آيات من القرآن الكريم

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙ ﳿ

غيره لم تتأول لأن الشارع يذكر الألفاظ الموهمة للابتلاء بها ﴿فَيُضِلُّ الله مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾ (فالمحق) يصرفها عن ظاهرها إلى الصواب والمبطل يقف مع الظاهر، وأما إذا وردت من غير (الشارع) فلا تتأول.
قلت: وكذا قال الزمخشري: لفظ الكرسي تخييلُ. والتخييل أن يعبر عن الشيء بلازمه كقوله تعالى: ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين﴾ قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا... ﴾.
ان قلت: هلا قيل: حفظُها، بضمير جماعة ما لا يعقل أو: حفظُه، بضمير الكرسي لا شتماله على العرش والسّماوات والأرض، (والشي) (في نفسه) ليس كهو مع غيره، فلا يلزم من نفي الثقل (عن) السماوات والأرض (بخصوصيتها) نفي الثقل (عنها) مع غيرها؟
فالجواب: أنّه (خصهما) بالذكر لأنهما المشاهدان للإنسان الذي يراهما ويوافق على إمساكهما وعدم إزالتهما ليكون ذلك أقطع في طريق / الاستدلال وأقوى في قيام الحجة عليه.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ العلي العظيم﴾.
قال ابن عطية: أي عظيم القدر والخطر وليس من عظيم الأجرام وحكى (الطبّري) عن قوم أن العظيم بمعنى المعظم كقولهم: العتيق بمعنى المعتق، وأنكره آخرون وقالوا: لو كان بمعنى معظم لوجب ان لا يكون عظيما قبل أن يخلق الخلق وبعد فنائهم إذ لا معظم له حينئذ.
قال ابن عرفة: وهذا الإنكار غير صحيح، بل يفهم كما قال الضرير في أرجوزته لأنه قسم الحمد على قسمين: قديم وحادث، فالقديم حمده تعالى نفسه.
قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين... ﴾.
نقل ابن عرفة عن ابن عطية الخلاف في سبب نزولها ثم قال: الظاهر عندي (أنّها) على ظاهرها ويكون خبرا في اللفظ والمعنى. والمراد أنه ليس في الاعتقاد إكراه وهو أولى من قول من جعلها خبرا في معنى النّهي. وكان أبو عمر ولد الأمير أبي الحسن على المريني في (أيام) مملكته جمع كل من كان في بلده من النّصارى وأهل الذمة وقال لهم: إما أن تسلموا أو ضربت أعناقكم، فأنكر عليه ذلك فقهاء بلده ومنعوه وكان في عقله اختبال.

صفحة رقم 312

قيل لابن عرفة: من فسّر الدين بالإسلام لا يتمّ إلا على مذهب المعتزلة القائلين بأن الاعتقاد غير كاف.
فقال: قد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الدين عِندَ الله الإسلام﴾ وفسره في الحديث «بأنّ تشهد أن لاَ إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا».
قوله تعالى: ﴿قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي... ﴾.
(قد) للتوقع لأن المشركين كانوا يتوقعون بعثة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ. وعارضوها بقوله تعالى: ﴿لِيَمِيزَ الله الخبيث مِنَ الطيب﴾ فجعل الخبيث مخرجا من الطيب، وعكس هنا. وأجيب: بأن هذا في أول الإسلام كان الكفر أكثر وتلك في آخر الإسلام كان الإيمان أكثر ودخل الناس في الدين أفواجا.
قوله تعالى: ﴿فَمَن يَكْفُرْ بالطاغوت وَيْؤْمِن بالله... ﴾.
قدم الكفر إما لأنّه من دفع المؤلم، أو لأنه مانع ولا يتم الدليل على الشيء إلاّ مع نفي المانع المعارض ولذلك قال في الإرشاد: «النظر في الشيء يضاد العلم بالمنظور ويضاد الجهل به والشك فيه». فإذا كان الكافر مصمما على كفره استحال إيمانه وإذا ظهر له بطلان الكفر وبقي قابلا للإيمان ونظر في دلائله أنتجت له الإيمان.
قوله تعالى: ﴿فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى... ﴾.
قال الزمخشري: هذا تمثيل للمعلوم بالنّظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس (ونظرٌ في دلالات أنتجت له) حتى يتصوره السّامع كأنّه ينظر (إليه) بعينه.
ابن عطية: هذا تشبيه واختلفوا في المشبه بالعروة فقال مجاهد: العروة الإيمان وقال السدى: الإسلام. وقال سعيد بن جبير والضّحاك: (العروة) لا إله إلا الله.
قال ابن عرفة: إنما يريد المشبه خاصة ولو أراد المشبه به لكان تشبيه الشيء بنفسه.
قوله تعالى: ﴿والله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
قال ابن عطية: لما كان الكفر بالطاغوت والإيمان بالله مما ينطق به اللسان ويعتقده القلب حسن في الصفات سميع من أجل النّطق وعليم من أجل المعتقد.
وقال الفخر: هذا دليل على أنّ اعتقاد القلب الايمان غير كاف ولا بد من النطق.

صفحة رقم 313
تفسير ابن عرفة
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن محمد ابن عرفة الورغمي التونسي المالكي
تحقيق
جلال الأسيوطي
الناشر
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان
الطبعة
الأولى، 2008 م
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية