آيات من القرآن الكريم

وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ

أشهر. وقد ذكرنا قول الصحابة - رضي اللَّه تعالى عنهم -: إن عزيمة الطلاق انقضاء أربعة أشهر.
وقوله: (فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
سميع: بإيلائهم، عليم: بترك الفيء وتحقيق حكمه، أو عليم بما أراد بالإيلاء، كأنه قال: إنه عن علم بما يكون من خلقه وبما به صلاحهم وما إليه مرجعهم، وهو السميع بجميع ما به تناجوا وأسروا وجهروا. واللَّه الموفق.
والفيء: الجماع، وهو الرجوع في الحاصل؛ لأنه حلف ألا يقربها، فإذا قربها رجع عن ذلك. وهكذا رُويَ عن ابن عَبَّاسٍ وابن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنهما - أنهما قالا: الفيء: الجماع.
* * *
(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٢٩) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠)
ثم اختلف الناس في الأقراء في قوله: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ):
قَالَ بَعْضُهُمْ: الأقراء: هي الأطهار.

صفحة رقم 154

وقال آخرون: هي الحيض. وهو قولنا. وعلى ذلك اختلف الصحابة:
قال عمر وعلي وعبد اللَّه بن مسعود - رضي اللَّه تعالى عنهم أجمعين -: هي الحيض.
وقالت عائشة وزيد بن ثابت وابن عمر - رضي اللَّه تعالى عنهم -: هي الأطهار. وبه أخذ أهل المدينة، وقالوا: قلنا ذلك بالسنة والأخبار عن الصحابة - رضوان اللَّه تعالى عليهم أجمعين - واللسان، والمناقصة:
أما السنة: فقوله لعمر: " مر ابنك فليراجعها، ثم ليطلقها وهي طاهر أو حامل من غير جماع؛ فتلك العدة التي أمر اللَّه تعالى أن تطلق لها النساء "؛ فدل أن العدة التي تطلق

صفحة رقم 156

لها النساء هي الأطهار.
لكن الجواب لهذا من وجهين:
أحدهما: أنه جعل ذلك عدة للطلاق، لا عدة عن الطلاق. والعدة للطلاق غير العدة عن الطلاق؛ وكذا نقول في الطهر الذي تطلق فيه النساء: إنها عدة للطلاق، لا عنها.
والثاني: أن من قول الرجل أن له الإيقاع في آخر أجزاء الطهر، وقد ذكر في الخبر: " الطلاق لقُبُلِ عدتهن "، ولو كان المعنيُّ به: الطهر، لكان الطلاق في آخر أجزاء الطهر قبل الحيض - في آخر أجزاء الطهر، لا في القُبُل. فثبت أن القول بجعل الطهر عدة عن

صفحة رقم 157

الطلاق بعيد.
وأما اللسان فهو قول الناس: قرأ الماء في حوضه، وقرأ الطعام في شدقه، أي: حبس، والطهر بسبب حبس الدم.
لكن عندنا: الطهر جبلة وأصل، وعليها خلقت وأنشئت، والحيض عارض، فإذا كان في الرحم دم خرج، وإلا كانت على أصل خلقتها طاهرًا؛ لأن الطهر يحبس الدم، فإذا كان هذا ما ذكرنا بطل احتجاجه باللغة واللسان.
وأما المناقصة فهي أن يقول: جعلتم هي معتدة مع زوال الأذى عنها ما لم تغتسل في إبقاء حق الرجعة.
فأما دعوى المناقصة فهي بعيدة؛ لأن الكتاب جعلها باقية ما لم تغتسل على حكم الأذى؛ فإن كان فيه طعن فعلى الكتاب.
وقال: ذكر اللَّه تعالى: (ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ) باسم التذكير، لا باسم التأنيث؛ فدل أنه أراد الأطهار، يقال: ثلاثة رجال، وثلاث نسوة، فإذا أدخل فيه (الهاء) عقل أنه أراد الطهر.
قيل: إن اللغة لا تمنع عن تسمية شيء واحد باسم التذكير والتأنيث كالبر والحنطة ونحو ذلك إذا لم يكن من ذي روح، فإذا كان كذلك فلا دلالة فيه على جعل ذلك طهرًا.
وقال: القرء: هو الانتقال من حال إلى حال؛ يقال: أقرأ النجم: إذا غاب، وأقرأ: إذا طلع، ونحوه.
لكن هذا ليس بشيء؛ لأنه لو كان القرء هو الانتقال من حال إلى حال لكان يقال للنجم إذا طلع: أقرأ؛ فيكون الاسم للظهور، لا للغيبوبة، أو لهما جميعًا؛ فلا دلالة في ذلك.
وأما الأصل عندنا: فقوله عَزَّ وَجَلَّ: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)، فأمر بالإمساك عند بلوغ أجلهن. والبلوغ: اسم للتمام. ثم لا يخلو بلوغ الأجل من أن يكون بالإشراف على أول أجزاء الطهر أو عند انتهائه. فإن كان على انتهاء الطهر فلا غاية له ينتهى إليه ليقطع عليه الحكم، وإن كان على الإشراف عليه أيضًا كذلك، ثم لو حمل على الانتهاء أيضًا يبعد بما يعرف ذلك بالحيض الذي يقطع جهة الإمساك؛ فحمل على ما يعرف، لا على ما لا يعرف - واللَّه أعلم فثبت أنه الحيض؛ لأن لها الغاية.
والثاني: قوله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ)، كذا اتفقوا فيه أنه مذكور على البدل، ولم يعرف ذكر الأبدال في

صفحة رقم 158

الأشياء إلا على أثر الأصول حيثما ذكر -ذكر الحيض عند ذكر البدل- فبان أن المبدل من ذلك إنما هي الحيض، المجعولة أصولًا في تقضي العدة: هو الحيض.
واحتجوا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " عدة الأمة حيضتان "؛ ثبت أن أصل ما به تنقضي العدة هو الحيض.
ثم الدليل على أن المراد من قوله: (ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)، وإن احتمل الطهر، يرجع إلى الحيض وجوه: أحدها: ، أن (ثلاثة) اسم لتمام العدد، فيصير كأنه قال: ثلاثة أطهار، لو أراد به الطهر، أو ثلاثة حيض، لو أراد به الحيض. ثم هم على اختلافهم اتفقوا على أنه بالحيض ثلاثة، وبالطهر طهران وبعض الأول. ثبت أن الحيض أولى مع ما كان فيه الاحتياط إذ احتمل الوجهين أن يدخلا جميعًا في الحق لا يزال بعد أن ثبت إلا بالبيان، ويبين ذا أن في الخبر تلك العدة التي أمر اللَّه أن تطلق لقبلها النساء، أنه الحيض حتى يكون قبله الطهر مع ما يحتمل عدة فعل الطلاق في الانقضاء يبين ذلك ما رُويَ عن

صفحة رقم 159

رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أنه قال: " إن عدة الأمة حيضتان ". وهي بعض عدة الحرة، ووقت طلاقها وقت طلاق الحرة. فبان أن العدة اثنتان والثاني: ذكر الحيض عند ذكر البدل وذلك حكم الأبدال أن يذكر أصولها عند ذكرها.
والثالث: قوله (فإذا بلغن أجلهن) والبلوغ اسم للتمام ووفاء بعد المراجعة من بعد الإشراف عليه، وهو بالطهر لا يعلم حتى يرى الدم؛ لأن الطهر لا غاية له، وذلك يمنع على قولهم الرجعة؛ فثبت أنه الحيض؛ لأن له الغاية، وإن لم ينقطع الدم وقت ولما كان الطلاق وقت ابتداء الحرمة، وذلك طهر، ووقت تقضي العدة وقت تمام ذلك، فهو التطهر، مع ما ينقضي سبب الملك بالطلاق، ووقته الطهر، وبقية الملك بتقضي العدة، فيجب أن يكون وقته الطهر على إلحاق جميع الفروع مع الأصول، وإلحاق التوابع بالمتبوعين، ولا قوة إلا باللَّه.
ثبت أن أصل ما به تنقضي العدة هو الحيض.
وقال الشافعي: قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " عدة الأمة حيضتان " أي: قرءان والقرءان هما الطهران.
فيقال له: أبلغت في المقلة، وأفرطت في الحجاج، حيث فهمت من الحيض القرء، وهو أوضح عند أهل اللسان بالسماع من المفهوم له به مع ما في ذلك تجهيل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - باللسان، وهو أفصح العرب وأعلم البشر، حيث عبر عن الطهر بالحيض.
ووجه آخر: أنهم اتفقوا على أنه لو طلق في بعض الطهر فالبقية منه عدة، ومثله من الاعتداد قرءان ونصف، والكتاب أوجب الاعتداد بالثلاث؛ فثبت أن الأمر بالاعتداد أمر بالحيض، لا بالإطهار للمعنى الذي وصفنا، وإن كان القرء اسمًا للطهر والحيض في اللغة.
ثم الأصل في المسألة: أن أول ابتداء الحل لزوجها ولغيره بالطهر، وكذلك نهاية الحل إنما جعلت بالأطهار.
ثم الأصل: أن ابتداء حرمتها على الزوج الأول بالطهر، فيجعل أنتهاء الحرمة في مثله بالطهر. وحاصل هذا أنه جعل نهاية الحل فيه وفي غيره بما به ابتداء الحل، فكذا يجعل نهاية الحرمة فيه وفي غيره بما به ابتداؤه. وإذا ثبت أن المنظور في الحل والحرمة في الابتداء بالابتداء، وجب أن يكون المنظور في الحل والحرمة بالانتهاء.

صفحة رقم 160

ثم في قوله: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)، وفي قوله: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ)، وفي قوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ)، وفي نحو هذه الآيات دلالة تأخر البيان، حيث لم يبين ما الأقراء؟، ولم يبين الاعتزال من أي موضع، ومن أي مكان؟، ولم يبين المخالطة في ماذا؟ وفي أي شيء؟ فالاختلاف فيه باقٍ إلى يوم التناد؛ قبطل قول من ينكر تأخر البيان، وثبت قول من أقر به. وباللَّه التوفيق.
وقوله: (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
ففى الآية دلائل:
أحدها: أن ذكر حرمة الكتمان فيمن آمن ليس بشرط فيه دون غيره؛ إذ قد يلزم ذلك من هو غير مؤمن، إذ هو غير مستحسن في العقل. ففيه الدليل على أن الحكم الموجب لعلة يجوز لزومه فيما ارتفعت عنه تلك العلة وعدمت وهو كقوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، وقد يلزم إصلاح ذات البين في غير الإيمان، وكذا قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، وقد يلزم ترك الربا للمعاهد، وقد يجوز ذلك للمسلم في غير داره؛ فدل أن الحكم إذا ذكر لعلة في أحد لا يمنع لزوم ذلك في غير المذكور.
قال الشيخ - رحمه اللَّه تعالى -: فيه دليل على أن إضافة الحكم إلى سبب لا يمنع حقه ارتفاعه. وفيه دليل ألا يحل ذلك لمن قد آمن في الخلق؛ لأن حقه التصديق وإظهار الحق، وفي الكتمان والتكذيب ترك ما فيه من الشرط. واللَّه أعلم.
ثم اختلف في قوله: (مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: الحبل والحيض. وكذلك رُويَ عن عليٍّ وعبد اللَّه بن مسعود وعبد الله ابن عَبَّاسٍ، رضيَ اللَّهُ تعالى عنهم، أنهم قالوا: (مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ): الحبل والحيض؛ فثبت أن موضع الحيض الرحم. ثم الرحم يشغله الحبل عن خروج الدم؛ فبان أن الحامل لا تحيض. وعلى ذلك قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إنما ذلك دم عرق انقطع ". وهو الأمر الظاهر المتعارف في النساء أن الحبل يحبس الدم.
وقال بعض أهل التأويل: (مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ): الحبل خاصة دون الحيض؛ لوجهين:

صفحة رقم 161

أحدهما: أنهن في الجاهلية كن يكتمن ذلك فيلحقن بغير الآباء، فأوعدن على ذلك بعد الإسلام؛ فثبت أن الحيض لا يحتمل.
والثاني: أن الحيض لا ينسب بكونه في الرحم، فإذا كان غير منسوب إليه لم يحتمل كونه فيه. واللَّه أعلم.
لكن الوجه فيه ما ذكرنا من قول الصحابة، وما فيه من الدلالة أنهن مؤتمنات فيما يخبرن؛ لوجهين:
أحدهما: ما جاء في الخبر من أن الأمانة أن تؤتمن المرأة على فرجها.
والثاني: لولا أنها ممن يقبل خبرها فيه لما أوعدن على الكتمان.
ثم يحتمل الكتمان من وجهين:
أحدهما: أن يكتمن ذلك يستوجبن به الإنفاق من عند أزواجهن بقولهن: العدة باقية، وذلك يحتمل الحيض والحبل جميعًا.
ويحتمل: ما قاله بعض أهل التأويل من إبقاء حق الرجعة.
ويحتمل قول أبي حنيفة، رحمه اللَّه تعالى، في كتمانها، إذ قال في المرأة إذا جاءت بولد في العدة، فشهدت امرأة على الولادة والحبل: لم يكن ظاهرًا أن يقبل قولها؛ إذ هي أمرت بالإظهار، والكتمان أورث تهمة في القبول.
ويحتمل: ألا يحل لهن أن يكتمن الحبل فيلحقن بغيرهم من الأزواج. واللَّه أعلم.
وقوله: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا).
يحتمل وجهين:
يحتمل: أنهن لا يملكن الرجعة، ولا منع أزواجهن عن المراجعة، بل ذلك إلى بعولتهن.
ويحتمل: (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) في نكاح في العدة، لا في حق الرجعة؛ إذ الزوج يملك نكاحها في العدة، وغيره من الناس لا يملك، كقوله: (وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ).
وقوله: (وَبُعُولَتُهُنَّ)، فيه دليل أن قوله: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ)، إنما عنى به المطلق طلاقا لم يقطع على نفسه جهة العود.
وقوله في ذلك: (إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا)، يحتمل وجوهًا:

صفحة رقم 162

يحتمل: إصلاح ما بينهن.
ويحتمل: إن أرادوا إمساكهن بالمعروف، كقوله: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا)، فهو ممسك لها وإن كان مضرًّا.
ثم الأصل في هذا: أنه وإن قال: (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)، ليس على ألا يصير ممسكًا لها بغير المعروف.
وأصل هذا: أن ليس في القول بأن (لَمْ تَفْعَلُوا)، دليل الجواز، والفساد إذا فعل ذلك.
ثم اختلف في قوله: (فِي ذَلِكَ)، أي: في الوقت الذي يعيد به، أو (فِي ذَلِكَ) القروء. واللَّه أعلم.
وقوله: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
رُويَ عن ابن عَبَّاسٍ، رضيَ اللَّهُ تعالى عنه، أنه قال: إِنِّي أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي؛ لأن اللَّه تعالى يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
وقال آخرون: لهن من الكفاف ما عليهن من الخدمة.
وقال غيرهم: لهن من الحق في المهور بتسليم الأزواج إليهن ما عليهن من تسليم الأبضاع إلى الأزواج؛ فيدل هذا على أن الخلوة، والتسليم منها، يحل محل قبض الحق منها لزوجها.
وقيل: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ)، الحقوق ما تلزمهن من حقوق الأزواج، يلزم مثلها على الأزواج لهن، وإن كانت مختلفة.
وقوله: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
قيل: هو الطلاق بيد الرجل وليس بيدها.
وقيل: هي الإمارة والطاعة والأمر.
وقيل: هي ما فضل اللَّه به عليها من الجهاد والميراث وغيره.

صفحة رقم 163
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية