آيات من القرآن الكريم

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ

وقوله: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ (٢٤٨)
وكأنهم سألوا نبيهم: ما آية ملكه؟
فقال لهم نبيهم: إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت تحمله الملائكة.
ذكر في القصة: أن التابوت يكون مع الأنبياء، إذا حضروا قتالا قدموا التابوت من بين أيديهم إلى العدو، ويستنصرون به على عدوهم. وفيه سكينة، كأنها رأس هرة فإذا أن ذلك الرأس سمع التابوت أنين ذلك الرأس دف نحو العدو، وهم يمضون معه ما مضى، فإذا استقر ثبتوا خلفه. فلما هربت بنو إسرائيل وعصوا الأنبياء سلط اللَّه تعالى عليهم عدوهم، وأخذوا منه التابوت لما سئموا وملوا، ثم رد عليهم بعد زمان طويل، وجعل ذلك آية من آيات ملك طالوت. فلا ندري كيف كانت القصة.
ثم اختلف في قوله: (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ).
قيل: (سَكِينَةٌ)، ريح هفافة، فيها صورة كوجه الإنسان.
وقيل: السكينة لها وجه كوجه الهرة، لها جناحان، فإذا تصوتت عرفوا النصرة.
وقيل: السكينة: طست من ذهب من الجنة، كان يغسل فيه قلوب الأنبياء (١).
وقيل: (فِيه)، أي: في التابوت (سَكينَةٌ)، أي طمأنينة من ربكم، كأن التابوت في أي مكان كان اطمأنوا إليه وسكنوا.
فلا ندري ما السكينة؟ سوى أننا عرفنا أن قلوبهم كانت تسكن إليه وتطمئن. فليس لنا إلى معرفة (السكينة)، وكيفيتها حاجة.
وقوله: (وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
قيل: " البقية " فيه رضاض الألواح -وهو كسرها- وثياب موسى، وثياب هارون. وقيل: عصا موسى، وعصا هارون.

(١) أكثر هذه الأقوال من الإسرائيليات المنكرة.

صفحة رقم 225

وقيل: (البقية) قفيز من مَنٍّ، وهو الترنجبين الذي كان يأكله بنو إسرائيل في أرض التيه.
وقيل: فيه سُنَّة موسى وهارون، وعلمهما. واللَّه أعلم بذلك.
وفي الآية دليل جرى الآية على أيدي الأولياء، لما أعطى لطالوت آية لملكه تشبه آيات الأنبياء حيث أخبر أنه كان (تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ) هي القوة في داره، وهم كانوا لم يمروا ذلك وقت حمل الملائكة إياه، لكن تلك الآيات في الحاصل تكون للأنبياء يجريها اللَّه تعالى على أيدي الأولياء إلا أن يكون للأولياء ذلك. ثم من ادعى من الأولياء بتلك الآيات النبوة لنفسه يعجزه اللَّه تعالى عن ذلك، ويخرج الآية من أن تصير آية له، نحو من أتى مدينة من المدائن التي لم يبلغ أهلها هذا القرآن، ولا عرفوه ولا سمعوا ذلك من أحد قط، فجعل يقرأ ذلك عليهم عن ظهر قلبه، وادعى بذلك رسالة لنفسه، أيسع أهل ذلك البلد أن يصدقوه فيما ادعى، أم لا؟ فإن لأصحابنا، رحمهم اللَّه تعالى، جوابان:
أحدهما: بأن في القران ما يظهر به كذب هذا المدعى في دعوته من نحو قوله: (يَسْأَلُونَكَ) عن كذا، ومن نحو الأخبار، والحكايات، والقصص التي فيها مما لا يحتمل كونها إلا بتقدم أسباب فيكذبه ذلك، فلم يلزمهم تصديقه. وباللَّه العصمة.
والثاني: قالوا: إذا ادعى ذلك به يعجزه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عن تلاوته، وإجرائه على لسانه، وادعاء ما ادعى بذلك. وكأن هذا أقرب. واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٥٠) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٢٥١) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢).

صفحة رقم 226
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية