
شعبة سنبلة فيها مائة حبة، فصارت الحبة سبعمائة حبة بمضاعفة الله لها. قال ابن كثير: وهذا المثل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة. فإن هذا فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عزّ وجلّ لأصحابها كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة. انتهى.
أقول: مصداق هذا ما
في الصحيحين «١» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيّب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيّب، فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوّه حتى تكون مثل الجبل».
وَاللَّهُ يُضاعِفُ أي هذا التضعيف أو أكثر منه لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ وقد وردت السنة بتضعيف الحسنة إلى سبعمائة ضعف.
ففي الصحيحين «٢» وغيرهما عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عزّ وجلى: (إلّا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به) ».
وأخرج أحمد ومسلم «٣» والنسائي والحاكم عن ابن مسعود قال: «جاء رجل بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة».
وأخرج أحمد «٤» والطبراني والبيهقيّ عن بريدة قال:
«قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله. الدرهم بسبعمائة ضعف»
. وثمة آثار أخرى في (ابن كثير) و (الدر المنثور). ثم مدح تعالى من حفظ نفسه من المنّ والأذى فيما أنفق بقوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٢]
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ أي لا يعقبون ما أَنْفَقُوا
ومسلم في: الزكاة، حديث ٦٣.
(٢) أخرجه مسلم في: الصيام، حدث ١٦٤ ونصه:.... يدع شهوته وطعامه من أجلي. للصائم فرحتان، فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك».
(٣) أخرجه مسلم في: الإمارة، حديث ١٣٢.
(٤) أخرجه الإمام أحمد في مسنده بالصفحة ٣٥٥ من ج ٥.

مَنًّا وهو ذكره لمن أنفق عليه ليريه أنه أوجب بذلك عليه حقا وَلا أَذىً وهو ذكره لغيره فيؤذيه بذلك أو التطاول عليه بسببه لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ الموعود به قبل وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أي فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
على فائت من زهرة الدنيا، لصيرورتهم إلى ما هو خير من ذلك.
لطائف:
الأولى: قال الزمخشريّ معنى (ثم) إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى وفي حواشيه للناصر ما نصّه: (ثم) في أصل وضعها تشعر بتراخي المعطوف بها عن المعطوف عليه في الزمان وبعد ما بينهما، والزمخشريّ يحملها على التفاوت في المراتب والتباعد بينهما. حيث لا يمكنه حملها على التراخي في الزمان لسياق يأبى ذلك. كهذه الآية. وحاصلة أنها استعيرت من تباعد الأزمنة لتباعد المرتبة.
وعندي فيها وجه آخر محتمل في هذه الآية ونحوها. وهو الدلالة على دوام الفعل المعطوف بها وإرخاء الطول في استصحابه. فهي على هذا لم تخرج عن الإشعار ببعد الزمن. ولكن معناها الأصليّ تراخي زمن وقوع الفعل وحدوثه. ومعناها المستعارة إليه دوام وجود الفعل وتراخي زمن بقائه. وعليه حمل قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَقامُوا [فصلت: ٣٠]، أي داموا على الاستقامة دواما متراخيا ممتد الأمد.
وتلك الاستقامة هي المعتبرة، لا ما هو منقطع إلى ضده من الحيد إلى الهوى والشهوات، وكذلك قوله: ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً أي يدومون على تناسي الإحسان وعلى ترك الاعتداد به والامتنان، ليسوا بتاركيه في أزمنة إلى الأذية وتقليد المنن بسببه، ثم يتوبون. والله أعلم. وقريب من هذا أو مثله، أن السين يصحب الفعل لتنفيس زمان وقوعه وتراخيه. ثم ورد قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه السلام: إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات: ٩٩]. وقد حكى الله تعالى في مثل هذه الآية: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ [الشعراء: ٧٨]. فليس إلى حمل السين على تراخي زمان وقوع الهداية له من سبيل. فيتعين المصير إلى حملها على الدلالة على تنفس دوام الهداية الحاصلة له وتراخي بقائها وتمادي أمدها.
انتهى.
الثانية: قال الزمخشريّ: (فإن قلت) أي فرق بين قوله: لَهُمْ أَجْرُهُمْ وقوله فيما بعد: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ؟ (قلت) الموصول لم يضمن هاهنا معنى الشرط، وضمنه ثمّه. والفرق بينهما من جهة المعنى أن الفاء فيها دلالة على أن الإنفاق به