آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ
لا تقدرون فيه على تدارك ما فرطتم والخلاص من عذاب الله إذ لا بَيْعٌ فِيهِ فتحصلون الأموال وتنفقونها في سبيل الله او تفتدون بها من العذاب فتشترون به أنفسكم وَلا خُلَّةٌ حتى يعينكم عليه اخلاءكم او يسامحونكم به وَلا شَفاعَةٌ الا بإذن الله قرا ابن كثير وابو عمر وكلها مبنيا على الفتح من غير تنوين على الأصل وكذلك في سورة ابراهيم لا بيع فيه ولا خلل وفي سورة الطور لا لغو فيها ولا تأثيم وقرا الآخرون كلها بالرفع لانها فى تقدير جواب هل فيه بيع او خلة او شفاعة وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤) حيث يضعون العبادة في غير موضعها ويضعون الأموال في غير موضعها ويصرفونها على غير وجهها- وايضا هم يظلمون أنفسهم بترك ما أمرهم الله وتعريض أنفسهم للعذاب فلا تكونوا ايها الذين أمنوا على هيئتهم- او المعنى والكافرون الذين ينكرون فريضة الزكوة هم الظالمون- وقال البيضاوي أراد بالكافرين التاركين للزكوة وضع الكافرون موضعه تغليظا كقوله من كفر مكان من لم يحج وكقوله تعالى ويل للمشركين الّذين لا يؤتون الزّكوة إيذانا بان ترك الزكوة من صفات الكفار عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه- قال لما قبض رسول الله ﷺ ارتدت العرب وقالوا لا نؤدى زكوة فقال ابو بكر لو منعونى عقالا لجاهدتهم عليه فقلت يا خليفة رسول الله تالف الناس وارفق بهم فقال لى أجبّار في الجاهلية وخوّار في الإسلام انه قد انقطع الوحى وتم الدين أينقص وانا حى رواه رزين-.
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ مبتدأ وخبر والمعنى انه تعالى هو المستحق للعبادة لا غير الْحَيُّ هو الذي يصح ان يعلم ويسمع ويبصر ويقدر ويريد وكل ما يصح له فهو واجب له ما زال ولا يزال ثابت له ازلا وابدا لامتناعه عن القوة والإمكان فالحيوة صفة لله تعالى سبد الجميع صفات الكمال الْقَيُّومُ ٥ قرا عمرو ابن مسعود القيّام وقرا علقمة القيّم- قال البغوي كلها لغات بمعنى واحد قال ابن مجاهد القيوم القائم على كل شىء قال الكلبي القائم على كل نفس بما كسبت وقيل هو القائم بالأمور وقال ابو عبيدة الذي لا يزول وقال البيضاوي الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه فيقول من قام بالأمر إذا حفظه وقال السيوطي الدائم البقاء قلت مرجع الأقوال انه دائم الوجود القائم بنفسه وقيم الأشياء كلها لا يتصور قيام شىء وبقاؤه

صفحة رقم 357

إلا به فمقتضى هذا الاسم ان ما سواه يحتاج اليه في بقائه كما يحتاج اليه في وجوده كالظل بالنسبة الى الأصل بل أشد منه احتياجا ولله المثل الأعلى لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ السنة فتور يتقدم النوم في الوجود ولذا قدم ذكره مع ان قياس المبالغة يقتضى العكس- والنوم حالة تعرض الحيوان من استرخاء أعضاء الدماغ من رطوبات الابخرة المتصاعدة بحيث يعطل الحواس الظاهرة عن الاحساس رأسا- وهذه الجملة صفة سلبية ينفى التشبيه فهى تأكيد لكونه حيا قيوما فانه من اخذه نعاس او نوم كان ما دون الحيوة فان النوم أخ الموت قاصرا في حفظ الأشياء وقيوميتها ولذاك ترك العاطف عن ابى موسى رضى الله عنه قال قام فينا رسول الله ﷺ بخمس كلمات فقال ان الله لا ينام ولا ينبغى له ان ينام- يخفض «١» القسط ويرفعه- يرفع اليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل- «٢» حجابه النور لو كشفت لا حرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه رواه مسلم لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تقرير لقيوميته واحتجاج على تفرده في الالوهية والمراد بما فيهما ما وجد فيهما داخلا في حقيقتهما او خارجا عنهما متمكنا فيهما فهو ابلغ من قولنا له السموات والأرض وما فيهن مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ بيان لكبرياء شأنه وانه لا أحد يساويه او يدانيه يستقل بان يدفع ما يريده شفاعة فضلا من ان يعاوقه مناصبة يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ اى ما قبلهم وما بعدهم- او ما يدركونه وما لا يدركونه- او ما يأخذونه وما يتركونه- فان ما تركوه كانهم نبذوه خلف ظهورهم- والضمير لما في السموات والأرض تغليبا للعقلاء على غيرهم او لمدلول ذا من الملائكة والأنبياء وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ اى من معلوماته انما قيد بقوله من علمه مع ان كل شىء معلومه تنبيها على ان المراد بالاحاطة الإحاطة العلمية- ولم يقل ولا يعلمون شيئا تنبيها على ان العلم التام المحيط بكنه الأشياء كلها مختص به تعالى ولا يوجد احاطة علم غيره بكنه شىء الا نادرا- او المراد بعلمه العلم المختص به وهو علم الغيب فهم لا يحيطون بشىء من علم الغيب إِلَّا بِما شاءَ احاطته وذلك قليل قال الله تعالى وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا والواو في ولا يحيطون اما للحال من فاعل يعلم ما بين أيديهم او للعطف وانما ذكر بالعطف لان مجموع الجملتين يدل على تفرده بالعلم الذاتي التام المحيط بأحوال خلقه

(١) قال البغوي ولكنه يخفض القسط ويرفعه اليه عمل الليل ١٢ منه
(٢) قال البغوي ورواه المسعودي عن عمرو بن مرة وقال حجاب الدار ١٢ منه

صفحة رقم 358

الدال على وحدانيته وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قال البيضاوي تصوير لعظمته وتمثيل مجرد ولا كرسى في الحقيقة ولا قاعد وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أراد بالكرسي علمه وهو قول مجاهد ومنه قيل لصحيفة العلم كراسة وقيل كرسيه ملكه وسلطانه والعرب تسمى الملك القديم كرسا- قلت ولو كان الكرسي بمعنى العلم او الملك كان هذه الجملة بعد قوله له ما في السّموت وما في الأرض يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم مستدركا والمشهور عند المحدثين ان الكرسي جسم قال البغوي اختلفوا في الكرسي قال الحسن هو العرش نفسه وقال ابو هريرة الكرسي موضوع امام العرش ومعنى قوله وسع كرسيّه السّموت والأرض اى سعته مثل سعة السموات والأرض- وروى ابن مردوية من حديث ابى ذر عن رسول الله ﷺ ما السموات السبع والأرضون السبع مع الكرسي الا كحلقة في فلاة- وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ويروى عن ابن عباس ان السموات السبع في الكرسي كدراهم سبعة ألقيت في ترس وقال على ومقاتل كل قائمة من الكرسي طولها مثل السموات السبع والأرضين السبع وهو بين يدى العرش ويحمد الكرسي اربعة املاك لكل ملك اربعة وجوه وأقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة السفلى مسيرة خمسمائة عام ملك على صورة سيد البشر آدم عليه السلام وهو يسئل للادميين الرزق من السّنة الى السّنة وملك على صورة سيد الانعام وهو الثور وهو يسئل للانعام الرزق من السنة الى السنة وعلى وجهه عضاضة منذ عبد العجل وملك على صورة سيد السباع وهو الأسد يسئل للسباع الرزق من السنة الى السنة وملك على صورة سيد الطير وهو النسر يسئل للطير الرزق من السنة الى السنة وفي بعض الاخبار ان بين حملة العرش وحملة الكرسي سبعين حجابا من ظلمة وسبعين حجابا من نور غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة سنة لولا ذلك لاحترقت حملة الكرسي من نور حملة العرش والكرسي في الأصل اسم لما يقعد عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد كانه منسوب الى الكرسي وهو «١» ضم الشيء بعضه الى بعض- ونسبة الكرسي الى الله تعالى كنسبة العرش اليه وكذا نسبت بيت الله اليه لنوع من التجلي مختص به وقد ذكرنا فى تفسير قوله تعالى فسوهنّ سبع سموات ان المستنبط من الحديث ان العرش كروى محيط بالسماوات وما ذكرنا هاهنا من حديث ابى ذر يستفاد منه ان الكرسي محيط بالسماوات والعرش

(١) فى الأصل وهم-

صفحة رقم 359

محيط به واحاطة بعضها بعضا يقتضى كون كل منها كرويا ومن هاهنا قال من قال ان الكرسي هو الفلك الثامن والعرش الفلك التاسع- ولعل العرش والكرسي متبائتان من السموات في الماهية وممتازان بانواع التجليات ومن ثم لم يعد «الله من السموات ولم يزد عدد السموات على سبع والله اعلم وَلا يَؤُدُهُ اى لا يثقله مأخوذ من الأود وهو الاعوجاج حِفْظُهُما اى السموات والأرض او الكرسي وما وسعه فهذه الجملة مع ما عطف عليه بيان لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها او لجلاله وعظمة قدره وعموم قيوميته للاشياء فهاتين الجملتين كان كحكم جملة واحدة ولمّا كان كل جملة منها تأكيدا وبيانا لما سبق لم يذكر العاطف بين تلك الجمل وَهُوَ الْعَلِيُّ المتعالي عن الانداد والأشباه ليس كمثله شىء في الذات ولا في شىء من الصفات بوجه من الوجوه فهو متعال من ان يحمده الحامدون ويصفه الواصفون كما يليق به الْعَظِيمُ (٢٥٥) المستحقى بالاضافة اليه كل ما سواه- ولما كانت هذه الاية خالصة في مباحث الذات والصفات دالة على كونه تعالى هو المتوحد بالوجود المتأصل المتصف بصفات الكمال من الحيوة وما يستتبعه من العلم والقدرة والارادة والسمع والبصر والكلام المفيض للوجود والتقوم لكل ما سواه بحيث يكون قيام كل ما سواه به تعالى لا كقيام العرض بالعين كما يتوهم من كلام بعض الأكابر حيث قال العالم اعراض مجتمعة في عين واحد بل على نحو لا يسعه مجال الخيال واقرب العبارات التي يعبر بها ذلك القيام انه تعالى اقرب إلينا من حبل الوريد المنزه عن التحيز والحلول والمبرا عن التغير والفتور مالك الملك والملكوت ذو البطش الشديد الذي لا يطاق انتقامه الا بشفاعة من اذن له عالم بالأشياء علما محيطا بالاحاطة التامة بكنه كل جلى وخفى متوحدا بعلومه لا يعلم أحد شيئا منها الا بتعليمه واسع الملك والقدرة يتجلى على بعض مخلوقاته تجليا لا ينافى علو تنزيهه لا يؤده شاق ولا يغنيه شأن عن شأن متعال عما لا يليق به بل متعال من ان يصفه الواصفون عجز عن حمده من بيده لواء الحمد يوم القيامة حيث قال أنت كما أثنيت على نفسك عظيم يستحقر بإضافته كل شىء ولا يحيط به علم عالم ولا تناسب عظمته عبادة عابد معترف بالقصور في عبادته اسبق السابقين حيث قال ما عبدناك حق

صفحة رقم 360

عبادتك فلذلك لما قيل يا رسول الله اىّ اية أعظم قال اية الكرسي اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ- ولما قيل اى سورة أعظم قال قل هو الله أحد رواه الدارمي من حديث اسقع بن عبد الكلاعى- واخرج الحارث بن اسامة عن الحسن مرسلا أعظم اية اية الكرسي واخرج مسلم من حديث ابى بن كعب قال قال رسول الله ﷺ «١» يا أبا المنذر اى اية من كتاب الله أعظم قلت الله لا الله الّا هو الحىّ القيّوم قال فضرب في صدرى وقال ليهنئك العلم ثم قال والذي نفسى بيده ان لهذه الاية لسانا وشفتين يقدس الملك عند ساق العرش قلت لعل معنى هذا الحديث ان حملة العرش يقدسون الله بهذه الاية- والظاهر ان يقال لكل شىء صورة في المثال حتى القران وآياته ورمضان وغير ذلك واخرج ابن مردوية من حديث ابن مسعود- وابن راهويه في مسنده من حديث عوف بن مالك- وأحمد ومالك من حديث ابى ذر نحوه واخرج الترمذي والحاكم من حديث ابى هريرة مرفوعا سيد اى القران اية الكرسي اخرج احمد من حديث انس اية الكرسي ربع القران وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ من قرا حين يصبح اية الكرسي وايتين من حم تنزيل الكتب من الله العزيز العليم حفظ من يومه ذلك حتى يمسى فان قراها حين يمسى حفظ من ليلته تلك حتى يصبح رواه الترمذي والدارمي وقال الترمذي هذا حديث غريب وعن ابى هريرة قال وكلنى رسول الله ﷺ بحفظ زكوة رمضان فاتى ات فجعل بحثوا من الطعام فاخذته وقلت لا رفعنك الى رسول الله ﷺ فقال انى محتاج وعلىّ عيال ولى حاجة شديدة فخليت عنه فاصبحت فقال النبي ﷺ يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة قلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا
فرحمته فخليت سبيله قال اما انه قد كذبك وسيعود فعرفت انه سيعود لقول رسول الله ﷺ انه سيعود فرصدته فجاء يحثوا من الطعام فاخذته فقلت لا رفعنك الى رسول الله ﷺ قال دعنى إلخ كما قال اولا وقال رسول الله ﷺ كما قال اولا ثم قال ابو هريرة في المرة الثالثة هذا اخر ثلاث مرات انك تزعم لا تعود ثم تعود قال دعنى أعلمك كلمات ينفعك الله بها إذا أويت الى فراشك فاقرأ اية الكرسي اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الاية فانك لن تزال عليك من الله حافظا ولا يقربك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله- فاصبحت فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(١) فى الأصل بغير النداء

صفحة رقم 361
التفسير المظهري
عرض الكتاب
المؤلف
القاضي مولوي محمد ثناء الله الهندي الفاني فتي النقشبندى الحنفي العثماني المظهري
تحقيق
غلام نبي تونسي
الناشر
مكتبة الرشدية - الباكستان
سنة النشر
1412
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية