آيات من القرآن الكريم

۞ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ

الى هنا حُدُودَ اللَّهِ اى أحكامه المعينة المحمية من التعرض لها بالتغيير والمخالفة يُبَيِّنُها بهذا البيان لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ اى يفهمون ويعملون بمقتضى العلم وتخصيصم بالذكر مع عموم الدعوة والتبليغ لما انهم المنتفعون بالبيان والجاهل إذا بين له لا يحفظ ولا يتعاهد

نكته گفتن پيش كز فهمان ز حكمت بيگمان جوهرى چند از جواهر ريختن پيش خرست
ثم ان الحكمة في اشتراط إصابة الزوج الثاني في التحليل وعدم كفاية مجرد العقد فيه الردع عن المسارعة الى الطلاق فان الغالب ان يستنكر الزوج ان يستفرش زوجته رجل آخر وهذا الردع انما يحصل بتوقف الحل على الدخول واما مجرد العقد فليس منه زيادة نفرة وتهييج غيرة فلا يصلح توقف الحل عليه رادعا وزاجرا عن التسرع الى الطلاق والنكاح المعقود بشرط التحليل وهو ان يشترط في النكاح ان يقتصر على قدر التحليل ولا يستديم زوجيتها فاسد عند الأكثر وجائز عند ابى حنيفة مع الكراهة وعنه انهما ان أضمرا التحليل ولم يصرحا به فلا كراهة وفي شرح الزيلعى لو خافت المرأة المطلقة ثلاثا ان لا يطلقها المحلل فقالت زوجتك نفسى على ان امرى بيدي اطلق نفسى كلما أردت فقبل جاز النكاح وصار الأمر بيدها وفيه ايضا ومن لطائف الحيل فيه ان تزوج المطلقة من عبد صغير تتحرك آلته ثم تملكه بسبب من الأسباب بعد ما وطئها فيفسخ النكاح بينهما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم (لعن الله المحلل والمحلل له) المحلل بكسر اللام والمراد به الزوج الثاني والمحلل له بفتح اللام والمراد به الزوج الاول فان قلت ما معنى لعنهما قلت معنى اللعن على المحلل لانه نكح على قصد الفراق والنكاح شرع للدوام وصار كالتيس المستعار والتيس هو الذكر من الغنم وقد يستعيره الناس لاستيلاد الغنم واللعن على المحلل له لانه صار سببا لمثل هذا النكاح والمتسبب شريك المباشر فى الإثم والثواب. او المراد من اللعن اظهار خساستهما اما خساسة المحلل فلمباشرته مثل هذا النكاح بدليل قوله عليه السلام (الا أنبئكم بالتيس المستعار) واما خساسة المحلل له فلمباشرة ما ينفر عنه الطبع السليم من عودها اليه بعد مضاجعة غيره إياها واستمتاعه بها لا حقيقة اللعن إذ هو لا يليق بمنصب الرسالة في حق الامة لانه عليه الصلاة والسلام لم يبعث لعانا والاشارة في الآية ان اهل الصحبة لما تجاوزوا عن زلة الاخوان مرة ومرتين ثم في الثالثة ان سلكوا طريق الهجران وخرجوا عن مصاحبة الاخوان فلا يحل للاخوان ان يواصلوا الخوان حتى يصاحب الخائن صديقا مثله فان ندم بعد ذلك على أفعاله وسئم من ذلك الصديق وأمثاله وترك صحبته وخرج عن خصاله ورجع الى صحبة إخوانه واشكاله فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما شرائط العبودية والصحبة في الله وتلك طرق قربات الله والسائرين الى الله يبينها بالتصريح والتعريض والعبارات والإشارات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ المعاريض ويفهمون الإشارات كذا فى التأويلات النجمية قال احمد بن حضرويه الطريق واضح والدليل لائح والداعي قد اسمع فما التحير بعد هذا الا من العمى: قال الحافظ
وصف رخساره خورشيد ز خفاش مپرس كه درين آينه صاحب نظران حيرانند
وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ اى نساءكم فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ اى آخر عدتهن وشارفن منتهاها

صفحة رقم 359

ولم يرد حقيقة انقضاء العدة لان العدة إذا انقضت لم يكن للزوج إمساكها بالمعروف نزلت في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق امرأته حتى إذا قرب انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها بقصد مضارتها فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ اى راجعوهن من غير طلب إضرار لهن بالرجعة. والمعروف ما ألفته العقول واستحسنته النفوس شرعا وعرفا وعادة والمراد به هنا حسن المعاشر أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ او خلوهن حتى تنقضى عدتهن من غير تطويل وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً اى ولا تراجعوهن ارادة الإضرار بهن بتطويل العدة والحبس على ان يكون انتصاب ضرارا على العلة او مضارين على الحال فان قلت لا فرق بين قوله فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وبين قوله لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لان الأمر بالشيء نهى عن ضده فما الفائدة في التكرار قلت ان الأمر لا يفيد التكرار ولا يدل على كون امتثال المأمور به مطلوبا فى كل الأوقات فدل لا تمسكوهن على المبالغة في التوصية بالإمساك بالمعروف لدلالته على ان الإمساك المذكور مطلوب منه في جميع الأوقات لِتَعْتَدُوا متعلق بضرارا إذ المراد تقييده اى لتظلموهن
بالإلجاء الى الافتداء وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ اى ما ذكر من الإمساك المؤدى الى الظلم فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فى ضمن ظلمه لهن بتعريضها للعقاب وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ المنطوية على الاحكام المذكورة او جميع آياته وهي داخلة فيها دخولا أوليا هُزُواً اى مهزوا بها بالاعراض عنها والتهاون في العمل بما فيها والنهى كناية عن الأمر بضده لان المخاطبين مؤمنون ليس من شأنهم الهزؤ بآيات الله اى جدوا في الاخذ بها والعمل بما فيها وارعوها حق رعايتها: قال الحكيم السنائي قدس سره

دانشت هست وكار بستن كو خنجرت هست وصف شكستن كو
ولما رغبهم في رعاية التكاليف والعمل بها بالتهديد على التهاون بها أكد ذلك الأمر بذكر نعم الله عليهم بان يشكروها ويقوموا بحقوقها فقال وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كائنة عَلَيْكُمْ حيث هداكم الى ما فيه سعادتكم الدينية والدنيوية اى قابلوها بالشكر والقيام بحقوقها وقيل واذكروا انعام الله عليكم بان خلقكم رجالا وجعل لكم أزواجا تسكنون إليها وجعل النكاح والطلاق والرجعة بايديكم ولم يضيق عليكم كما ضيق على الأولين حين أحل لهم امرأة واحدة ولم يجوز لهم بعد موت المرأة نكاح اخرى وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ عطف على نعمة الله اى وما أنزله الله عليكم مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ اى القرآن والسنة أفردهما بالذكر إظهارا لشرفهما يَعِظُكُمْ بِهِ اى بما انزل عليكم حال من فاعل انزل وهو ضمير انزل اى اذكروا نعمة الله وما أنزله عليكم واعظا به لكم ومخوفا وَاتَّقُوا اللَّهَ فى شأن المحافظة عليه والقيام بحقوقه الواجبة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فلا يخفى عليه شىء مما تأتون وما تذرون فيؤاخذكم بافانين العذاب والاشارة في الآية ان الاذية والمضارة ليست من الإسلام ولا من آثار الايمان ولا من شعار المسلمين عموما كما قال عليه السلام (المؤمن من امنه الناس) وقال (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ويتضمن حسن المعاشرة مع الخلق جميعا. فاما الزوجان ففيهما خصوصية بالأمر بحسن المعاشرة معهن وترك اذيتهن والمغايظة معهن على وجه اللجاج فاما

صفحة رقم 360

فى استماعكم- روى- ان شقيق البلخي قدس سره كان تاجرا في أول امره يتجر في بلاد النصارى فقال له امير النصارى في أي مدة تجئ وتذهب فقال أجيء في ثلاثة أشهر واشترى السلع في ثلاثة واذهب في ثلاثة وأبيع السلع في ثلاثة فقال الملك فهذه الشهور السنة فما تعبد ربك فتأثر قلبه من هذا الكلام فقام عن التجارة واشتغل بالعبادة فان كان التوفيق رفيق عبد لا يزال يقطع المسافات وان مسه الآفات الى ان يصل الى المقصود وإذا وكل الى نفسه لا يفيده ملام ولا يؤثر فيه كلام. ومن النصائح التي نصح بها رسول الله ﷺ أمته قوله عليه الصلاة والسلام (علامة اعراض الله عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه وان امرأ دهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير ان تطول عليه حسرته ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز الى النار) وفي هذه النصيحة كفاية لاهل العلم: قال السعدي قدس سره

بگوى آنچهـ دانى سخن سودمند وگر هيچ كس را نيايد پسند
كه فردا پشيمان بر آرد خروش كه آوخ چرا حق نكردم بكوش
اللهم اجعلنا من المتعظين بمواعظ كلمك وَالْوالِداتُ اى جميع الوالدات مطلقات كن او مزوجات لان اللفظ عام وما قام دليل التخصيص فوجب تركه على عمومه يُرْضِعْنَ خبر فى معنى الأمر اى ليرصعن والرضع مص الثدي للبن أَوْلادَهُنَّ جمع ولد وهو المولود ذكرا كان او أنثى ومعنى الأمر الندب ووجه الندب ان تربية الطفل بلبن الام أصلح له من سائر الألبان وان شفقة الام أتم من شفقة غيرها ثم ان حكم الندب انما هو على تقدير ان لا يضطر الولد الى لبن امه اما إذا بلغ حالة الاضطرار بان لا يوجد غير الام او لا يرضع الطفل الا منها او عجز الوالد عن الاستئجار فحينئذ يجب عليها الإرضاع عند ذلك كما يجب على كل أحد مواساة المضطر في الطعام واعلم ان حق الإرضاع لهن الى ان يتزوجن بغير آباء الأولاد ان كانت مطلقات لانهن يشتغلن بخدمة الأزواج فلا يتفرغن لحضانتهم على الوجه الأليق ولان الربيب يتضرر بالراب فانه ينظر اليه شزرا وينفق عليه نزرا حَوْلَيْنِ سنتين أصله من حال الشيء يحول إذا انقلب والحول منقلب من الوقت الاول الى الثاني كامِلَيْنِ تامين أكده بصفة الكمال لانه مما يتسامح فيه فيقال أقمت عند فلان حولين بمكان كذا وانما اقام فيه حولا وبعض الحول لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ بيان للذى توجه اليه حكم الإرضاع كأنه قيل هذا الحكم لمن فقيل لمن أراد ان يتم الرضاعة ومن يحتمل ان يراد بها الوالدات فقط او هن والآباء معا واعلم ان مدة الرضاع عند ابى حنيفة حولان ونصف وعندهما حولان فقط استدلالا بهذه الآية ولا يباح إرضاع بعد هذا الوقت المخصوص على الخلاف لان اباحته ضرورية لانه جزء الآدمي فيتقدر بقدر الضرورة وقال ابو حنيفة هذه الآية محمولة على مدة استحقاق الاجرة فان الإجماع على ان مدت الرضاع في استحقاق اجر الرضاع على الأب مقدرة بحولين حتى ان الأب لا يجبر على إعطاء اجرة بعد الحولين قال تعالى فان أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ الآية ولو حرم الرضاع بعد الحولين لم يكن لقوله عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فائدة فالرضاع الذي ثبت به الحرمة هو ما يكون في ثلاثين شهرا عنده ولا يحرم ما يكون بعدها وعندهما هو ما يكون في الحولين ولا يحرم ما يكون بعد الحولين وهو مذهب الشافعي

صفحة رقم 363

ايضا ثم ان إتمام الحولين غير مشروط عند ابى حنيفة للآية اى لان في قوله تعالى لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ دلالة على جواز النقص ولو أرادت التكميل لها مطالبة النفقة وإذا نقصت من غير إضرار لا تجبر على الكمال يعنى إذا فطم قبل مضى العدة واستغنى بالطعام لم تكن رضاعا وان لم يستغن يثبت به الحرمة وهو رواية عن ابى حنيفة وعليه الفتوى ذكره الزيلعى ثم انه تعالى كما وصى الام برعاية جانب الطفل في قوله والولدات إلخ وصى الأب برعاية جانب الام حتى تتقوى على رعاية مصلحة الطفل فامره بان يرزقها ويكسوها بالمعروف سواء كان ذلك المعروف محدودا بشرط وعقد أم لا وقد يكون غير محدود الا من جهة العرف لانه إذا قام بما يكفيها من طعامها وكسوتها فقد استغنى عن تقدير الاجرة فقال وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ اى وعلى الذي يولد له وهو الوالد وانما لم يقل على الوالد ليعلم ان الأولاد للآباء لان الزوجة انما تلد الولد للزوج ولذلك ينسبون إليهم لا الى الأمهات- روى- ان المأمون بن الرشيد لما طلب الخلافة عابه حشام ابن على فقال بلغني انك تريد الخلافة وكيف تصلح لها وأنت ابن امة فقال كان إسماعيل عليه السلام ابن امة واسحق ابن حرة فاخرج الله من صلب إسماعيل خير ولد آدم ﷺ وانشد

لا تزرين بفتى من ان يكون له أم من الروم او سوداء دعجاء
فانما أمهات الناس اوعية مستودعات وللابناء آباء
مكن زنهار اصل عود چوبست به بين دودش چومستثنى وخوبست
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ اى رزق الأمهات إذا أرضعن أولادهم ولباسهن وكذا اجر الرضاع للاظئار لانهن يحتجن الى ما يقمن به أبدانهن لان الولد انما يغتذى باللبن وانما يحصل لها ذلك بالاغتذاء ونحتاج هي الى التستر فكان هذا من الحوائج الضرورية بِالْمَعْرُوفِ حسبما يراه الحاكم ويفى به وسعه فان قيل إذا كانت الزوجية باقية فهى مستحقة للنفقة والكسوة بسبب النكاح سواء أرضعت الولد أو لم ترضعه فما وجه تعلق هذا الاستحقاق بالإرضاع قلنا النفقة والكسوة تجبان في مقابلة التمكين فاذا اشتغلت بالحضانة والإرضاع لم تتفرغ لخدمة الزوج فربما يتوهم متوهم ان نفقتها وكسوتها تسقطان بالخلل الواقع في خدمة الزوج فقطع الله ذلك الوهم بايجاب الرزق والكسوة وان اشتغلت المرأة بالإرضاع هذا ما قال الواحدي في البسيط لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها التكليف الإلزام ومعنى تكلف الأمر اظهار اثره وقوله وسعها مفعول ثان لان كلف يتعدى الى اثنين كأنه قيل لم لم تجب مؤونة الأمهات على انفسهن ولم قيدت تلك المؤون بكونها بالمعروف فاجيب بانهن غير قادرات على الكسب لضعف بنيتهن واحتباسهن لمنفعة الأزواج فلو أوجب مؤنهن على انفسهن لزم تكليف العاجز وكذا لو أوجب تلك المؤن على الأزواج على خلاف المعروف لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها نهى أصله لا تضارر بكسر الراء الاولى فتكون المرأة هي الفاعلة او بفتح الراء الاولى فتكون المرأة هي المفعول بها الضرار وعلى الاول يكون المعنى لا تفعل المرأة الضرار بالأب بولدها اى بسبب إيصال الضرر الى الولد وذلك بان تمتنع المرأة من ارضاعه مع ان الأب يوسع عليها في النفقة والكسوة فتلقى

صفحة رقم 364

الولد عليه وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ اى لا يفعل الأب الضرار بالأم بان ينزع الولد منها مع رغبتها في إمساكه وشدة محبتها له وعلى الوجه الثاني لا يفعل الأب الضرار بالأم بان ينزع الولد منها ولا مولود له بولده اى ولا تفعل الام الضرار بالأب بان تلقى الولد عليه والمعنيان يرجعان الى شىء واحد وهو ان يغيظ أحدهما صاحبه بسبب الولد واضافة الولد الى كل منهما لاستعطافهما اليه لانه ليس بأجنبي من كل واحد منهما فالحق ان يشفق عليه كل منهما وللتنبيه على انه جدير بان يتفقا على استصلاحه ولا ينبغى ان يضرا به او يتضارا بسببه وَعَلَى الْوارِثِ وهو الذي لو مات الصبى ورثه اى وارث الصبى عند عدم الأب ممن كان ذا رحم محرم منه بحيث لا يجوز النكاح على تقدير ان يكون أحدهما ذكرا والآخر أنثى لا كل وارث سوآء كان ذا رحم محرم منه او لم يكن وسوآء كان من الرجال او النساء مِثْلُ ذلِكَ اى مثل ما وجب على الأب من الرزق والكسوة واجر الرضاع ونفقة المحارم تجب عندنا بهذه الآية فَإِنْ أَرادا اى الولدان فِصالًا وهو الفطام سمى فصالا لانه انما يكون بفصل الطفل عن الاغتذاء بلبن امه الى غيره من الأقوات اى فطاما للصغير عن الرضاع قبل تمام الحولين صادرا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما اى من الوالدين لا من أحدهما فقط لاحتمال اقدامه على ما يضر بالولد بان تمل المرأة الإرضاع ويبخل الأب بإعطاء الاجرة وربما يضر الفطام بجسمه بقطع غذائه قبل وقت فصاله وَتَشاوُرٍ فى شأن الولد وتفحص عن أحواله واجماع منهما على استحقاقه للفطام. والتشاور من المشورة وهي استخراج الرأى من المستشار وانما اعتبر اتفاق الوالدين لما في الأب من الولاية وفي الام من الشفقة وهي اعلم بحال الصبى فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فى ذلك ولا حرج لما ان تراضيهما انما يكون بعد استقرار رأيهما واجتهادهما في ان صلاح الولد فى الفطام وقلما يتفقان على الخطأ فالحاصل سواء زادا على الحولين الى ثلاثين شهرا او نقصا فلا جناح عليهما في ذلك بعد استقرار رأيهما الى ما هو خير للصبى وَإِنْ أَرَدْتُمْ ايها الآباء أَنْ تَسْتَرْضِعُوا المراضع أَوْلادَكُمْ فالمفعول الاول محذوف واسترضع يتعدى الى اثنين بنفسه يقال رضع الولد امه وأرضعت المرأة ولدها واسترضعتها الولد وقيل يتعدى الى الثاني بحرف الجر والتقدير لاولادكم اى إذا طلبتم ان تأخذوا ظئر الإرضاع أولادكم فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ اى لا اثم عليكم في الاسترضاع. وفيه دلالة على ان للاب ان يسترضع الولد ويمنع الام من الإرضاع إِذا سَلَّمْتُمْ اى الى المراضع ما آتَيْتُمْ اى ما أردتم ايتاءه كما في قوله تعالى فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ بِالْمَعْرُوفِ متعلق
بسلمتم اى بالوجه المتعارف المستحسن شرعا وليس التسليم بشرط للصحة والجواز بل هو ندب الى ما هو الأليق والاولى فان المراضع إذا أعطين ما قدر لهن ناجزا يدا بيد كان ذلك ادخل في إصلاح شؤون الأطفال. وقيل المراد من المعروف ان يكون الاجر من الحلان لان المرضع إذا أكلت الحلال كان اللبن انفع للصبى واقرب الى صلاحه قالوا العادة جارية ان من ارتضع امرأة فالغالب عليه أخلاقها من خير وشر ولذا قيل انه ترضعه امرأة صالحة كريمة الأصل فان لبن المرأة الحمقاء يسرى واثر حمقها يظهر يوما ما وفي الحديث (الرضاع يغير الطباع)

صفحة رقم 365
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية