آيات من القرآن الكريم

وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ

يطلقها زوجها أو السلطان؛ لأنه شرط فيه (١) العزم، ولأنّ (٢) السماع يقتضي مسموعًا، والقول هو الذي (٣) يُسمَعُ فالسماع راجع إلى الطلاق.
فإن قيل: العزم عزم القلب لا لفظ اللسان، فإلى أي شيء يرجع السماع؟ قلنا: الرجل يعزم بقلبه ثم يطلق بلسانه، وقد ذكر الله العزم والمراد منه إنشاء اللفظ وهو قوله: ﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٥]. وما نهى عن النية؛ لأن التعريض بالخطبة مباح في عدة الوفاة والتعريض بالخطبة يتضمن القصد بالقلب وزيادة، وإنما حرم إنشاء عقد النكاح قبل أن يبلغ الكتاب أجله (٤).
٢٢٨ - قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ الآية. المطلقات: المُخَلَّيات من حبال الأزواج (٥) (٦)، أراد المطلقات المدخول بهن البالغات غير الحوامل؛ لأن في الآية بيان عدتهن.
وذكرنا معنى التربص. ومعنى الآية: أنهن ينتظرن بِأَنفُسِهِنَّ (٧) انقضاء ثلاثة قروء أو مضي ثلاثة قروء (٨) ولا يتزوَّجن، لفظه خبر ومعناه الأمر، كقوله: ﴿يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٣]، ومثله كثير (٩).

(١) في (ي) (في).
(٢) الواو: ساقطة من (ي).
(٣) في (ي) (الذي هو).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٤٨، "تفسير الرازي" ٦/ ٨٩ - ٩٠.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٥٠.
(٦) ساقطة من (ي).
(٧) ساقطة من (ي).
(٨) زيادة من (ي).
(٩) ينظر: "الكشاف" "التبيان" ص ١٣٦، "البحر المحيط" ١/ ١٨٥.

صفحة رقم 208

قال الزجاج: هو كما تقول: حسبك درهم، لفظه خبر ومعناه: اكتف بدرهم.
وقال غيره: معناه (١): يتربصن في حكم الله الذي أوجبه، فحذف للدلالة عليه (٢).
وقيل: أراد: ليتربصن، فحذف اللام (٣).
والقُرُوْءُ: جمع قُرْءٍ (٤)، وجمعه القليل أَقرء، والكثير: أَقْراء وقروء (٥). وهذا الحرف من الأضداد يقال للحِيَض: قُرُوءٌ، وللأَطهارِ: قُروء، والعَربُ تقول: أَقْرَأتِ المرأةُ. في الأمرين جميعًا. وعلى هذا يونس (٦) وأبو عمرو بن العلاء (٧) (٨) وأبو عبيد أنها من الأضداد (٩) (١٠)، وهي في لغة

(١) ساقطة من (ي).
(٢) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ١٨٥.
(٣) ينظر: "التبيان" ص ١٣٦، "البحر المحيط" ٢/ ١٨٥، واستبعد هذا القول جدا.
(٤) في (ش) (قرؤ).
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٥١، قال في "اللسان" ٦/ ٣٥٦٤ مادة "قرأ": والجمع أقراء، وقروء على فُعول، وأقرؤ، الأخيرة عن اللحياني في أدنى العدد، ولم يعرف سيبويه أقراءً ولا أقرؤًا، قال: استغنوا عنه بفعول.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٤.
(٧) هو: زبان بن العلاء بن عمار التميمي البصري، أحد القراء السبعة المشهورين، كان إماما في التفسير والعربية، توفي سنة ١٥٤هـ. ينظر معرفة القراء الكبار ١/ ١٠٠، "الأعلام" ٣/ ٤١.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٤.
(٩) من قوله: يقال للحيض.. ساقط من (ي).
(١٠) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢ - ٢٩١٣ مادة: (قرأ).

صفحة رقم 209

العرب مُستعملة في المعنيين (١) جميعًا (٢)، وكذلك في الشرع (٣).
أما في استعمال العرب فقد أنشد الأئمة حجة للحيض قول الراجز:
له قُرُوءٌ كَقُروء الحائضِ (٤).
وأنشدوا حجةً للطُّهْر قول الأعشى:
ما ضَاعَ فيها من قُرُوءِ نِسَائِكَا (٥)
والذي ضاع الأطهار لا الحيض؛ لأنه خرج إلى الغزو فلم يغش نساءه.
وأما في الشرع فقال (٦) النبي - ﷺ - في المستحاضة "تنتظر (٧) أيام أقرائها

(١) في (م) (الأمرين).
(٢) قال الراغب ص ٣٩٩ - ٤٠٠: والقرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر، ولما كان اسما جامعا للأمرين الطهر والحيض المتعقب له أطلق على كل واحد منهما؛ لأن كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منهما إذا انفرد كالمائدة للخوان وللطعام، ثم قد يسمى كل واحد بانفراده به، وليس القرء اسما للطهر مجردا ولا للحيض مجردا بدلالة أن الطاهر التي لم تر أثر الدم لا يقال لها ذات قرء، وكذا الحائض التي استمِر بها الدم والنفساء لا يقال لها ذلك.
(٣) ينظر في القرء: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٧٤ - ١٧٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٢ - ٣٠٤، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢ - ٢٩١٤ مادة (قرأ)، "المفردات" ص ٣٩٩ - ٤٠٠، "عمدة الحفاظ" ٣/ ٣٣٨ - ٣٤٠، "اللسان" ٦/ ٣٥٦٤ - ٣٥٦٥ مادة (قرأ).
(٤) ذكره الزجاج بقوله: وأنشدوا في القرء والحيض، ينظر "معاني القرآن" ١/ ٣٠٣.
(٥) مطلع البيت: مورِّثةً مالا وفي الأصل رفعة
البيت في "ديوان الأعشى" ص ٦٧، "مجاز القرآن" ١/ ٧٤، ينظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٤.
(٦) في (ي): (فقد قال).
(٧) في (م): (ينتظر).

صفحة رقم 210

وتغتسل فيما سوى ذلك" (١) يعنى: أنها تجلس عن الصلاة أيام حيضها، فالخبر دليل على أن الأقراء قد يكون الحيض، وأما استعمال الشرع إياها في الأطهار، فقوله تعالى: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ أي: ثلاثة أطهار، يدل عليه قوله تعالى: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ أي: لوقت عدتهن وزمان عدتهن، وبين النبي - ﷺ -: أن وقت العدة: زمان الطهر في حديث ابن عُمر، وهو أنه طلق امرأته وهي حائض، فقال النبي - ﷺ - لعمر: "مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلق أو ليمسك" (٢) فبين أن زمان الطلاق الطهر؛ لتكون المرأة مستقبلة العدة. ومن هذا الاختلاف في اللغة وقع الخلاف في الأقراء بين الصحابة وفقهاء الأمة.
فعند علي (٣) وابن مسعود (٤) وأبي موسى الأشعري (٥) ومجاهد (٦) ومقاتل (٧) وفقهاء الكوفة (٨): أنها الحيض.

(١) أخرجه الدارمي في الطهارة، باب: في غسل المستحاضة ١/ ٢٠٢، وأحمد في "المسند" ص ٣/ ٣٢٣.
(٢) أخرجه البخاري رقم (٥٢٥٨) كتاب: الطلاق، باب: من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق، ومسلم (١٤٧١) كتاب: الطلاق، باب: تحريم طلاق الحائض بغير رضاها.
(٣) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٣١٥، وسعيد بن منصور في "سننه" ١/ ٣٣٢ [ط. حبيب الرحمن]، والطبري ٢/ ٤٤١، وعزاه في "الدر" ٦/ ٣٤٩ إلى الشافعي وعبد بن حميد.
(٤) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٣١٦، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٣٩.
(٥) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٣١٧، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤٠.
(٦) "تفسير مجاهد" ١/ ١٠٨، ورواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٣٩، "ابن أبي حاتم" في "تفسيره" ٢/ ٤١٥.
(٧) هو ابن حيان. ينظر "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٤١٥، والحيري في "الكفاية في التفسير" ١/ ١٧٩.
(٨) ينظر "مختصر الطحاوي" ص ٢١٧، و"شرح معاني الآثار" ٣/ ٦٤، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٣٦٤.

صفحة رقم 211

وعند زيد بن ثابت (١) وابن عمر (٢) وعائشة (٣) ومالك (٤) والشافعي (٥) وأهل المدينة (٦): أنها الأطهار. وهذا الخلاف فيما ذكر منها في العدة، فأما كونها حيضًا وطهرًا وأن (٧) اللفظ صالح لهما جميعًا، فمما لا يختلف فيه أحد (٨).
وأصل هذا اللفظ واشتقاقه مختلف فيه أيضًا (٩)، قال أبو عبيد: أصله من دُنُو وِقت الشيء (١٠)، وروى الأزهري عن الشافعي: أن القرء اسم للوقت، فلما كان الحيض يجيء لوقتٍ والطهر يجيء لوقت (١١)، جاز أن يكون الأقراء حيضًا وأطهارًا (١٢). وذكر أبو عمرو بن العلاء أن القرء:

(١) رواه مالك في "الموطأ" ٢/ ٥٧٧، والشافعي في الأم ٥/ ٢٢٤، والطبري ٢/ ٤٤٢.
(٢) رواه مالك في "الموطأ" ٢/ ٥٧٧، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤٣.
(٣) رواه مالك في "الموطأ" ٢/ ٥٧٦، والشافعي في "الأم" ٥/ ٢٢٤، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤٢.
(٤) "الموطأ" ٢/ ٥٧٨، و"التمهيد" ١٥/ ٨٥.
(٥) "الرسالة" ص ٥٦٩، و"الأم" ٥/ ٢٢٤.
(٦) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٠٥٦.
(٧) في (ي) (فإن).
(٨) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٦١.
(٩) ينظر في القرء: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٧٤، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٧٤ - ١٧٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٢ - ٣٠٤، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢، "المفردات" ص ٣٩٩ - ٤٠٠، "عمدة الحفاظ" ٣/ ٣٣٨ - ٣٤٠، "اللسان" ٣/ ٢٩١٢ - ٢٩١٣.
(١٠) في "تفسير الثعلبي" ذكر أبا عبيدة وهو عنده في "مجاز القرآن" ١/ ٧٤.
(١١) قوله: والطهر يجيء الوقت. ساقط من (ش).
(١٢) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢.

صفحة رقم 212

الوقت، وهو يصلح للحيض ويصلح للطهر، ويقال: هذا قارئ الرياح، لوقت هبوبها (١) وأنشد أهل اللغة للهذلي:
إذا هَبَّتْ لِقَارِئِها الرِّيَاحُ (٢)
أي: لوقت هبوبها، (٣) (٤) ومن هذا يقال: أَقْرَأَتِ النُّجُوم، إذا طَلَعَتْ، وأَقْرَأَتْ، إذا أَفَلَتْ (٥)، قال كُثَيِّر:

إذا ما الثُّرَيّا وقد أقْرَأَتْ أحسَّ السَّمَاكَانِ منها أُفُولاَ (٦)
أي: غابت، وأنشد ابن الأعرابي عن أحمد بن يحيى:
مواعيد لا يأتي لقَرْءٍ حويرها (٧) تكون هبا يوم نكباء صرصرا (٨)
(١) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٤، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٣، ورواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" ٣/ ٦٠ عن أبي عمرو.
(٢) مطلع البيت: شَنِئْتُ العَقْر عَقْر بني شَلَيْلٍ
والبيت لمالك بن الحارث الهذلي، ينظر "ديوان الهذليين" ٣/ ٨٣، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤٤، "لسان العرب" مادة: قرأ ٦/ ٣٥٦٥ ينظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٤، ورواية الثعلبي ٢/ ١٠٦٢: كرهت، ورواية "اللسان": لقارئها. وقوله: شنئت: أي: (كرهت)، والعقر: مكان، وهبت لقاريها: لوقت هبوبها. وشليل: جد جرير بن عبد الله البجلي ينظر "شرح أشعار الهذليين" للسكري ١/ ٢٣٩.
(٣) من قوله: (وأنشد).. زيادة من (ي) و (ش). وهنا ينتهي كلام أبي عمرو كما في "تهذيب اللغة".
(٤) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٤ - ٣٠٥.
(٥) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٠٦٢.
(٦) البيت ليس في "ديوانه" الذي بتحقيق إحسان عباس، وهو في "تفسير الطبري" ٢/ ٤٤٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٦٢، "النكت والعيون" ١/ ٢٩١ بلا نسبة، والسماكان: نجمان نيران. ينظر "لسان العرب" ٤/ ٢٠٩٩ مادة "سمك".
(٧) في (ش): (حويزها).
(٨) البيت لم أهتد لقائله ولا من ذكره.

صفحة رقم 213

أي: لا تأتي (١) لوقت رجوعها (٢)، قال: والقُرُءُ: الأوقات، واحدها قَرْؤٌ، فعلى هذا الأصل القَرْؤ يجوز أن يكون الحيض، لأنه وقت سيلان الدم، ويكون الطُّهْر لأنه وقت إمسَاكِهِ، على عادة جارية فيه (٣).
وقال قوم: أصل القرء: الجمع، يقال: ما قَرَأَتِ الناقةُ سَلًا قَطّ، أي: ما جَمَعَتْ في رحمها ولدًا قَطُّ، ومنه قولُ عمرو بن كلثوم:
هِجَانِ اللونِ لم تَقْرأْ جَنِيْنَا (٤)
وقال الأخفش: يقال: ما قَرَأَتْ حَيْضَةً، أي: ما ضمت (٥) رحمها على حيضة (٦)، والقرآن من القرء الذي هو الجمع، وقرأ القارئ: أي جمع الحروف بعضها إلى بعض في لفظِهِ. وهذا الأصل يقوي أن الأقراء هي الأطهار (٧).
قال أبو إسحاق: والذي عندي في حقيقة هذا أن القرء الجمع (٨) في اللغة، وأن قولهم: قريت الماء في الحوض وإن كان قد لزم (٩) الياء فهو

(١) في (ش): (لا يأتي).
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) ينظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ٧٧ - ٧٨، "تفسير الطبري" ٢/ ٤٤٤، "والأضداد" لابن الأنباري ٢٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٦٢.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) في (ش): (صمت).
(٦) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٧٤، ولفظه: ما قرأت حيضة قط.
(٧) ينظر: "الأضداد" لقطرب ص ١٠٨، و"الأضداد" لابن الأنباري ص ٢٩، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٦٣.
(٨) في (ش): (تجمع).
(٩) في (ش): (ألزم).

صفحة رقم 214

جمعت، وقرأت القرآن لفظت به مجموعًا، والقرد يقرى، أي: يجمع ما يأكل في فيه (١)، فإنما القُرء اجتماع الدم في الرحم، وذلك إنما يكون (٢) في الطهر. هذا كلامه (٣).
وذكر أبو حاتم عن الأصمعي أنه قال في قوله: ﴿ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾: جاء هذا على غير قياس، والقياس: ثلاثة أَقْرؤ؛ لأن القروء للجمع الكثير (٤)، ولا يجوز أن تقول: ثلاثة فلوس، إنما يقال: ثلاثة أفلس (٥)، فإذا كثرت فهي الفلوس (٦).
قال أبو حاتم: وقال النحويون في هذا: أراد ثلاثة من القروء (٧).
وقال أهل المعاني: لما كانت كلُّ مطلقة يلزمها (٨) هذا، دخله معنى الكثرة، فأتي بناء الكثير (٩) للإشعار بذلك، فالقروء (١٠) كثيرة إلا أنها في القسمة ثلاثة ثلاثة.
فمن قال: القرء: الحيض، قال: لا تخرج المرأة من عدتها ما لم

(١) في (ي): (وقته)
(٢) ساقطة من (ي).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٥، وينظر في بسط أدلة القولين والترجيح بينهما: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٥١ - ١٠٦٤، " التفسير الكبير" ٦/ ٩٤ - ٩٨، "زاد المعاد" ٥/ ٦٢٩.
(٤) في (ي): (الكبير).
(٥) ساقطة من (ي).
(٦) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢.
(٧) انظر المصدر السابق مادة "قرأ".
(٨) في (ش) و (ي): (يلزمه).
(٩) في (ي): (الكثيرة).
(١٠) في (أ) و (م): (قال: فالقروء).

صفحة رقم 215

تنقض الحيضة الثالثة، ومن قال: إنها الأطهار، قال: إن طلقها في خلال الحيض لم يحتسب (١) كسر زمان الحيض من العدة، وعدتها ثلاثة أطهار كوامل، وإن طلقها وهي طاهر كانت بقية الطهر محسوبةً طهرًا ثم عليها طهران آخران (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ الرحم: منبت الولد ووعاؤه في البطن، قال عكرمة (٣) وإبراهيم (٤): يعنى: الحيض، وهو أن تكون المرأة في العدة، فأراد الرجل أن يراجعها فقالت: إني قد حضت الثالثة.
وقال ابن عباس (٥) وقتادة (٦) ومقاتل (٧): يعنى: الحبل والولد. وهذا القول أولى؛ لأن قوله: ﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ أدل على الولد منه على الحيض، كقوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ﴾ [آل عمران: ٦]، ومعنى الآية: لا يحل لهن أن يكتمن الحمل ليبطلن حق الزّوج من الرجعة والولد (٨).

(١) في (م) (يحتسبه).
(٢) ينظر في الأحكام: "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٧٢، "التفسير الكبير" ٦/ ٩٤ - ٩٥.
(٣) رواه عنه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٥/ ٢٣٣، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤٧، "ابن أبي حاتم" في "تفسيره" ٢/ ٤١٦.
(٤) رواه عنه ابن أبي شيبة ٥/ ٢٣٤، والطبري ٢/ ٤٤٦، والبيهقي ٧/ ٤٢٠.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤٩، وذكره النحاس في "الناسخ والمنسوخ" ٢/ ٤٤، وروى ابن أبي شيبة عنه في "المصنف" ٥/ ٢٣٤ الجمع بين القولين.
(٦) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٣٣٠، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤٩، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤١٥.
(٧) "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٤.
(٨) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٥ - ٣٠٦.

صفحة رقم 216

وقال عطاء عن ابن عباس في قوله: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ﴾ الآية، وذلك أن المرأة السوء تكتم الحبل شوقًا منها إلى الزوج، وتستبطئ (١) العدة؛ لأن عدة ذات الحمل أن تضع حملها (٢)، ذكر هذا في سورة الحج في قوله: ﴿وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ﴾ [الحج: ٥].
وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ معناه: من كان مؤمنًا (٣) بالله واليوم الآخر (٤) فهذه صفته فيما يلزمه، لا أنه على المؤمن دون غيره.
قال (٥) أبو إسحاق: وهذا كما تقول للرجل يظلم (٦): إن كنت مؤمنًا فلا تظلم، لا تقول له هذا مُطْلِقًا الظلمَ لغيرِ المؤمن، ولكن المعنى: إن كنت مؤمنًا فينبغي أن يحجزك إيمانك عن ظلمي (٧).
وفي هذه الآية أمر متوجه على النساء في إظهار ما يخلق (٨) الله في أرحامهن من الحيض والولد، وهن مُؤَمناتٌ على ذلك، إذ لا مرجع إلى غيرهن فيه، فإن كتمن أثمن وفسقن بالخيانة في الأمانة، وإذا أخبرن واحتمل ما قلن وجب الرجوع إلى قولهن، وإن كن متهمات فعليهن اليمين، وقد أغلظ الله القول عليهن حيث قال: ﴿إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾.

(١) في (م): (تستنظر).
(٢) تقدم الحديث عن هذه الرواية في القسم الدراسي ص ٩٢.
(٣) في (م): (يؤمن).
(٤) من قوله: (معناه). ساقط من (ي).
(٥) في (ي) و (ش): (وقال).
(٦) في (ش): (تظلم).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٦.
(٨) في (ي): (خلق).

صفحة رقم 217

وقوله تعالى: ﴿وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾ البُعُولَة: جمع بَعْل، كالفُحُولة والذُّكُورة والخُؤُولَة والعُمُومة، وهذه الهاء زيادة (١) مؤكدة تأنيث الجماعة، ولا يجوز إدخالها في كل جمع إلا فيما رواه أهل اللغة عن العرب، لا تقول في كعب: كُعُوبة، ولا في كلب: كلابة (٢).
والبعولة أيضًا: مصدر البَعْل، يقال: بَعَل الرجل يَبْعَلُ بُعُولةً، إذا صار بَعْلًا، أنشد يعقوب (٣):
يارُبَّ بَعْلٍ سَاء ما كان بَعَلْ (٤)
ومن هذا يقال (٥) للجماع ومُلاعَبَةِ الرَّجُلِ أهلَه: بِعَال، يقال للمرأة: هي تُباعِل زوجَها بِعالًا، إذا فَعَلتْ ذلك معه.
ومنه قول الحُطَيْئَة:

وكَمْ من حَصَانٍ ذاتِ بعْلٍ تَرَكْتها إذا الليلُ أَدْجَى لم تَجِدْ مَنْ تباعِلُه (٦)
وامرأةٌ حَسَنَةُ التَّبَعُّل: إذا كانت تحْسِنُ عِشْرَة زَوْجها.
(١) في (ي) (زائدة).
(٢) من كلام الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٣٠٦ بتصرف، وفيه زيادة: لأن القياس في هذه الأشياء معلوم.
(٣) هو: أبو يوسف يعقوب بن أسحاق السكيت النحوي اللغوي، تقدمت ترجمته ٢/ ٥١، [البقرة: ٢].
(٤) البيت ورد بغير نسبة في "تهذيب اللغة" ١/ ٣٦٣ (بعل).
(٥) ساقطة من (م).
(٦) البيت من الطويل، وهو للحطيئة في "ديوانه" ص٨٠، "تهذيب اللغة" ١/ ٣٦٣ "لسان العرب" ١/ ٣١٦ مادة: بعل. وأراد: أنك قتلت زوجها أو أسرته.

صفحة رقم 218

ومنه الحديث "إذا أَحْسَنْتُنّ تَبَعُّلَ أَزْوَاجِكُن (١) (٢) ".
ومعنى ﴿أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾، أي: إلى النكاح والزوجية، يعنى: أحق بمراجعتهن (٣) ﴿فِي ذَلِكَ﴾ أي: في الأجل الذي (٤) أمرن أن يتربصن فيه.
﴿إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ لا إضرارًا، وذلك أن الرجل في الجاهلية إذا أراد الإضرار بامرأته، طلقها واحدةً وتركها حتى (٥) إذا قرب انقضاء عدتها راجعها، ثم طلقها، ثم راجعها، يضارها بذلك، فالله تعالى جعل الزوج أحق بالرجعة على وجه الإصلاح، لا على الإضرار (٦).
ويستغني الزوج في المراجعة عن الولي وعن رضاها وعن تسمية مهر، وإذا راجعها سقطت بقية العدة وحل جماعها في الحال. والاحتياط الإشهاد على الرجعة. ولفظ الرجعة أن تقول: راجعتك أو رددتك إلى النكاح.

(١) الحديث أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" ٦/ ٤٢٠ - ٤٢١، برقم (٨٧٤٣)، وابن عبد البر في "الاستيعاب" ٤/ ١٧٨٨ في ترجمة أسماء بنت زيد الأشهلية، و"تاريخ واسط" ص ٧٥.
(٢) ينظر في مادة: بعل "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٦، "تهذيب اللغة" ١/ ٣١٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٦٦، "المفردات" ٦٤ - ٦٥، "اللسان" ١/ ٣٦٢ - ٣٦٣. قال الراغب: ولما تُصور من الرجل الاستعلاء على المرأة فجعل سائسها والقائم عليها كما قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾، سمي باسمه كلُّ مستعل على غيره، فسمى العرب معبودهم الذي يتقربون به إلى الله بعلا؛ لاعتقادهم ذلك فيه، نحو قوله تعالى: ﴿أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾، ويقال: أتانا بعل هذه الدابة، أي المستعلي عليها، وقيل للأرض المستعلية على غيرها بعل.
(٣) في (ي) زيادة أي في ذلك أي.
(٤) ساقط من (ي).
(٥) ساقط من (أ) و (م).
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٦٧.

صفحة رقم 219

وقوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي: للنساء على الرجال مثل الذي للرجال عليهن من الحق ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي: بما أمر الله به من حق الرجل على المرأة (١). روي عن ابن عباس أنه قال: إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي لقوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ مثل الذي عليهن بالمعروف (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ يقال: رَجَلٌ بَين الرُّجْلَة (٣)، أي: القُوة، وهو أَرْجَلُ الرَّجُلَين، أي: أقواهما، وفَرَسٌ رَجِيلٌ، قويٌّ على المشي، والرِّجْل: معروفة لقوتها على المشي، وارتَجَل الكَلامَ، أي: قَوِيَ (٤) عليه من ركوبِ فِكرةٍ ورويّة، وتَرَجَّلَ النهار: قويَ ضياؤه (٥).
والدَّرَجَة: المنزلة، وأصلها من دَرَجْتُ الشيء أَدْرُجُه دَرْجًا، وأَدْرَجْتُه إدراجًا: إذا طويتُه. ودَرَجَ القومُ قرنًا بعد قرن، أي: فَنُوا. وأدرجهم الله إدراجًا؛ لأنه (٦) كطي الشيء منزلة بعد منزلة. ومعنى دَرَج القوم: طووا عمْرَهم شيئًا فشيئا، وأدرجهم الله: طواهم الله، ومَدْرَجَةُ الطريق: قَارِعَتُهُ؛ لأنه يُطْوى منزلةً بعدَ مَنْزِلَة، والدَّرَجَةُ: المنزلة من منازل الطَّيّ، ومنه:

(١) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٦٧.
(٢) رواه الطبري عنه ٢/ ٤٥٣، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤١٧، وعزاه في "الدر" ١/ ٤٩٣ - ٤٩٤ إلى وكيع وسفيان بن عيينة وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٣) يقال: رجل جيد الرُّجلة، ورجل بين الرجولة والرُّجلة والرُّجْلِيَّة والرجولية، وهي من المصادر التي لا أفعال لها. ينظر "اللسان" ٣/ ١٥٩٧ مادة "رجل".
(٤) في (ي) (أقوى).
(٥) ينظر في رجل: "تهذيب اللغة" ٣/ ١٥٩٦ - ١٦٠١، "المفردات" ١٩٦، "عمدة الحفاظ" ٢/ ٨١ - ٨٣، "اللسان" ٣/ ١٥٩٦ - ١٦٠١.
(٦) ساقطة من (ي).

صفحة رقم 220
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية