
وجل - أنه خلقه من مارج من نار.
وقيل: المارجُ هو لهبُها مع ما ليس في القرآن، ولا في الخبر أَنهم إنما خلقوا من النور، ولم يخلقوا من غيره.
ثم اختلف في إِبليس: إنه لم كفر باللَّه؟ قيل: إنَه كفر لما لم ير الأَمرَ بسجود من فوقه لمن هو دونه حكمة.
وقيل: كفر لما رأَي أن اللَّه تعالى وضع الأَمر في غير موضع الأَمر، ورآه جورًا؛ فكفر وقيل: كفر لما أَبى الائتمار بالسجود واستكبر فكفر.
وقيل: كفر لما أضمر إضلال الخلق.
وقيل: أَبى الطاعة فيما أُمر به، واستكبر على آدم؛ لما رأَي لنفسه فضلًا عليه بقوله: (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).
وقوله: (وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ).
أي صار كقوله: (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً).
وكقوله: (فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) أي: صار.
وقيل: كان في علم اللَّه تعالى أنه سيكفر.
وقوله: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (٣٥)
قد ذكرنا فيما تقدم أَن الجَنة هي اسم البقعة التي حُفت بالأَشجار والغُروس وأنواع النبات.
دليله: قوله: (وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ).
وذلك أيضًا ظاهرٌ معروفٌ عند الناس؛ ألا تُسمى كل بقعة من الأرض بستانا، ولا جنة حتى يجتمع فيها ما ذكرنا.
ثم لا يُدْرَى ما تلك الجنة التي أمر آدمُ وحواء بالكَون، والمُقام فيها: أهي التي وُعد المتقون، أَو جنة من جنات الدنيا؛ إذ ليس في الآية بيان ذلك.
وفي الآية دلالة أن الشرط في الذكر قد يُضْمر، ويكون شرطًا بلا ذكر؛ لأنه قال: (أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى) ثم قد جاع وعَرِيَ حين عصى، فدل أَن ترك المعصية كان

شرطًا فيه.
ثم مضى الأَمر من اللَّه تعالى لآدم وزوجته بالسُّكنى في الجنة، والمُقام فيها، وأَمْرهما بالتناول من جميع ما فيها إلا شجرة نُهِيا عن التناول منها، وأُمِرَا بالاجتناب عنها بقوله: (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ) وذي صورةُ الممتحن أَن يُؤمر بشيء ويُنْهَى عن شيء.
وقوله: (وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ).
قوله: (رَغَدًا) أَي: سعَةً؛ يقال: أَرْغَد فلانٌ إذَا وشع عليه، وكثر مالهُ.
وقوله: (وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ).
أَي: لا تأْكلا.
دليله قوله: (وَكُلَا مِنْهَا)؛ ولأَنه بالقُربان ما يوصل إلى التناول. واللغةُ لا تَأْبى تسمية الشيء باسم سببه.
ثم اختُلف في تلك الشجرة:
فقَالَ بَعْضُهُمْ: هي شجرة العنب، ولذلك جعل للشيطان فيها حظًا لما عصيا ربهما بها.
وقيل: إنها كانت شجرة الحنطة؛ ولذلك جعل غذاءُ آدم وحواءَ - عليهما السلام - وغذاءُ أَولادهما منها إلى يوم القيامة ليُقاسوا جزاءَ العصيان والخلاف له.
وقيل: إنها شجرة العلم؛ لما علما من ظهور عورتهما، ولم يكونا يعلمان قبل ذلك، وهو قوله: (بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا)، واللَّه أعلم.
والقولُ في ماهيتها لا يجوز إلا من طريق الوحي. ولا وحي في تلاوتها. ولا يجوز القطعُ على شيء من ذلك.
ثم احتَمَل معنى النهي عن التناول منها وجوها:
أَحدها: إيثار الآخر عليه.
وقد يكون هذا أَن ينهى الرجل عن التناول من شيء إيثارًا لآخر عليه.
- ويحتمل: النهي عن التناول من الشيء لداء يكون فيه لما يخاف الضرر به، لا على