
التي ذكرها، من قصة الذي يمر على قرية، وقصة إبراهيم، ﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾، أي: العلامات والدلالات التي تحتاجون إليها في أمر توحيده.
٢٦٧ - وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ يعنى: الجيادَ (١) الخِيارَ (٢)، وقيل: يعنى: الحلالاتِ (٣) مما كسبه الإنسان بالتجارة والصناعة من الذهب والفضة.
﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ يعنى: الحبوب مما يجب فيه الزكاة.
﴿وَلَا تَيَمَّمُوا﴾ التَّيَمُّم: القَصْد والتَّعَمُّد، يقال: أمَمْتُه وتَيَمَّمْتُه وَتَأمَّمْتُه ويَمَّمْتُهُ، كله بمعنى: قصدته، قال الأعشى:
تَيَمَّمْتُ قَيْسًا وكَمْ دُونَه | من الأرضِ من مَهْمَهٍ ذي شَزَن (٤) |
رَمَى بصُدُورِ العِيسِ مُنْخَرقَ الصَّبا | فلم يَدْرِ شَخْصٌ بعدها أين يَمَّمَا (٥) |
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٩٨.
(٣) روي عن ابن مسعود ومجاهد. ينظر "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٩٨، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٩.
(٤) البيت في "ديوانه" ص٢٠٧، "تفسير الطبري" ٣/ ٨٢، "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦١٩، "اللسان" ١/ ١٣٢ (مادة: أمم) من قصيدة يمدح بها قيس بن معدي كرب، ومعنى: ذي شزن: غليظ، يصفُ وُعُورَةَ الطريق الذي يسلكه ليصل منه إلى ممدوحه، انظر: "زاد المسير" ١/ ٣٢٢. وضبطت (شَزَن) بالفتح على الشين والزاي في "تهذيب اللغة" "اللسان" وبضمها في نسخة (أ).
(٥) أورده صاحب (ديوان الحماسة) ١/ ٤٠٤ دون أن ينسبه.

يَمَّمْتُه الرُّمْحَ شَزْرًا ثم قلتُ له | هَذِي المروة لا لعب الزحاليق (١) (٢) |
قال أبو علي: والإدغام في هذا ينبغي أن لا يجوز؛ لأن المدغم يسكن، وإذا سكن لزم أن تجلب همزة الوصل عند الابتداء به، كما جلبت في أمثلة الماضي، نحو: ادّارأتم، وازينت، واطّيّر، وهمزة الوصل لا تدخل على المضارع، ألا ترى أن من قال في يترّس: اترس، لا يقول في المضارع: اتّرسون، بمعنى: تتترسون، ولا ايفكرون، في تتفكرون (٤)، وهذا يلزم أن يقوله من قال: ولا تيمّموا مشدّدة التاء، وفي ﴿يَمِينِكَ تَلْقَفْ﴾ [طه: ٦٩] ولا تدخل همزة الوصل على المضارع، قال أبو علي: وسألت أحمد بن موسى: كيف يبتدئ من أدغم؟ فقال كلامًا معناه: إنه يصير إذا ابتدأ إلى قول من خَفّف ويدعُ الإدغام.
وأما التاء المحذوفة على قراءة العامة فقال هشام: هي الأولى من التائين، والفراء يقول: أيهما شئت أسقطت لنيابة الباقية عنها، وسيبويه لا يسقط إلا الثانية.
(٢) ينظر في أمم: "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٧، "المفردات" ص ٣٢ - ٣٣، "اللسان" ١/ ١٣٢.
(٣) ينظر "المبسوط في القراءات العشر" ص ١٣٥،"حجة القراءات" لابن زنجلة ص١٤٦، "النشر في القراءات العشر" ٢/ ٢٣٢.
(٤) في (م): (يتفكرون).

قال ابن عباس جاء رجل ذات يوم بعذق حَشَف فوضعه في الصدقة فقال رسول الله - ﷺ -: "ما صنع صاحب هذا" فأنزل الله هذه الآية (١).
وقال علي بن أبي طالب (٢).
والحسن (٣) ومجاهد (٤): كانوا يتصدقون بشرار في ثمارهم ورُذَالة أموالهم، فأنزل الله هذه الآية (٥) ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ﴾.
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٨٤ بمعناه، وذكره في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٢٣، "النكت والعيون" ١/ ٣٤٣.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٨٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٢٣، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٣٣.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٨٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٢٣، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٣٣، وعزاه السيوطي في "الدر" ١/ ٦١١ إلى سفيان بن عيينة والفريابي، وعزاه الحافظ في "العجاب" ١/ ٦٢٦ إلى عبد بن حميد.
(٥) من قوله: (وقال علي). ساقط من (ي).

يعني: الرديء من أموالكم (١).
وقوله تعالى: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ قال الفراء: (أن) هاهنا في مذهب جزاء، يدلك عليه: أن المعنى: إن أغمضتم بعض الإغماض أخذتموه، وإنما فتحتها لأن إلا وقعت عليها، وهي في موضعِ خفضٍ، وإذا رأيت (أن) في الجزاء قد أصابها معنى خفض أو نصب أو رفع، انفتحت فهذا من ذلك، والمعنى، والله أعلم: ولستم بآخذيه إلا على الإغماض، أو بإغماض، وعن إغماض. قال: ومثله: قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا﴾ [البقرة: ٢٢٩] ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ [البقرة: ٢٣٧] (٢).
وأنكر المبرد ذلك، وقال: (أن) إذا كانت مع الفعل بمعنى المصدر كانت مفتوحة أبدًا على كل حال، وذلك نحو: أن تأتينى خير لك. والمعنى في الآية: ولستم بآخذيه إلا بإغماضكم فيه (٣).
والإغْمَاضُ في اللغة: غَضُّ البصر (٤)، وإطباق جَفْنٍ على جَفْنٍ، قال رؤْبة:
أَرَّقَ عَيْنِي عن الإِغْمَاضِ | بَرْقٌ سَرَى في عَارِضٍ نهّاض (٥) |
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٨ بمعناه.
(٣) نقله عنه في "البحر المحيط" ٢/ ٣١٨.
(٤) في (ي): (الطرف).
(٥) البيت في "ديوانه" ص ٨١، وكذا في "تفسير الثعلبي" ١/ ١٦٢٥، وفي "اللسان" ٦/ ٣٢٩٩ (مادة: غمض)، وروايته: أرَّق عينيك عن الغماض.
(٦) في (ش) و (ي): (والتغميض).

المتطامن الخفي من الأرض (١).
والمراد بالإغماض في الآية: التجويزُ والمساهلة، وذلك أن الإنسان إذا رأى ما يكره أَغْمَضَ عينه لئلا يرى ذلك، ثم كثر ذلك حتى جُعِلَ كلُّ تجاوز ومساهلة في البيع وغيره (٢) إغماضًا (٣).
قال الطِّرِمَّاح في الإغماض بمعنى (٤) المساهلة:
لم يَفُتْنا بالوِتْرِ قومٌ وللضيمِ | رجالٌ يَرْضَونَ بالإِغْمَاضِ (٥) |
(٢) سقطت من (ي).
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٢٥، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٦٩٧، "المفردات" ص ٣٦٧ (مادة: غمض).
(٤) في (م): (يغض).
(٥) البيت في "ديوانه" ص ١٧٠. وفي "تفسير الطبري" ٣/ ٨٤، والوِتْر: الثأر؛ وبالإغماض: أي الإغماض على الضيم، والتساهل فيه.
(٦) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٦٩٧ (مادة: غمض).
(٧) سقطت من (ي).
(٨) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٦٩٧ (مادة: غمض).

قال ابن عباس في رواية العوفي: لو كان لأحدكم على رجل حقٌّ فجاءه بهذا لم يأخذه إلا وهو يرى أنه قد أغمض له عن بعض حقه وتساهل فيه (١).
وقال في رواية الوالبي: ولستم بآخذي هذا الرديء بحساب الجيد حتى تحطوا من الثمن (٢)، وبه قال الحسن (٣) وقتادة (٤)، وهذا القول يحمل على الإغماض إذا كان متعديًا إلى آخر، كما تقول: أغمضت بصر الميت وغَمَّضْتُه، كان المعنى: ولستم بآخذيه إلا إذا أغمضتم بصر البائع، يعني: أمرتموه بالإغماضِ والحطِّ من الثمن، فيكون المفعولُ محذوفًا في (٥) هذا (٦)، يدل على هذا المعنى: قراءة أبي مجلز ﴿تُغْمِضُوا﴾ فيه بضم التاء وفتح الميم (٧) يعني: إلا أن يُهضم لكم.
قال صاحب "النظم": اختلف في نظم هذه الآية فريقان:
أحدهما: زعم أن انتهاء الفصل الأول إلى قوله: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ﴾ ثم ابتدأ خبرًا آخر في وصف الخبيث، فقال: (تنفقون منه) أي: من
(٢) المصدرين السابقين.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٨٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٢٩، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٢٦، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٣٣.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٨٥، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٢٦، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٣٣.
(٥) في (ي): (على).
(٦) ينظر: "التبيان" ص ١٦٢، "البحر المحيط" ٢/ ٣١٨.
(٧) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٢٥، وعزاها في "المحتسب" ١/ ١٣٩، و"البحر المحيط" ٢/ ٣١٩ إلى قتادة.