آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙ ﳿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ

مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ [... ] «١» وَلا خُلَّةٌ ولا صداقة وَلا شَفاعَةٌ إلّا بإذن الله، قرأها كلّها بالنصب ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وقرأ الباقون كلّها بالرفع والتنوين، وكلا الوجهين سائغ في [العربيّة] «٢».
وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ لأنّهم وضعوا العبادة في غير موضعها.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ٢٥٥ الى ٢٥٧]
اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥) لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧)
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الآية.
عن أبيّ بن كعب قال: سألني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا أبا المنذر أي آية في كتاب الله عزّ وجلّ أعظم» ؟
قلت: الله ورسوله أعلم.
قالها ثلاثا ثم سألني، فقلت: الله ورسوله أعلم، ثم سألني فقلت: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، فضرب في صدري ثم قال: «هنيئا لك العلم يا أبا المنذر والذي نفسي بيده إنّ لها لسانا تقدّس الملك عند ساق العرش» [١٨٥] «٣».
عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «من قرأ آية الكرسي دبر كلّ صلاة مكتوبة كأن الذي يتولّى قبض نفسه ذو الجلال والإكرام، وكان كمن قاتل مع أنبياء الله حتّى استشهد» «٤».
روى إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكّل الناجي إنّ أبا هريرة كان معه مفتاح بيت الصدقة وكان فيه تمر، فذهب يوما وفتح الباب فإذا التمر قد أخذ منه ملء كفّ، ثم دخل يوما آخر وقد أخذ منه ذلك، ثم دخل يوما آخر فإذا قد أخذ منه مثل ذلك، قال: فذكر ذلك أبو هريرة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال له النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أيسرّك أن تأخذه» ؟

(١) كلمة غير مقروءة في المخطوط.
(٢) فصلها القرطبي في تفسيره: ٣/ ٢٦٧.
(٣) تفسير القرطبي: ٣/ ٢٦٨، بتفاوت يسير.
(٤) تفسير مجمع البيان: ٢/ ١٥٧.

صفحة رقم 227

قال: نعم.
قال: «فإذا فتحت الباب فقل سبحان من سخّرك لمحمد صلّى الله عليه وسلّم». قال: فذهب ففتح الباب فقال: سبحان من سخّرك لمحمد، فإذا هو قائم بين يديه فقال له: يا عدو الله أنت صاحب هذا؟
قال: نعم، وقال لي: لا أعود، ما كنت آخذه منك إلّا لأهل بيت فقراء من الجن، ثم عاد فذكره للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال له: «أيسرّك أن تأخذه» قال: نعم، قال: «فإذا فتحت فقل مثل ذلك أيضا»، ففتح الباب فقال: سبحان من سخّرك لمحمد، فإذا هو قائم بين يديه، فقال له: يا عدو الله أليس زعمت أنّك لا تعود؟
قال: دعني هذه المرّة فإنّي لا أعود.
فأخذه الثالثة فقال له: أليس عاهدتني أن لا تعود، اليوم لا أدعك حتّى أذهب بك إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: لا تفعل فإنّك إنّ تدعني علّمتك كلمة إذا أنت قلتها لم يقربك أحد من الجن صغير ولا كبير ذكر ولا أنثى.
قال له: لتفعلن؟ قال: نعم، قال: فما هي؟ قال: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، حتّى ختمها، فتركه فذهب فلم يعد، فذكر ذلك أبو هريرة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أما علمت يا أبا هريرة أنّه كذلك» [١٨٦] «١».
عن جعفر بن محمد بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السّلام عن علي رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا عليّ آية نزلت من كنوز العرش خرّ كلّ صنم يعبد في المشرق والمغرب على وجهه» وفزع إبليس. وقال: يحدث في هذه الليلة حدث كبير فانظروني أضرب لكم مشارق الأرض ومغاربها، فأتى يثرب فاستقبله رجل [فتراءى] له إبليس في صورة شيخ.
قال: يا عبد الله هل حدث هذه الليلة أو في هذا اليوم شيء؟
قال: نعم، أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه نزلت عليه آية أصبح كلّ صنم خارا على وجهه، فانصرف إبليس إلى أصحابه وقال: حدث بيثرب أعظم الحدث [فجاءوا إلى المدينة فبلغهم أن آية الكرسي قد نزلت] «٢»، وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «ما قرأت هذه الآية في دار إلّا هجره الشيطان ثلاثة أيام أو قال ثلاثين يوما ولا يدخله ساحر ولا ساحرة أربعين ليلة. يا علي علّم ولدك وأهلك وجيرانك فما نزلت آية أعظم منها» [١٨٧] «٣».
وعن عطيّة العوفي عن علي رضي الله عنه قال سمعت نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم على أعواد المنبر وهو

(١) تفسير ابن كثير: ١/ ٣١٤.
(٢) زيادة عن تفسير القرطبي: ٣/ ٢٦٨.
(٣) مستدرك الوسائل: ٤/ ٣٣٥.

صفحة رقم 228

يقول: «من قرأ آية الكرسي في دبر كلّ صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنّة إلّا الموت ولا يواظب عليها إلّا صدّيق أو عابد، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله» [١٨٨] «١».
عن أنس وعن جابر رفعا الحديث إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران من دوام على قراءة آية الكرسي دبر كلّ صلاة أعطيته قلوب الشاكرين وأجر النبيين وأعمال الصدّيقين وبسطت عليه يميني بالرحمة ولم أمنعه أن أدخله الجنّة إلّا أن يأتيه الموت.
قال موسى: إلهي ومن يداوم عليها؟
قال: لا يداوم عليها إلّا نبي أو صدّيق أو رجل قد رضيت عنه أو رجل أريد قتله في سبيلي»
.
محمد بن كعب الفرضي عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «من خرج من منزله فقرأ آية الكرسي بعث الله إليه سبعين ألفا من الملائكة يستغفرون له ويدعون له، فإذا رجع إلى منزله ودخل بيته فقرأ آية الكرسي نزع الله الفقر من بين عينيه».
نافع عن ابن عمر قال: بينا عمر بن الخطاب جالس في مسجد المدينة في جماعة من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وهم يتذاكرون فضائل القرآن إذ قال قائل منهم: خاتمة براءة، وقال قائل:
خاتمة بني إسرائيل، وقال قائل: كهيعص [وقال قائل: طه] فقدّم القوم وأخروا، فقال عليّ عليه السّلام:
وأين أنتم يا أصحاب محمد عن آية الكرسي؟
فقالوا له: أخبرنا يا أبا الحسن ما سمعت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول؟ فقال عليّ (رضي الله عنه) :
قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «يا علي سيّد النبيين آدم، وسيّد العرب محمد ولا فخر، وسيّد الفرس سلمان، وسيّد الروم صهيب، وسيّد الحبشة بلال، وسيّد الجبال الطور، وسيّد الشجر السدر، وسيّد الشهور الأشهر الحرم، وسيّد الأيام يوم الجمعة، وسيّد الكلام القرآن، وسيّد القرآن البقرة، وسيّد البقرة آية الكرسي.
يا علي إنّ فيها لخمسين كلمة في كل كلمة خمسون بركة»
«٢».
عمر بن أبي المقدام قال سمعت أبا جعفر الباقر يقول: «من قرأ آية الكرسي مرّة صرف عنه ألف مكروه من مكروه الدنيا وألف مكروه من مكروه الآخرة، أيسر مكروه الدنيا الفقر وأيسر مكروه الآخرة عذاب القبر».
قوله تعالى اللَّهُ إلها، رفع بالابتداء وخبره في لا إِلهَ إِلَّا هُوَ.

(١) تفسير القرطبي: ٣/ ٢٦٩.
(٢) مستدرك الوسائل: ٤/ ٣٣٦.

صفحة رقم 229

وقيل: هو رفع بالإيجاب والتحقيق كقوله عزّ وجلّ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ «١».
والْحَيُّ من له الحياة، وهي الصفة التي يكون الموصوف بها حيّا مخالفا للجمادات والأموات وهو على وزن فعل مثل الحذر والطمع، فسكنت الياء وأدغمت.
والْقَيُّومُ فيعول من القيام وفيه ثلاث لغات: القيام وهي قراءة عمر بن مسعود والنخعي والأعمش، والقيّم وهي قراءة علقمة، والْقَيُّومُ وهي قراءة الباقين، وكلّها لغات بمعنى واحد، والأصل: قيوم وقيوام وقيّوم كما يقال: ما في الدار ديّور وديّار ودير. والْقَيُّومُ: المبالغ في القيام على خلقه.
قال مجاهد: الْقَيُّومُ: القائم على كلّ شيء، سعيد بن جبير: الذي لا نرى له، الضحاك:
الدائم، أبو روق: الذي لا يلي، الربيع: القيّم على كلّ شيء يحفظه ويرزقه، الكلبي: القائم عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، أبو عبيد: الذي لا يزول.
قال أحية: لم يخلق السماء والنجوم والشمس معها قمر يقوم قدره المهيمن القيّوم والحشر والجنّة والجحيم إلّا لأمر شأنه عظيم «٢».
قتادة عن أنس إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يدعوا: يا حيّ يا قيّوم
، وكان ابن عباس يقول: أعظم أسماء الله عزّ وجلّ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وهو دائما أهل الخير.
يدلّ عليه ما
روى القاسم عن أبي إمامة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «إنّ اسم الله الأعظم لفي سور من القرآن ثلاث: البقرة وآل عمران وطه» «٣».
قال بعضهم: فنظرت في هذه السور الثلاث فرأيت فيها اسما ليس في شيء من القرآن:
في آية الكرسي اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.
وفي آل عمران الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ «٤».
وفي طه وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ «٥».
لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ، قال المفسّرون:
السّنة: النعاس، وهو النوم الخفيف وهو ريح تجيء من قبل الرأس لينة فتغشي العين، ورجل وسنان إذا كان بين النائم واليقظان يقال له: وسن يوسن وسنا وسنة فهو وسنان.
قال ابن الرقاع:

(١) سورة آل عمران: ١٤٤.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٩.
(٣) المستدرك: ١/ ٥٠٥ و ٥٠٦.
(٤) سورة آل عمران: ٢. [.....]
(٥) سورة طه: ١١١.

صفحة رقم 230

وسنان أقصده النعاس فرنقت «١» في عينه سنة وليس بنائم
وَلا نَوْمٌ والنوم هو المستثقل المزيل للقوّة والعقل، فنفى الله تعالى عن نفسه النوم لأنّه آفة ولا يجوز عليه الآفات ولأنّه تغيّر ولا يجوز عليه تغيّر الأحوال، ولأنّه قهر والله تعالى قاهر غير مقهور، ولأنّه للاستراحة ولا يناله تعب فيسترح ولأنّه أخ الموت.
محمد بن المنكدر عن جابر قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أينام أهل الجنّة؟
قال: لا: «النوم أخ الموت ولا يموت أهل الجنّة»
«٢» ولأنّه لو نام العقل ولو غفل لاختلّ ملكه وتدبيره.
أبو عبيدة عن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بخمس «٣» كلمات فقال: «إنّ الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام ولكنّه يرفع القسط ويخفضه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» «٤».
عكرمة عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحكي عن موسى عليه السّلام على المنبر قال:
«وقع في نفس موسى هل ينام الله عزّ وجلّ، فأرسل الله إليه ملكا [فأرّقه «٥» ثلاثا ثم] أعطاه قارورتين في كلّ يد قارورة وأمره أن يحتفظ بهما، قال: فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان ويحبس أحدهما عن الأخرى حتّى نام نومه واصطكت يداه فانكسرت القارورتان» «٦».
قال: ضرب الله تعالى مثلا أن الله سبحانه لو نام لم يستمسك السماء والأرض.
لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ملكا وخلقا. مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ بأمره، قال أهل الإشارة: في هذه الآية جذب بها قلوب عباده إليه عاجلا وآجلا فسبحان من لا وسيلة إليه.
الآية: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ قال مجاهد وعطاء والحكم والسدي: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ من أمر الدنيا وَما خَلْفَهُمْ من أمر الآخرة.
الضحاك والكلبي: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يعني الآخرة لأنّه يقدمون عليها وَما خَلْفَهُمْ الدنيا لأنّهم يخلفونها ابن جريح: ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يعني ما كان قبل خلق الملائكة وَما خَلْفَهُمْ وما يكون بعد خلقهم.
(١) رنق النوم في عينيه: خالطها، تفسير القرطبي: ٣/ ٢٧٢.
(٢) الدر المنثور: ٦/ ٣٤ بتفاوت يسير.
(٣) في جميع المصادر: بأربع.
(٤) المعجم الأوسط: ٢/ ١٤٢ بتفاوت.
(٥) أرقه: الأرق: السهر، أي: أسهره.
(٦) تفسير الطبري: ٣/ ١٣.

صفحة رقم 231

وقيل: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يعني ما فعلوه من خير وشرّ وَما خَلْفَهُمْ وأمامهم ما فعلوه.
وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ أي علم الله إِلَّا بِما شاءَ أن يعلّمهم ويطلعهم عليه وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أي ملأ وأحاط به، واختلفوا في الكرسي، فقال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد: علمه، ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب: كراسة.
ومنه قول الراجز في صفة قانص:
حتى إذا ما جاءه تكرّسا
يعني: علم.
ويقال للعلماء: الكراسيّ.
قال الشاعر:

يحف بهم بيض الوجوه وعصبة كراسي بالأحداث حين نتوب «١»
وقال بعضهم: سلطانه وملكه وقدرته.
والعرب تسمّي أصل كلّ شيء الكرسي.
يقال: فلان كريم الكرسي أي الأصل.
قال العجاج:
قد علم القدوس مولى القدس أن أبا العباس أولى النفس
بمعدن الملك الكريم الكرسي «٢»
قال الثعلبي: رأيت في بعض التفاسير كُرْسِيُّهُ: سرّه.
وأنشدوا فيه:
مالي بأمرك كرسيّ أكاتمه وهل بكرسيّ علم الغيب مخلوق «٣»
وزعم محمد بن جرير الطبري أن الكرسي: الأجل، أي وسع [أجله] السماوات والأرض.
وقال أبو موسى والسدّي وغيرهما: هو الكرسي بعينه، وهو لؤلؤ، وما السماوات السبع في الكرسي إلّا كدراهم سبعة ألقيت في ترس «٤».
(١) تفسير القرطبي: ٣/ ٢٧٧.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ١٧، ولسان العرب ٦/ ١٦٩.
(٣) تفسير مجمع البيان: ٢/ ١٥٨.
(٤) تفسير الطبري: ٣/ ١٦.

صفحة رقم 232

وقال عليّ ومقاتل: كلّ قامة من الكرسي طولها مثل السماوات السبع والأرضين السبع وهو بين يدي العرش، ويحمل الكرسي أربعة أملاك لكلّ ملك أربعة وجوه أقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة السفلى مسيرة خمس مائة عام:
ملك على صورة سيّد البشر آدم عليه السّلام وهو يسأل للآدميين الرزق والمطر من السنة إلى السنة، وعلى وجهه غضاضة منذ عبد العجل من دون الله، وملك على صورة سيّد الأنعام وهو الثور وهو يسأل للأنعام الرزق من السنة إلى السنة وعلى وجهه غضاضة منذ عبد العجل من دون الله، وملك على صورة سيّد السباع وهو الأسد يسأل الرزق للسباع من السنة إلى السنة، وملك على صورة سيّد الطير وهو النسر يسال الله الرزق للطيور من السنة إلى السنة.
أبو إدريس الخولاني عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله أيّما آي أنزل عليك أعظم؟
قال: «آية الكرسي».
ثم قال: «يا أبا ذر ما السماوات السبع مع الكرسي إلّا كحلقة [من حديد] «١» ملقاة في أرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة» «٢».
وفي بعض الأخبار أن بين حملة العرش وبين حملة الكرسي سبعين حجابا من ظلمة وسبعين حجابا من نور، غلظ كلّ حجاب مسيرة خمس مائة عام، لولا ذلك لاحترقت حملة الكرسي من نور حملة العرش.
قال الحسن البصري: الكرسي هو العرش بعينه. وحكى الأستاذ أبو سعيد عبد الملك عن أبي عثمان الزاهد عن بعض المتقدّمين: أنّ الكرسي اسم ملك من الملائكة أضافه إلى نفسه تخصيصا وتفضيلا فنبّه به عباده على عظمته وقدرته.
فقال: إن خلقا من خلقي [وسع] «٣» السماوات والأرض فيكف تقدر قدرتي وتعرف عظمتي. والله أعلم.
وَلا يَؤُدُهُ أي لا يثقله ولا يجهده ولا يشق عليه.
قالت الخنساء:

وحامل الثقل بالأعباء قد علموا إذا يؤود رجالا بعض ما حملوا
وقيل: يَؤُدُهُ أي يسقطه من ثقله.
(١) زيادة عن الطبري.
(٢) صحيح ابن حبان: ٢/ ٧٧ وكنز العمال: ١٦/ ١٣٢ ح ٤٤١٥٨.
(٣) غير مقروءة في المخطوط والظاهر ما أثبتناه. [.....]

صفحة رقم 233

قال الشاعر:

إليّ وما سحروا عداة منّا عند الحمار يؤودها العقل
حِفْظُهُما حفظ السماوات والأرض وَهُوَ الْعَلِيُّ الرفيع فوق خلقه في التدبير والقوّة والقدرة لا بالمسافة والمكان والجهة الْعَظِيمُ فلا شيء أعظم منه.
قال المفسّرون: سبب نزول هذه الآية أنّ الكفّار كانوا يعبدون الأصنام ويقولون هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ الآية.
قال مجاهد: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار يكنّى (أبو الحصين) وكان له ابنان فقدم تجّار الشام إلى المدينة يحملون الزيت فلما أراد الرجوع إلى المدينة أتاهم ابنا أبي الحصين فدعوهما إلى النصرانيّة فتنصّرا وخرجا إلى الشام، فأخبر أبو الحصين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بذلك فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اطلبهما، فانزل الله تعالى لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أبعدهما الله فهما أوّل من كفر» فوجد أبو الحصين في نفسه على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين لم يبعث في طلبهما فأنزل الله تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ «١» الآية.
قال: وكان هذا قبل أن يؤمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتال أهل الكتاب ثم نسخ قوله: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ وأمر بقتال أهل الكتاب في سورة براءة.
وهكذا قال ابن مسعود وابن زيد: أنّها منسوخة بآية السيف، وقال الباقون: هي محكمة.
سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قال: كانت المرأة من الأنصار تكون مثقلا لا يعيش لها ولد ونذورا فتنذر لئن عاش لها ولد لتهوّدنّه، فجاء الإسلام وفيهم منهم، فلما أجليت بنو النضير إذا فيهم أناس من الأنصار فقالت الأنصار: يا رسول الله أبناؤنا وإخواننا، فسكت عنهم صلّى الله عليه وسلّم فنزلت: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ. الآية.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «قد خيّر أصحابكم فإن اختاروكم فهم منكم، وإن اختاروهم فاجعلوهم معهم».
قال: وكان الفصل ما بين الأنصار واليهود إجلاء بني النضير فمن لحق بهم اختارهم ومن أقام اختار الإسلام. وقال المفسّرون: كان لرجل من الأنصار من بني سالم ابنان فتنصّرا قبل أن يبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الطعام فأتاهما أبوهما فلزمهما وقال: لا أدعكما حتّى تسلما، فأبيا أن يسلما فاختصموا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟ فأنزل الله تعالى لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ الآية، فخلّى سبيلهما «٢».
(١) سورة النساء: ٦٥.
(٢) تفسير الطبري: ٣/ ٢٢، وأسباب النزول للواحدي: ٥٣.

صفحة رقم 234

ابن أبي [حاتم] عن مجاهد قال: كان ناس مسترضعين في اليهود- قريظة والنظير- فلما أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بإجلاء بني النضير فقال نسائهم من الأوس الذين كانوا مسترضعين فيهم: لنذهبن معهم ولتذنبن بذنبهم فمنعهم أهلوهم وأرادوا أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت هذه الآية لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ.
قتادة والضحاك وعطاء وأبو روق والواقدي: معنى لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ بعد إسلام العرب إذا قبلوا الجزية، وذلك أن العرب كانت أمّة أميّة لم يكن لهم دين ولا كتاب فلم يقبل عنهم إلّا الإسلام أو السيف وأكرهوا على الإسلام فلم يقبل منهم الجزية، ولما أسلموا ولم يبق أحد من العرب إلّا دخل في الإسلام طوعا أو كرها، أنزل الله تعالى لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ فأمر أن يقاتل أهل الكتاب والمجوس والصابئين على أن يسلموا أو أن يقرّوا بالجزية فمن أقرّ منهم بالجزية قبلت منه وخلّى سبيله ولم يكره على الإسلام.
وقال مقاتل: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يقبل الجزية إلّا من أهل الكتاب، فلما أسلمت العرب طوعا أو كرها، قبل الخراج من غير أهل الكتاب فكتب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المنذر بن ساوي وأهل هجر يدعوهم إلى الإسلام:
«إن من شهد شهادتنا وصلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا وكان بديننا فذلك المسلم الذي له ذمّة الله وذمّة رسوله، فإن أسلمتم فلكم ما لنا وعليكم ما علينا ومن أبي الإسلام فعليه الجزية».
فكتب المنذر إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إنّي قرأت كتابك على أهل هجر فمنهم من أسلم ومنهم من أبى، فأمّا اليهود والمجوس فأقرّوا الجزية وكرهوا الإسلام فرضي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم منهم بالجزية، فقال منافقوا أهل المدينة: زعم محمد أنّه لم يؤمر بأخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب فما باله قبله من مجوس هجر وقد ردّ ذلك على آبائنا وإخواننا حتّى قتلهم، فشق ذلك على المسلمين، فذكروا ذلك للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فأنزل الله تعالى لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ يعني بعد إسلام العرب.
وروى شريك عن عبد الله بن أبي هلال عن وسق قال: كنت مملوكا لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وكنت نصرانيّا وكان يقول: يا وسق أسلم فإنّك لو أسلمت لولّيتك بعض أعمال المسلمين فإنّه ليس يصلح أن يلي أمرهم من ليس على دينهم، فأبيت عليه فقال: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ فلما مات أعتقني، وقال ابن أبي نجيح: سمعت مجاهدا يقول لغلام له نصراني: يا جرير أسلم، ثم قال: هكذا كان يقال: [أم لا يكرهون] «١».

(١) المصنف لعبد الرزاق: ١٠/ ٣١٦ ح ١٩٢٢١، وتفسير الطبري: ٣/ ٢٤ وفيهما: كان يقال لهم.

صفحة رقم 235

وقال الزجاج وغيره: هو من قول العرب: أكرهت الرجل إذا نسبته إلى الكره كما يقال:
أكفرته وأفسقته وأظلمته إذا نسبته إليها.
قال الكميت:

وطائفة قد أكفروني بحبّكم وطائفة قالوا مسيء ومذنب «١»
ومعنى الآية: لا تقولوا لمن دخل بعد الحرب في الإسلام: أنّه دخل مكرها، ولا تنسبوا فمن دخل في الإسلام إلى الكره يدلّ عليه قوله: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً «٢».
قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ قد ظهر الكفر من الإيمان والهدى من الضلالة والحق من الباطل،
عن ابن مسعود عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «من أطاع الله ورسوله فقد رشد» «٣».
وعن مقاتل بن حسّان قال: زعم الضحاك أن الناس لما دخلوا في الإسلام طوعا أو كرها ولم يبق من عدو نبيّ الله من مشركي العرب أحد إلّا دخلوا في الإسلام طوعا أو كرها وأكمل الدين نزل: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ من شاء أسلم ومن شاء أعطى الجزية.
وقرأ الحسن ومجاهد والأعرج الرَّشَدُ بفتح الراء والشين وهما لغتان كالحزن والحزن والبخل والبخل.
وقرأ عيسى بن عمر: الرُّشُدُ بضمّتين.
وقرأ الباقون بضم الراء وجزم الشين وهما لغتان كالرعب والرعب، والسحت والسحت.
فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ يعني الشيطان، قاله ابن عمرو ابن عباس ومقاتل والكلبي.
وقيل: هو الصنم، وقيل: الكاهن، وقيل: هو كلّ ما عبد من دون الله.
وقال أهل المعاني: الطاغوت: كلّ ما يغطي الإنسان، وهو فاعول من الطغيان زيدت التاء فيه بدلا من لام الفعل، كقوله: حانوت وتابوت.
وقال أهل الإشارة: طاغوت كلّ امرئ نفسه بيانه قوله إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ «٤» الآية.
وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ عن سعيد قال: الإيمان: التصديق، والتصديق أن يعمل العبد مما صدّق به من القرآن.
(١) التبيان: ٣/ ٢٨٣ وخزانة الأدب: ٢٣٦.
(٢) سورة النساء: ٩٤.
(٣) كتاب المسند للشافعي: ٦٨.
(٤) سورة يوسف: ٥٣.

صفحة رقم 236

وعن ابن عباس قال: أخبر الله تعالى إنّ الإيمان هو العروة الوثقى ولا يقبل عمل إلّا به، وعن ابن عباس أيضا قال: أخبر الله تعالى أنّ الإيمان لا إله إلّا الله.
فَقَدِ اسْتَمْسَكَ تمسك واعتصم بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى بالعصمة الوثيقة الحكمة لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا أي ناصرهم ومعينهم وقيل محبهم وقيل متولي أمرهم لا يكلهم إلى غيره. يقال: توليت أمر فلان وولّيته ولاية بكسر الواو، وقيل: أولى وأحق بهم لأنّه يربّهم، وقال الحسن: ولي هداهم.
يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ أي من الكفر والضلالة إلى الإيمان والهداية، وكذلك كانوا في علم الله عزّ وجلّ قبل أنّ يخلقهم، فلما خلقهم مضى فيهم علمه فآمنوا.
وقال الواقدي: كلّ شيء في القرآن من الظلمات والنور فإنّه أراد به الكفر والإيمان غير التي في سورة الأنعام وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ «١» فإنّه يعني به الليل والنهار.
قال ابن عباس: هؤلاء قوم كفروا بعيسى عليه السّلام ثم آمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم فأخرجهم [من الكفر] بعيسى إلى إيمانهم بالمصطفى وسائر الأنبياء (عليهم السلام)، وقال غيره: هو عام لجميع المؤمنين، وقال ابن عطاء: هذه الآية [تغنيهم من] صفاتهم بصفة فيصيرون قائمين بالحق للحق مع الحق.
الواسطي: يخرجهم من ظلمات نفوسهم إلى آدابها كالرضا والصدق والتوكّل والمعرفة والمحبّة.
أبو عثمان: يخرجهم من رؤية الأفعال إلى رؤية المنن والأفضال، وقيل: يخرجهم من ظلمات الوحشة والفرقة إلى نور الوصيلة والقربة.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ هكذا قرأه العامة وقرأ الحسن الطواغيت على الجمع.
قال أبو حاتم: العرب تجعل الطاغوت واحدا وجمعا ومذكّرا ومؤنّثا.
قال الله تعالى في الواحد والمذكّر يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ «٢».
وقال في المؤنّث: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها «٣» وقال في الجمع:
يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ.
قال ابن عباس: يعني بالطاغوت الشيطان.

(١) سورة الأنعام: ١.
(٢) سورة النساء: ٦٠.
(٣) سورة الزمر: ١٧.

صفحة رقم 237

قال مقاتل يعني كعب بن الأشرف، ويحيى بن أخطب وسائر رؤوس الضلالة يُخْرِجُونَهُمْ ويدعونهم مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ، دليله قوله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ «١» يعني أدعوهم.
فإن قيل: ما وجه قوله يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ وهم كفّار لم يكونوا في نور قط وكيف يخرجونهم ممّا لم يدخلوا فيه.
فالجواب ما قال مقاتل وقتادة: هم اليهود كانوا مؤمنين بمحمّد صلّى الله عليه وسلّم قبل أن يبعث فلما بعث كفروا به وجحدوا ما وجدوه في كتبهم من نعته وصفته ونبوّته بيانه قوله: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ «٢» فذلك خروجهم من النور يعني بإيمانهم بمحمد قبل البعث، ويعني بالظلمات كفرهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم بعد البعث، والإدخال والإخراج الى الله عزّ وجلّ لا إلى غيره إلّا على سبيل الشريعة والتفريع. قال الله عزّ وجلّ: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ «٣»، وأجراها أهل المعاني على العموم في جميع الكفّار.
وقالوا: منعه إياهم من الدخول فيه إخراج، وهذا كما يقول الرجل لأبيه: أخرجتني من مالك ولم يكن فيه، فقال الله تعالى إخبارا عن يوسف: إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ «٤» ولم يكن أبدا على دينهم حتّى تركه قال الله تعالى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ «٥» ولم يكن فيه قط.
وقال امرؤ القيس:

ويأكلون البدل قد عاد احما قط قال له الأصوات ذي كلا نجلى «٦»
وقال آخر:
أطعت النفس في الشهوات حتّى أعادتني عسيفا عبد عبد «٧»
ولم يكن عبدا قط.
وقال الغنوي:
فإنّ تكن الأيام أحسن مرّة إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب «٨»
(١) سورة إبراهيم: ٥.
(٢) سورة البقرة: ٨٩.
(٣) سورة الأسراء: ٨٠.
(٤) سورة يوسف: ٣٧. [.....]
(٥) سورة النحل: ٧٠.
(٦) كذا في المخطوط.
(٧) لسان العرب: ٩/ ٢٤٦.
(٨) تاريخ دمشق: ٦٣/ ١٧٢، والشاهد أنها لم يكن لها ذنوب قبل ذلك.

صفحة رقم 238
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية