آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ

فارجعوا. إِلى بارِئِكُمْ أي خالقكم، وكان أبو عمرو يختلس الهمزة الى الجزم في قوله:
بارِئِكُمْ و (يَأْمُرُكُمْ) ويَنْصُرْكُمُ طلبا للخفة «١» كقول امرؤ القيس:

فاليوم أشرب غير مستحقب إثما من الله ولا واغل «٢»
وأنشد:
وإذا اعوججن قلت صاحب قوّم بالدوّ أمثال السفين العوم «٣»
قال: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ليقتل البريء المجرم. ذلِكُمْ القتل. خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ قال ابن جرير: فأبى الله عزّ وجلّ أن يقبل توبة بني إسرائيل إلّا بالحال التي كرهوا أن يقاتلوهم حين عبدوا العجل.
وقال قتادة: [جعل عقوبة] عبدة العجل القتل لأنّهم ارتدّوا، والكفر يبيح الدّم.
وقرأ قتادة: (فأقيلوا أنفسكم) من الإقالة أي استقيلوا العثرة بالتوبة، فلما أهمّ موسى بالقتل قالوا: نصير لأمر الله تعالى فجلسوا بالأفنية مختبئين وأصلت القوم عليهم الخناجر وكان الرّجل يرى ابنه وأباه وعمّه وقومه وصديقه وجاره فلم يمكنهم المضي لأمر الله وقالوا: يا موسى كيف نفعل؟ فأرسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا وقيل لهم من حلّ حبوته أو مدّ طرفه الى قاتله أو اتّقى بيد أو رجل فهو طعون مردود توبته، فكانوا يقتلونهم الى المساء، فلمّا كثر فيهم القتل دعا هارون وموسى وبكيا وجزعا وتضرّعا وقالا: يا ربّ هلكت بنو إسرائيل البقيّة البقيّة، فكشف الله عزّ وجلّ السحاب وأمرهم أن يرفعوا السلاح عنهم ويكفّوا عن القتل.
فتكشّفت عن ألوف من القتلى، فاشتدّ ذلك على موسى، فأوحى الله إليه: أما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول الجنّة، وكان من قتل منهم شهيدا ومن بقي منهم نكفّر عنه ذنوبه، فذلك قوله: فَتابَ عَلَيْكُمْ يعني ففعلتم بأمره فتاب عليكم وتجاوز عنكم.
إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٥٥ الى ٥٩]
وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩)
(١) أي باختلاس الحركة، وروي عنه السكون وقرأ الباقون بغير اختلاس.
(٢) لسان العرب: ١٠/ ٤٢٦.
(٣) شرح شافية ابن الحاجب: ٤/ ٢٢٥، ولسان العرب: ١٢/ ٤٣٢.

صفحة رقم 198

وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً الآية، وذلك أنّ الله أمر موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه من عبادة العجل، فاختار سبعين رجلا من خيارهم، وقال لهم: صوموا وتطهّروا وطهّروا ثيابكم، ففعلوا ذلك، فخرج بهم موسى الى طور سيناء لميقات ربّه، فلمّا وصل ذلك الموضع قالوا: اطلب لنا نسمع كلام ربّنا، فقال: أفعل، فلمّا دنا موسى من الجبل وقع عليه عمود الغمام وتغشّى الجبل كلّه فدخل في الغمام وقال القوم: ادنوا، وكان موسى إذا كلّمه ربّه وقع على وجهه نور ساطع لا يستطيع أحد من بني إسرائيل أن ينظر إليه، فضرب دونه بالحجاب ودنا القوم حتى دخلوا في الغمام وخرّوا سجّدا، وسمعوه وهو يكلّم موسى يأمره وينهاه، وأسمعهم الله تعالى: إنّي أنا الله لا اله إلّا أنا ذو بكة أخرجتكم من أرض مصر فاعبدوني ولا تعبدوا غيري.
فلمّا فرغ موسى وانكشف الغمام أقبل إليهم، فقالوا له: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وهي نار جاءت من السماء فأحرقتهم جميعا.
وقال وهب: أرسل الله عزّ وجلّ عليهم جندا من السماء فلما سمعوا بحسّها ماتوا يوما وليلة. والصاعقة: المهلكة، فذلك قوله: وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لن نصدّقك حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً «١».
قرأه العامّة بجزم الهاء، وقرأ ابن عباس: (جَهَرَةً) بفتح الهاء وهما لغتان مثل زهره وزهره.
جَهْرَةً أي معاينة بلا ساتر بيننا وبينه، وأصل الجهر من الكشف.
قال الشاعر:

يجهر أجواف المياه السّدم «٢» [وانتحابها على الحان]
فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ
قرأ عمر وعثمان وعلي (رضي الله عنهم) :(الصعقة) بغير ألف،
وقرأ الباقون (الصَّاعِقَةُ) بالألف وهما لغتان.
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ وذلك أنهم لما هلكوا جعل [موسى] «٣» يبكي
(١) بتفاوت في قصص الأنبياء لابن كثير: ٢/ ١٢٦.
(٢) سيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم- ابن هشام الحميري-: ٢/ ٣٧٧، والسدم: الندم.
(٣) سقطت في أصل المخطوط والظاهر ما أثبتناه. [.....]

صفحة رقم 199

ويتضرّع ويقول: يا ربّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم ولَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ، ويا ربّي أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا «١» فلم يزل يناشد ربّه حتى أحياهم الله تعالى جميعا رجلا بعد رجل ينظر بعضهم الى بعض كيف يحيون، فذلك قوله تعالى:
ثُمَّ بَعَثْناكُمْ أحييناكم مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لتستوفوا بقيّة آجالكم وأرزاقكم، وأصل البعث: إثارة الشيء من [مكمنه].
يقال: بعثت البعير، وبعثت النائم فانبعث.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ في التيه تقيكم حرّ الشمس، وذلك أنّهم كانوا في التّيه ولم يكن لهم كنّ يسترهم فشكوا ذلك الى موسى، فأنزل الله عليهم غماما أبيضا رقيقا وليس بغمام المطر بل أرقّ وأطيب وأبرد- والغمام: ما يغمّ الشيء أي يستره- وأظلّهم فقالوا: هذا الظّل قد جعل لنا فأين الطعام، فأنزل الله عليهم المنّ.
واختلفوا فيه، فقال مجاهد: وهو شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار وطعمه كالشهد.
الضحّاك «٢» : هو الطرنجبين «٣».
وقال وهب: الخبز الرّقاق. السدي: عسل كان يقع على الشجر من الليل فيأكلون منه.
عكرمة: شيء أنزله الله عليهم مثل الزّيت الغليظ، ويقال: هو الزنجبيل.
وقال الزجاج: جملة المنّ ما يمنّ الله مما لا تعب فيه ولا نصب.
وروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الكمأة من المنّ وماؤها شفاء للعين» «٤» [٨٦].
وكان ينزل عليهم هذا المنّ كل ليلة تقع على أشجارهم مثل الملح، لكلّ إنسان منهم صاع كل ليلة قالوا يا موسى: مللنا هذا المنّ بحلاوته، فادع لنا ربّك أن يطعمنا اللحم، فدعا عليه السلام، فأنزل الله عليهم السلوى.
واختلفوا فيه، فقال ابن عباس وأكثر المفسرين: هو طائر يشبه السّماني.
أبو العالية ومقاتل: هو طير أحمر، بعث الله سحابة فمطرت ذلك الطير في عرض ميل وقدر طول رمح في السماء بعضه على بعض.

(١) سورة الأعراف: ١٥٥.
(٢) نسبه في زاد المسير (١/ ٧١) : الى ابن عباس ومقاتل، وذكر بقية الأقوال.
(٣) ويصح بالتاء (الترنجبين) راجع لسان العرب: ١٠/ ٩٦، وهو طل ينزل من الهواء ويجتمع على أطراف الشجر في بعض البلدان، وقيل: هو ندى شبيه العسل جامد متحبب ينزل من السماء، وقيل: يشبه الكمأة.
أقول: ولعله ما يجنيه النحل من الشجر وهو ما يسمى ب (غبار الطلع) إلى صغارها على شكل حبوب صغيرة بأرجلها، وهو غير العسل وغير الهلام الملكي.
(٤) مسند أحمد: ١/ ١٨٧.

صفحة رقم 200

عكرمة: طير يكون بالهند أكبر من عصفور، المؤرّخ: هو [المعسل] بلغه كنانه.
وقال شاعرهم:

وقاسمها بالله حقّا لأنتم ألذّ من السلوى إذا ما نشورها «١»
وكان يرسل عليهم المنّ والسلوى، فيأخذ كل واحد منه ما يكفيه يوما وليلة، وإذا كان يوم الجمعة أخذ ما يكفيه ليومين لأنّه لم يكن ينزل إليهم يوم السبت، فذلك قوله: وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا أي وقلنا لهم كلوا.
مِنْ طَيِّباتِ حلالات. ما رَزَقْناكُمْ ولا تدّخروا لغد فخبأوا لغد فقطع الله عزّ وجلّ ذلك عنهم ودوّد وفسد ما ادّخروا، فذلك قوله عزّ وجلّ وَما ظَلَمُونا ضرّونا بالمعصية.
وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ يصرّون باستيجابهم عذابي وقطع مادة الرزق الذي كان ينزّل عليهم بلا كلفة ولا مؤونة، ولا مشقّة في الدنيا، ولا تبعه ولا حساب في العقبى.
خلاس بن عمرو عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لولا بني إسرائيل لم يخنز الطعام ولم يخبث اللّحم، ولولا حوّاء لم تخن أنثى زوجها» «٢» [٨٧].
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ ابن عباس: هي أريحا وهي قرية الجبّارين، وكان فيها قوم من بقية عاد يقال لهم العمالقة ورأسهم عوج بن عناق، وقيل: هي بلقا.
وقال ابن كيسان: هي الشام.
الضّحاك: هي الرّملة والأردن وفلسطين وتدمر.
مجاهد: بيت المقدس. مقاتل: إيليا.
فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً موسعا عليكم.
وَادْخُلُوا الْبابَ يعني بابا من أبواب القرية وكان لها سبعة أبواب.
سُجَّداً منحنين متواضعين وأصل السجود الخضوع.
قال الشاعر:
بجمع يضل البلق في حجراته ترى الأكم فيه سجّدا للحوافر «٣»
وقال وهب: قيل لهم ادخلوا الباب، فإذا دخلتموه فاسجدوا شكرا لله عزّ وجلّ، وذلك
(١) كتاب العين: ٧/ ٢٩٨.
(٢) صحيح ابن حبان: ٩/ ٤٧٧.
(٣) جامع البيان للطبري: ١/ ٤٢٧.

صفحة رقم 201
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية