؤثرات والمواعظ فكانت أقسى من الحجارة، بل أشد قسوة منها، وما الله بغافل أبدا سيجازيكم عليه أوفى جزاء، وانظر إلى قوله تعالى:
ثُمَّ قَسَتْ فإن لفظ ثم في الأساليب العربية يفيد الترتيب ولكن مع التراخي والتباعد بين ما قبلها وما بعدها فكأن قسوة قلوب هؤلاء مرتبة أوغلت في البعد عن الوضع السليم.
هذا خطاب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وسط الخطاب الموجه إلى اليهود إذ الكلام كله في بيان سوءاتهم.