
وقوله: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ... (٣١)
فكان عَرَضَهُمْ «١» على مذهب شخوص العالمين «٢» وسائر العالم، ولو قُصِد قَصْد الأسماء بلا شخوص جاز فيه «عرضهنّ» و «عرضها». وهي في حرفِ عبد الله «ثم عرضهن» وفي حرف أبي «ثم عرضها»، فإذا قلت «عرضها» جاز أن تكون للأسماء دون الشخوص وللشخوص دون الأسماء.
وقوله: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ... (٣٣)
إن همزت قلت أَنْبِئْهُمْ ولم يجز كسر الهاء والميم لأنها همزة وليست بياء فتصير مثل «عليهم». وإن ألقيت الهمزة فأثبت الياء أو لم تثبتها جاز رفعُ «هُمْ» وكسرها على ما وصفت لك في «عليهم» و «عليهم».
وقوله: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا... (٣٥)
إن شئت جعلت فَتَكُونا جوابا نصبا، وإن شِئتَ عطفتَه على أول الكلام فكان جزْما مثل قول امرئ القيس:
فقلتُ له صَوِّبْ ولا تجهدنه... فيذرك من أخرى القطاة فتزلق «٣»
(٢) فى أ: «الآدميين».
(٣) من قصيدته التي أولها:
ألا أنعم صباحا أيها الربع وانطق وحدّث حديث الركب إن شئت واصدق
والضمير فى «له» يعود للغلام المذكور فى بيت قبله. وانظر ديوان امرئ القيس برواية الطوسي المخطوط بالدار. ووقع فى سيبويه ١/ ٤٥٢ نسبته الى عمرو بن عمار الطائي. ويقال: صوب الفرس أرسله فى الجري. وجهد دابته «كمنع» وأجهدها: بلغ جهدها وحمل عليها فى السير فوق طاقتها.
وأذرت الدابة راكبها: صرعته، وطعنه فأذراه عن فرسه أي صرعه. والقطاة: العجز أو ما بين الوركين، أو مقعد الرديف من الدابة خلف الفارس. وزلق كفرح ونصر: زل وسقط. ويروى الشطر الثاني:
فيذرك من أعلى القطاة فتزلق

فجزم. ومعنى الجزم كأنه تكرير النهى، كقول القائل: لا تذهب ولا تعرض لأحد. ومعنى الجواب والنصب لا تفعل هذا فيُفعلَ بك مجازاةً، فلما عُطف حرفُ على غير ما يشاكله وكان في أوله حادثٌ لا يصلح في الثاني نُصِبَ. ومثله قوله: «وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي» «١» و «لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ» «٢» و «فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ» «٣». وما كان من نفي ففيه ما في هذا، ولا يجوز الرفع في واحد من الوجهين إلا أن تريد الاستئناف بخلاف المعنيين كقولك للرجل: لا تركب إلى فلان فيركبُ إليك تريد لا تركب إليه فإنه سيركب إليك، فهذا مخالف للمعنيين لأنه استئناف، وقد قال الشاعر:
أَلَمْ تَسْألِ الَّرْبعَ الْقَدِيمَ فَيَنْطِقُ | وَهَلْ تُخْبِرَنْكَ الْيَوْمَ بَيْدَاءَ سَمْلَقُ «٤» |
قِفْ بِالدِّيَارِ التي لَمْ يَعْفُها الْقِدَمُ | بَلَى وغَيَّرها الأرْواحُ والدِّيَمُ |
(٢) آية ٦١ سورة طه.
(٣) آية ١٢٩ سورة النساء.
(٤) البيت مطلع قصيدة لجميل بن معمر العذرى، ويروى صدره:
ألم تسأل الربع القواء فينطق والقواء: القفر الذي لا ينبت. والبيداء: القفر الذي يبيد من سلكه أي يهلكه. والسملق: الأرض التي لا تنبت شيئا أو السهلة المستوية الخالية. وانظر الخزانة ٣/ ٦٠١
(٥) آية ٥٢ سورة الأنعام.