آيات من القرآن الكريم

۞ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ

وقوله: تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ... (٢٢٦)
التربّص إلى الأربعة. وعليه القرّاء. ولو قيل فِي مثله من الكلام: تربص أربعة أشهر كان صوابا كما قرءوا «أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ» «١» وكما قَالَ «أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً» «٢» والمعنى تكفتهم «٣» أحياء وأمواتا.
ولو قيل فِي مثله من الكلام: كفات أحياءٍ وأمواتٍ كان صوابا. ولو قيل:
تربص: أربعة أشهر كما يقال فِي الكلام: بيني وبينك سير طويل: شهر أو شهران تجعل السير هُوَ الشهر، والتربص هُوَ الاربعة «٤». ومثله «فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ» «٥» وأربع شهادات. ومثله «فَجَزاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» «٦» فمن رفع (مثل) فإنه أراد: فجزاؤه مثل ما قتل. قال: وكذلك رأيتها فِي مصحف عَبْد اللَّه «فَجَزاؤُهُ» بالهاء، ومن نصب (مثل) أراد: فعليه أن يجزى مثل ما قتل من النعم.
فَإِنْ فاؤُ يقال: قد فاءوا يفيئون فيئا وفيوءا. والفيء: أن يرجع إلى أهله فيجامع.
وقوله: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ... (٢٢٨)
وفي قراءة عَبْد اللَّه «بردتهن».
وقوله: إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ... (٢٢٩)
وفي قراءة عَبْد اللَّه «إلا أن تخافوا» فقرأها حمزة على هذا المعنى «إِلَّا أَنْ يَخافا» ولا يعجبني ذلك. وقرأها بعض «٧» أهل المدينة كما قرأها حمزة. وهي فِي قراءة أبيّ

(١) آيتا ١٤، ١٥ سورة البلد.
(٢) آيتا ٢٥، ٢٦ سورة المرسلات.
(٣) فى أ: «تكفتهما».
(٤) جواب لو حذف أي جاز مثلا. ويكثر من المؤلف هذا.
(٥) فى آية ٦ سورة النور.
(٦) آية ٩٥ سورة المائدة.
(٧) هو أبو جعفر يزيد بن القعقاع أحد القراء العشرة، وانظر البحر ٢/ ١٩٧.

صفحة رقم 145

«إلا أن يظنا ألا يقيما حدود اللَّه» والخوف والظن متقاربان فِي كلام العرب.
من «١» ذلك أن الرجل يقول: قد خرج عبدك بغير إذنك، فتقول أنت: قد ظننت ذاك، وخفت ذاك، والمعنى واحد. وقال الشاعر:

أتاني كلام عن نصيب يقوله وما خفت يا سلام أنك عائبي «٢»
وقال الآخر:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمه تروى عظامي بعد موتى عروقها
[ولا تدفنني فِي الفلاة فإنني أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها] «٣»
والخوف فِي هذا الموضع كالظن. لذلك رفع «أذوقها» كما رفعوا «٤» «وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ» «٥» وقد روى عَنْهُ صلى اللَّه عليه وسلم (أمرت بالسواك «٦» حَتَّى خفت لأدْرَدَنَّ «٧» ) كما تقول: ظن ليذهبن.
وأما ما قال حمزة فإنه إنّ كان أراد اعتبار قراءة عَبْد اللَّه فلم يصبه- والله أعلم- لأن الخوف إنما وقع على (أن) وحدها إذ قال: ألا يخافوا أن لا، وحمزة قد أوقع الخوف على الرجل والمرأة وعلى أن «٨» ألا ترى أن اسمهما فِي الخوف مرفوع بما لم يسم فاعله. فلو أراد ألا يخافا على هذا، أو يخافا بذا، أو من ذا، فيكون على غير
(١) فى ش، ج: «فى» وهو تحريف.
(٢) كذا فى ش. وفى ج «عاينى».
(٣) سقط هذا البيت فى ش، ج، ولا بد منه لأنه موضع الشاهد. وهما لأبى محجن الثقفي.
(٤) أي القراء.
(٥) آية ٧١ سورة المائدة. [.....]
(٦) فى ج: «بالسؤال» وما هنا عن ش. ويبدو فيه أثر الإصلاح.
(٧) الدرد: ذهاب الأسنان. ولفظ الحديث فى الجامع الصغير: «أمرت بالسواك حتى خفت على أسنانى».
(٨) يريد أنه على قراءة حمزة (يخافا ألا يقيما) ببناء الفعل للمفعول يكون الفعل قد عمل فى نائب الفاعل: وفى أن ومعمولها، وكأن الفعل قد عمل فى أكثر من معمول واحد الرفع، وهذا غير مألوف إلا على وجه التبعية. والنحويون يصححون هذا الوجه بأن يكون (ألا يقيما) بدل اشتمال من نائب الفاعل.

صفحة رقم 146

اعتبار قول عَبْد اللَّه [كان] «١» جائزا كما تقول للرجل: تخاف لأنك خبيث، وبأنك، وعلى أنك....
وقوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما يقال كيف قال:
فلا جناح عليهما، وإنما الجناح- فيما يذهب إليه الناس- على الزوج لأنه أخذ ما أعطى؟
ففي ذلك وجهان:
أن يراد الزوج دون المرأة، وإن كانا قد ذكرا جميعا فى «٢» سورة الرحمن «يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ» «٣» وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح لا من العذب. ومنه «نَسِيا حُوتَهُما» «٤» وإنما الناسي صاحب مُوسَى وحده. ومثله فِي الكلام أن تقول: عندي دابتان أركبهما وأستقي عليهما، وإنما يركب إحداهما ويستقى على الأخرى وقد يمكن أن يكونا جميعا تركبان ويستقى عليهما. وهذا من سعة العربية التي يحتج بسعتها. ومثله من كتاب اللَّه «وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ» «٥» فيستقيم فِي الكلام أن تقول: قد جعل اللَّه لنا ليلا ونهارا نتعيش فيهما وننام فيهما. وإن شئت ذهبت بالنوم إلى الليل وبالتعيش إلى النهار.
والوجه الآخر أن يشتركا جميعا فِي ألا يكون عليهما جناح إذ كانت تعطي ما قد نفى عن الزوج فِيهِ الإثم، أشركت فِيهِ لأنها إذا أعطت ما يطرح فيه المأثم احتاجت هِيَ إلى مثل ذلك. ومثله قول اللَّه تبارك وتعالى: «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» «٦» وإنما موضع طرح الإثم فِي المتعجل، فجعل

(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) هذا استئناف كلام لذكر نظير لما سلف. وفى الطبري:
«كما قال فى سورة... ».
(٣) آية ٢٢ سورة الرحمن.
(٤) آية ٦١ سورة الكهف.
(٥) آية ٧٣ سورة القصص.
(٦) آية ٢٠٣ سورة البقرة.

صفحة رقم 147

للمتأخر- وهو الَّذِي لم يقصر- مثل ما جعل على المقصر. ومثله فِي الكلام قولك: إن تصدقت سرا فحسن [وإن تصدقت جهرا فحسن] «١».
وفي قوله «وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» وجه آخر وذلك أن يريد: لا يقولن هذا المتعجل للمتأخر: أنت مقصر، ولا المتأخر للمتعجل مثل ذلك، فيكون قوله «فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» أي فلا يؤثمن أحدهما صاحبه.
وقوله: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا يريد: فلا جناح عليهما فِي أن يتراجعا «٢»، (أن) فِي موضع نصب إذا نزعت الصفة «٣»، كأنك قلت: فلا جناح عليهما أن يراجعها، قال وكان الكسائي يقول: موضعه خفض. قال الفراء: ولا أعرف ذلك.
وقوله إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما (أن) فِي موضع نصب لوقوع الظن عليها.
وقوله: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا (٢٣١) كان الرجل منهم إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثانية. وكان إذا أراد أن يضر بها تركها حَتَّى تحيض الحيضة الثالثة ثُمَّ يراجعها، ويفعل ذلك فِي التطليقة الثانية. فتطويله لرجعتها هو الضرار بها.
وقوله: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ (٢٣٢) يقول: فلا تضيقوا عليهن أن يراجعن أزواجهن بمهر جديد إذا بانت إحداهن من زوجها، وكانت هذه أخت معقل، أرادت أن تزوج زوجها الأوّل بعد ما انقضت عدتها فقال معقل لها: وجهي من وجهك حرام إن راجعته، فأنزل اللَّه عز وجل:
فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ.

(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) كذا فى ج. وفى ش: «يراجعا».
(٣) يريد بها حرف الجرّ.

صفحة رقم 148

وقوله ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ ولم يقل: ذلكم، وكلاهما صواب. وإنما جاز أن يخاطب القوم «بذلك» لأنه حرف قد كثر فِي الكلام حَتَّى توهم بالكاف أنها (من الحرف) «١» وليست بخطاب. ومن قال «ذلِكَ» جعل الكاف منصوبة «٢» وإن خاطب امْرَأَة أو امرأتين أو نسوة. ومن قال «ذلكم» أسقط التوهم، فقال إذا خاطب الواحد: ما فعل ذلك الرجل، وذانك الرجلان، وأولئك الرجال. [و] «٣» يقاس على هذا ما ورد. ولا يجوز أن تقول فِي سائر الاسماء إذا خاطبت إلا بإخراج «٤» المخاطب فِي الاثنين والجميع والمؤنث كقولك للمرأة: غلامك فعل ذلك لا يجوز نصب الكاف ولا توحيدها فِي الغلام لأن الكاف هاهنا لا يتوهم أنها من الغلام.
ويجوز أن تقول: غلامك فعل ذاك وذاك، على ما فسرت لك: من الذهاب بالكاف إلى أنها من الاسم.
وقوله: الرَّضاعَةَ (٢٣٣) القراء تقرأ بفتح الراء. وزعم الكسائي أن من العرب من يقول: الرضاعة بالكسر. فإن كانت فهي بمنزلة الوكالة والوكالة، والدلالة والدلالة، ومهرت «٥» الشيء مهارة ومهارة والرضاع والرضاع فِيهِ مثل ذلك إلا أن فتح الراء أكثر، ومثله الحصاد والحصاد.
وقوله لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها يريد: لا تضارر «٦»، وهو فِي موضع جزم. والكسر فِيهِ جائز «لا تُضَارَّ والِدَةٌ» ولا يجوز رفع الراء على نية الجزم، ولكن يرفعه على

(١) أي جزء من الكلمة التي تلحق بها وهى اسم الإشارة كذا وفروعها. ولا يريد بالحرف ما قابل الاسم.
(٢) أي مفتوحة. [.....]
(٣) زيادة يسيغها السياق.
(٤) أي ذكره وإيراده.
(٥) أي حذفته. ويقال أيضا: مهر فيه.
(٦) فى ش، ج: «تضارّوهم» ويبدو أنه تحريف عما أثبتنا. وفى الطبري: «قرأ عامة قرّاء أهل الحجاز والكوفة والشام (لا تضارّ) بفتح الراء بتأويل لا تضارر على وجه النهى، وموضعه إذا قرى كذلك جزم... ».

صفحة رقم 149

الخبر. وأما قوله «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً» «١» فقد يجوز أن يكون رفعا على نية الجزم لأن الراء الأولى مرفوعة فِي الاصل، فجاز رفع الثانية عليها، ولم يجز (لا تضارّ) بالرفع لأن الراء إن كانت تفاعل فهي مفتوحة، وإن كانت تفاعل فهى مكسورة. فليس يأتيها الرفع إلا أن تكون فِي معنى رفع. وقد قرأ عُمَر بْن الخطاب «ولا يضارر كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ».
ومعنى لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها يقول: لا ينزعن ولدها منها وهي صحيحة لها لبن فيدفع إلى غيرها. «وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» يعني الزوج. يقول: إذا أرضعت صبيها وألفها وعرفها فلا تضارن «٢» الزوج فِي دفع ولده إليه.
وقوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ (٢٣٤) يقال: كيف صار الخبر عن النساء ولا خبر للأزواج، وكان ينبغي أن يكون الخبر عن الَّذِينَ؟ فذلك جائز إذا ذكرت أسماء ثُمَّ ذكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر أن تترك الأول ويكون الخبر عن المضاف إليه. فهذا من ذلك لأن المعنى- والله أعلم- إنما أريد به: ومن مات عَنْهَا زوجها تربصت. فترك الأول بلا خبر، وقصد الثاني لأن فِيهِ الخبر والمعنى. قَالَ: وأنشدني بعضهم:

بني أسد إن ابن قيس وقتله بغير دم دار المذلة حلت «٣»
فألقى (ابن قيس) وأخبر عن قتله أنه ذل. ومثله:
لعلى إن مالت بي الريح ميلة على ابن أبى ذبّان أن يتندّما «٤»
(١) آية ١٢٠ سورة آل عمران.
(٢) فى ش: «تضارون» وهو تحريف.
(٣) فى ج: «خلت» بدل «حلت». وكأنه يريد: إن قتله دار المذلة حلت له، فجملة «حلت» خبر «دار المذلة» والرابط محذوف.
(٤) أبو ذبان كنية عبد الملك بن مروان، كنى بذلك لبخر كان به من أثر فساد كان فى فمه. ويعنى الشاعر بابنه هشام بن عبد الملك. وانظر اللسان (ذنب)، والحيوان ٣/ ٣٨١.

صفحة رقم 150

فقال: لعلى ثُمَّ قال: أن يتندما لأن المعنى: لعل ابن أَبِي ذبان أن يتندم إن مالت بي الريح. ومثله قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ «١» إلا أن الهاء من قوله وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ رجعت على (الذين) فكان الإعراب فيها أبين لأن العائد من الذكر قد يكون خبرا كقولك: عَبْد اللَّه ضربته.
وقال: وَعَشْراً ولم يقل: «عشرة» وذلك أن العرب إذا أبهمت العدد من الليالي والأيام غلبوا عليه الليالي حَتَّى إنهم ليقولون: قد صمنا عشرا من شهر رمضان- لكثرة تغليبهم الليالي على الأيام. فإذا أظهروا مع العدد تفسيره كانت الإناث بطرح الهاء، والدّكران بالهاء كما قال اللَّه تبارك وتعالى: «سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً» «٢» فأدخل الهاء فِي الأيام حين ظهرت، ولم تدخل فِي «٣» الليالي حين ظهرن.
وإن جعلت العدد غير متّصل بالأيام كما يتصل الخافض بما بعده غلبت الليالي أيضا على الأيام. فإن اختلطا فكانت ليالي وأياما غلبت التأنيث، فقلت: مضى له سبع، ثُمَّ تقول بعد: أيام فيها برد شديد. وأما المختلط فقول الشاعر «٤» :

أقامت ثلاثا بين يوم وليلة وكان النكير أن تضيف وتجارا
فقال: ثلاثا وفيها أيام. وأنت تقول: عندي ثلاثة بين غلام وجارية، ولا يجوز هاهنا ثلاث لأن الليالي من الأيام تغلب الأيام. ومثل ذلك فى الكلام أن تقول:
(١) آية ٢٤٠ سورة البقرة.
(٢) آية ٧ سورة الحاقة:
(٣) سقط فى ج.
(٤) هو النابغة الجعدي. والبيت من قصيدة مدح فيها النبي ﷺ وأوّلها:
خليلى عوجا ساعة وتهجرا ولو ما على ما أحدث الدهر أو ذرا
وقد وصف فى البيت الشاهد بقرة وحشية أكل السبع ولدها، فأقامت ثلاثة أيام تطلبه حتى وجدت شلوه وبقيته فأضافت أي حزنت وأشفقت أو ضافت أي تردّدت وذهبت هنا وهنا لا تلوى على شىء من فرط أساها، وحأرت وصاحت وكان هذا كل ما وسعها، ولم يكن لها نكير ما أصابها غير ما ذكر. وتضيف بضم التاء من أضاف، أو بفتحها من ضاف. وانظر شواهد العيني على هامش الخزانة ٢/ ١٩٣

صفحة رقم 151

عندي عشر من الإبل وإن عنيت أجمالا، وعشر من الغنم والبقر. وكل جمع كان واحدته بالهاء وجمعه بطرح الهاء، مثل البقر واحدته بقرة، فتقول: عندي عشر من البقر وإن نويت ذكرانا. فإذا اختلطا وكان المفسر من النوعين قبل صاحبه أجريت العدد فقلت: عندي خمس عشرة ناقة وجملا، فأنثت لأنك بدأت بالناقة فغلبتها.
وإن بدأت بالجمل قلت: عندى خمسة عشر جملا وناقة. فإن قلت: بين ناقة وجمل فلم تكن مفسرة غلبت التأنيث، ولم تبال أبدأت بالجمل أو بالناقة فقلت: عندي خمس عشرة بين جمل وناقة. ولا يجوز أن تقول: عندي خمس عشرة أمة وعبدا، ولا بين أمة وعبد إلا بالتذكير لأن الذكران من غير ما ذكرت لك لا يجتزأ منها بالإناث، ولأن الذكر منها موسوم بغير سمة الأنثى، والغنم والبقر يقع على ذكرها وأنثاها شاة وبقرة، فيجوز تأنيث المذكر لهذه الهاء التي لزمت المذكر والمؤنث.
وقوله مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ الخطبة مصدر بمنزلة الخطب، وهو مثل قولك:
إنه لحسن القعدة والجلسة يريد القعود والجلوس، والخطبة مثل الرسالة التي لها أول وأخر، قال: سمعت بعض العرب [يقول] «١» : اللهم ارفع عنا هذه الضغطة، كأنه ذهب إلى أن لها أولا وآخرا، ولو أراد مرة لقال: الضغطة، ولو أراد الفعل لقال الضغطة كما قال المشية. وسمعت آخر يقول: غلبني [فلان] «٢» على قطعة لى من أرضى يريد أرضا مفروزة مثل القطعة لم تقسم، فإذا أردت أنها قطعة من شيء [قطع منه] «٣» قلت: قطعة.
وقوله: أَوْ أَكْنَنْتُمْ للعرب فِي أكننت الشيء إذا سترته لغتان «٤» : كننته وأكننته، قال: وأنشدوني «٥» قول الشاعر:

ثلاث من ثلاث قدامياتٍ من اللاتي تكن من الصقيع
(١) زيادة فى اللسان (خطب).
(٢، ٣) زيادة فى اللسان (قطع). [.....]
(٤) كذا فى اللسان (كنن). وفى الأصول: «إذا سرّته لغتان».
(٥) كذا فى اللسان. وفى الأصول: «أنشدنى».

صفحة رقم 152
معاني القرآن للفراء
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء
تحقيق
أحمد يوسف نجاتي
الناشر
دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية