آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

فالآية عامة، أي لا صداقة ولا شفاعة للكافرين.
فالآية عامة الظاهر خاصة، قد بينت أنها خاصة/ للكافر السنة. ويجوز أن يكون/ المعنى: ولا شفاعة إلا بإذن الله بدليل قوله بعد هذا: ﴿مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥]. وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: ٢٣].
وفي القرآن جواز الشفاعة لمن شاء الله لأنه قد قال: ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى﴾ [الأنبياء: ٢٨]، وقال تعالى: ﴿ مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾.
فهذا كثير يدل على جواز الشفاعة يوم القيامة/ ممن شاء الله عزو جل ولمن شاء الله سبحانه فالآية مخصوصة [في الكفار]، لا شفاعة لهم ولا فيهم.
قوله: ﴿والكافرون هُمُ الظالمون﴾.
كما تقدم في أول الآية/، ذكر صنفين كافرين ومؤمنين في قوله: ﴿فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ﴾. صرف آخر الآية إلى الكفار بعد أن خص ذكر أهل الإيمان في وسط الآية بما ذكر تعالى.
قوله: ﴿الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم﴾ الآية.
أجاز النحاس: لا إله إلا إياه على الاستثناء.

صفحة رقم 842

وروي عن أبي ذر أنه سأل النبي [عليه السلام] فقال له: أي ما أنزل عليك من القرآن أعظم "، فقال النبي ﷺ: ﴿ الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم﴾ ".
وقال ابن عباس: " أشرف آية في القرآن الكرسي ". نبه الله تعالى ذكره عباده بهذه الآية ألا يعبد غيره، وأن يحذر مما وقع فيه من تقدم ذكره، في قوله: ﴿فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ﴾ واختلفوا فاقتتلوا وشبهه.
وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أنه قال: قال رسول الله ﷺ: " مَنْ قَرَأَ آيَةَ الكُرْسِي إِذَا نَامَ، لَمْ يَزَلْ فِي أَمَانِ الله حَتَّى يَنْتَبِهَ. وَمَنْ قَرَأَهَا إِذَا انْتَبَهَ، لَمْ يَزَلْ فِي أَمَانِ الله حَتَّى يَعُودَ، وَمَنْ قَرَأَهَا إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ لَمْ يَزَلْ فِي أَمَانِ اللهِ تعالى حَتَّى يَعُودَ. وَمَنَ قَرَأَهَا عِنْدَ حِجَامَةٍ كَانَتْ لَهُ مَنْفَعَتَانِ: مَنْفَعَةٌ لِلْحِجَامَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَمَنْفَعَةٌ لِلْحِجَامَةِ

صفحة رقم 843

الَّتِي تَكُونُ بَعْدَهَا. وَمَنْ قَرَأَهَا كُلِّ صَلاَةٍ، أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ ".
وروى أبو هريرة أن النبي [عليه السلام] قال: " لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامٌ، وَسَنَامُ القُرْآنِ سُورَةُ البَقَرَةِ، مِنْهَا آيَةٌ لاَ تُقْرَأُ فِي بَيْتٍ فِيهِ شَيْطَانٌ إِلاَّ خَرَجَ مِنْهُ، وَهِيَ آيَةُ الكُرْسِي ".
وقوله: ﴿الحي القيوم﴾. الحي الذي لا يموت، القيوم الذي لا يزول.
وقيل: بل هو اسم من أسمائه تسمى به، فقلناه تسليماً لأمره.
وقوله: ﴿القيوم﴾.
قال ابن عباس: " معناه: الذي لا يزول ".
وقال مجاهد: " معناه القائم على كل شيء ".

صفحة رقم 844

وهو " فَيْعُولٌ " من " قَامَ "، ولا يحسن أن يكون " فَعُولاً " لأنه يلزم منه أن يقال: " قَوُومٌ ".
وقال ابن كيسان: " ليس في كلام العرب، فعول من الواو ".
وروي عن عمر أنه/ قرأ " الْقَيَّامُ " ووزنه " فَيْعَالٌ " من " قَامَ ".
وقرأ علقمة " الْقَيِّمُ "، ووزنه عند البصريين " فعيل "، ثم أدغم فكان أصله قيوماً، وأصل عند الكوفيين " قويم " مثل فعيل، ويلزمهم ألا يعل كما لم يعل " طويل " وشبهه.
وصفات/ الله مطلقة في غاية الكمال والتمام، لا يجوز عليها حوالة ولا تغيير، بخلاف صفات المخلوقين.
قوله: ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ﴾.
أي نعاس. قاله ابن عباس وقتادة والضحاك وغيرهم. ولا نوم فيستثقل.
وأصل " سنة " وسنة، كزنة وعدة.

صفحة رقم 845

قال السدي: " السنة ريح النوم الذي يأخذ في الوجه فينعس الإنسان ".
وقال الربيع: " السنة هو الذي كون به الإنسان بين النائم واليقظان، وهو الوسنان، والنوم الاستثقال ".
نفى الله تعالى عن نفسه الآفات التي تدخل على المخلوقين، فتذهب حسهم تعالى عن ذلك.
وقد روى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: " وَقَعَ نَفْسِ مُوسَى ﷺ: هَلْ يَنَامُ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ؟ فأَرَسَلَ اللهُ إِلَيْهِ مَلَكاً فأَرَّقَهُ ثَلاَثاً ثُمَّ أَعْطَاهُ قَرُورَتَيْنِ، فِي كُلِّ يَدٍ قَارُورَةٌ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَحَفَّظَ بِهِمَا. فَجَعَلَ يَنَامُ وَتَكَادُ يَدَاهُ/ تَلْتَقِيَانِ ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ فَيَحْبِسُ إِحْدَاهُمَا عَنْ الأُخْرَى، حَتَّى نَامَ نَوْمَهُ فَاصْطَفَقَتْ يَدَاهُ فَانْكَسَرَتْ القَارُورَتَانِ، فَجَعَلَ اللهَ لَهُ ذَلِكَ مَثَلاً "، أي أن الله لو كان ينام لم تمتسك السموات والأرضون

صفحة رقم 846

كما لم تمتسك القارورتان في يدي موسى عليه السلام.
قوله: ﴿مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ﴾.
أي من يشفع لمن أراد الله عقوبته إلا بأمره لهم بالشفاعة. وهذا دليل على جواز الشفاعة بإذنه لمن شاء من رسله وأوليائه. وقيل: معناه: من ذا الذي يذكر الله بقلبه حتى يأذن له، لا إله إلا هو.
قوله: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾.
قال ابن جريج: " يعلم ما مضى أمامهم من الدنيا ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ ما يكون بعدهم من أمر الدنيا والآخرة ".
وهذا يدل على/ قدم علم الله تعالى، وأنه لم يزل/ عالماً ولا يزال.
﴿إِلاَّ بِمَا شَآءَ﴾. ما شاء هو أن يعلمه.
قوله: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض﴾.
قال ابن جبير عن ابن عباس: " كرسيه: علمه "، ودل على ذلك قوله: ﴿وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾.
قال أبو هريرة: " الكرسي بين يدي العرش ".

صفحة رقم 847

قال مجاهد: " ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ".
قال السدي: السموات والأرض في جوف الكرسي بين يدي العرش وهو موضع قدميه ".
قال ابن زيد: " حدثني أبي، قال: قال رسول الله ﷺ /: " مَا السَّمَوات السَّبْع فِي الكُرْسِيِّ إِلاَّ كدرَاهِمَ سَبْعَةٍ أُلْقِيَتْ فِي تُرْسٍ ".
وقال أبو ذر: سمعت النبي [عليه السلام] يقول: " مَا الْكُرْسِيُّ فِي العَرْشِ إِلاَّ كَحَلَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِيَتْ بَيْنَ ظَهْرَيْ فَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ ".
وروى ليث عن مجاهد أنه قال: " ما السموات والأرض في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة ".
وروى الأعمش عن مجاهد أنه قال: " مثل السموات تحت الكرسي كحلقة ملقاة في الفلاة ".
وروى ابن جبير عن ابن عباس أنه قال: " الكرسي الذي وسع السموات والأرض موضعه من العرض موضعه من السرير، ولا يقدر قدر العرش إلا

صفحة رقم 848

الذي خلقه ".
وقال الحسن: " الكرسي هو العرش نفسه ".
وقال الضحاك: " كرسيه الذي يوضع تحت العرش ".
وقيل: " كرسيه: قدرته ".
اختار الطبري أن يكون علمه لقوله: ﴿وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾، ولقوله: ﴿وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً﴾ [غافر: ٧].
وفيه لغتان: ضم الكاف وكسرها.
قوله: ﴿وَلاَ يَؤُودُهُ﴾.
أي لا يثقله ولا يشق عليه. يقال: ما آدَكَ هو لي آئِدٌ ".
وقال القتبي:: يقال: آدَاهُ يَؤُودُهُ، [وَأَدَهُ] يئده، والوأد الثقل ". والهاء في

صفحة رقم 849

﴿يَؤُودُهُ﴾ لله جل ذكره.
وقال أبو إسحاق: " يجوز أن تكون للكرسي ".
وقوله: ﴿حِفْظُهُمَا﴾. أي حفظ السموات والأرض.
﴿وَهُوَ العلي﴾. أي ذو الارتفاع عن شبه خلقه بقدرته.
﴿العظيم﴾.
أي لاشيء أعظم منه جلالة وهيبة وسلطانا. ولا يحسن أن يكون بمعنى العلو في المسافة والارتفاع من مكان إلى مكان تعالى الله عن ذلك - إنما هو علو قدرة وجلالة وهيبة وسلطان، لا علو ارتفاع من مكان إلى مكان، ليس كمثله شيء. لا يجوز عليه الحركة ولا الانتقال ولا التغير من حال إلى حال، فافهمه.
وقيل: معنى ﴿العلي﴾: العلي عن النظراء والأشباه، لا علو مكان.
وقيل: إن ﴿العظيم﴾ هنا بمعنى المعظم، الذي يعظمه خلقه لم يزل على ذلك. ولا يحسن أن يتأول أن تعظيمه محدث. / بل لم يزل معظماً قبل كون الخلق كما

صفحة رقم 850
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية