آيات من القرآن الكريم

وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ

فو الله لَوْلَا اللَّهُ أَنِّي أُرَاقِبَهْ لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ «١»
فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَمْ أَكْثَرَ مَا تَصْبِرُ الْمَرْأَةُ عَنْ زَوْجِهَا؟ فَقَالَتْ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا أَحْبِسُ أَحَدًا مِنَ الْجُيُوشِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَا زِلْتُ أَسْمَعُ حَدِيثَ عُمَرَ أَنَّهُ خَرَجَ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَطُوفُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا إِذْ مَرَّ بامرأة من نساء العرب مغلقة بابها، تَقُولُ:
تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَازْوَرَّ جَانِبُهْ وَأَرَّقَنِي أن لا ضَجِيعَ أُلَاعِبُهْ
أُلَاعِبُهُ طُورًا وَطُورًا كَأَنَّمَا بَدَا قَمَرًا فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ حَاجِبُهْ
يُسَرُّ بِهِ مَنْ كَانَ يَلْهُو بِقُرْبِهِ لَطِيفُ الْحَشَا لَا يحتويه أقاربه
فو الله لَوْلَا اللَّهُ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ لَنُقِضَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ
وَلَكِنَّنِي أَخْشَى رَقِيبًا مُوَكَّلًا بأنفاسنا لا يفتر الدهر كاتبه
مخافة ربي والحياء يصدني وإكرام بعلي أن تنال مراكبه
ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ أَوْ نَحْوَهُ، وَقَدْ رَوَى هَذَا مِنْ طَرْقٍ وَهُوَ من المشهورات.
[سورة البقرة (٢) : آية ٢٢٨]
وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٢٨)
هذا أمر مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْمُطَلَّقَاتِ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ، بِأَنْ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، أَيْ بِأَنْ تَمْكُثَ إِحْدَاهُنَّ بَعْدَ طَلَاقِ زَوْجِهَا لَهَا ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، ثُمَّ تَتَزَوَّجَ إِنَّ شَاءَتْ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ الْأَمَةَ إِذَا طُلِّقَتْ، فَإِنَّهَا تُعْتَدُّ عِنْدَهُمْ بقرأين لأنها على نصف مِنَ الْحُرَّةِ، وَالْقُرْءُ لَا يَتَبَعَّضُ فَكُمِّلَ لَهَا قرآن، ولما رواه ابن جرير عَنْ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلَكِنْ مُظَاهِرٌ هَذَا ضَعِيفٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَقَالَ الْحَافِظُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ نَفْسِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ سَالِمٌ وَنَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَوْلَهُ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. قَالُوا: وَلَمْ يُعْرَفْ بين الصحابة
(١) البيت الأول منسوب لأم الحجاج بن يوسف في تاج العروس (زعزع) وهو بلا نسبة في لسان العرب (أسس، زعع، وصل، وجه). والبيت الثاني بلا نسبة في خزانة الأدب ١٠/ ٣٣٣ ورصف المباني ص ٢٤١ وسر صناعة الإعراب ص ٣٩٤ وشرح شواهد المغني ص ٦٦٨.

صفحة رقم 456

خِلَافٌ، وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: بَلْ عِدَّتُهَا كَعِدَّةِ الْحُرَّةِ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّ هَذَا أَمُرُّ جِبِلِّيٌّ، فكان الحرائر والإماء في هذا سواء، حَكَى هَذَا الْقَوْلَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَضَعَّفَهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيَّةَ، قَالَتْ: طُلِّقْتُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، ولم يَكُنْ لِلْمُطَلَّقَةِ عِدَّةٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حين طلقت أسماء العدة للطلاق، فكانت من هذا الوجه فِيهَا الْعِدَّةُ لِلطَّلَاقِ يَعْنِي وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ وَالْأَئِمَّةُ فِي الْمُرَادِ بِالْأَقْرَاءِ مَا هُوَ عَلَى قَوْلَيْنِ: [أَحَدُهُمَا] أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَطْهَارُ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ «١» عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أنها انْتَقَلَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ دَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثالثة، فذكر ذَلِكَ لِعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَتْ: صَدَقَ عُرْوَةُ، وَقَدْ جَادَلَهَا فِي ذَلِكَ نَاسٌ فَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: صَدَقْتُمْ، وَتَدْرُونَ مَا الْأَقْرَاءُ؟ إِنَّمَا الْأَقْرَاءُ الْأَطْهَارُ. وَقَالَ مَالِكٌ «٢»، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ:
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: مَا أَدْرَكْتُ أَحَدًا مِنْ فُقَهَائِنَا إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ ذَلِكَ، يُرِيدُ قَوْلَ عَائِشَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ «٣» عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، فَدَخَلَتْ فِي الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ فقد برئت منه وبرىء مِنْهَا، وَقَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا.
وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِ وَعُرْوَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَقَتَادَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَبَقِيَّةِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ وَدَاوُدَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أَيْ فِي الْأَطْهَارِ وَلَمَّا كَانَ الطُّهْرُ الَّذِي يُطَلَّقُ فِيهِ مُحْتَسَبًا، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَحَدُ الْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا وَلِهَذَا قَالَ هَؤُلَاءِ: إِنَّ الْمُعْتَدَّةَ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَتَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا بِالطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، وَأَقَلُّ مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا الْمَرْأَةُ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، وَاسْتَشْهَدَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ عَلَى ذلك بقول الشاعر وهو الأعشى: [الطويل]

فَفِي كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ تَشُدُّ لأقصاها عزيم عزائكا
مورثة مالا وفي الذكر رِفْعَةٌ لَمَّا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءِ نِسَائِكَا «٤»
يَمْدَحُ أَمِيرًا «٥» مِنْ أُمَرَاءِ الْعَرَبِ آثَرَ الْغَزْوَ عَلَى الْمَقَامِ، حَتَّى ضَاعَتْ أَيَّامَ الطُّهْرِ مِنْ نسائه لم
(١) الموطأ (طلاق حديث ٥٤).
(٢) الموطأ (طلاق حديث ٥٥).
(٣) الموطأ (طلاق حديث ٥٨).
(٤) البيتان للأعشى في ديوانه ص ١٤١ ولسان العرب (غزا) والطبري ٢/ ٤٥٨ ومجاز القرآن ١/ ٧٤.
(٥) هو هوذة بن علي الحنفي.

صفحة رقم 457

يواقعهن فيه. [وَالْقَوْلُ الثَّانِي]- أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَقْرَاءِ، الْحَيْضُ، فَلَا تَنْقَضِي الْعِدَّةُ حَتَّى تُطْهُرَ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، زَادَ آخَرُونَ: وَتَغْتَسِلَ مِنْهَا، وَأَقَلُّ وَقْتٍ تُصَدَّقُ فِيهِ الْمَرْأَةُ فِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، قَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنْ زَوْجِي فَارَقَنِي بِوَاحِدَةٍ أَوِ اثْنَتَيْنِ فجاءني وَقَدْ نَزَعْتُ ثِيَابِي وَأَغْلَقْتُ بَابِي، فَقَالَ عُمَرُ لعبد الله بن مسعود: أَرَاهَا امْرَأَتَهُ مَا دُونُ أَنْ تَحِلَّ لَهَا الصلاة قال: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَالرَّبِيعِ وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَالسُّدِّيِّ وَمَكْحُولٍ وَالضَّحَّاكِ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ.
وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَحَكَى عَنْهُ الْأَثْرَمُ أَنَّهُ قَالَ: الْأَكَابِرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: الْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حي وأبي عبيد وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ» فَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْحَيْضُ، وَلَكِنَّ الْمُنْذِرَ هَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَصْلُ الْقُرْءِ فِي كلام العرب: الوقت لمجيىء الشَّيْءِ الْمُعْتَادِ مَجِيئُهُ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَلِإِدْبَارِ الشَّيْءِ الْمُعْتَادِ إِدْبَارُهُ لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُشْتَرِكًا بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، وقد ذهب إليه بعض الأصوليين، والله أَعْلَمُ. وَهَذَا قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْوَقْتُ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الْعَرَبُ تسمي الحيض قرء، وتسمي الطهر قرءا وتسمي الطهر والحيض جَمِيعًا قُرْءًا. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّ الْقُرْءَ يُرَادُ بِهِ الْحَيْضَ، وَيُرَادُ بِهِ الطُّهْرَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ مِنَ الْآيَةِ مَا هُوَ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ أَيْ مِنْ حَبَلٍ أَوْ حَيْضٍ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تهديد لهن على خلاف الحق، دل هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي هَذَا إِلَيْهِنَّ لأنه أمر لا يعلم إلا من جهتهن ويتعذر إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ غَالِبًا عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ الْأَمْرَ إليهن وتوعدن فيه لئلا يخبرن بِغَيْرِ الْحَقِّ، إِمَّا اسْتِعْجَالًا مِنْهَا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ رَغْبَةً مِنْهَا فِي تَطْوِيلِهَا لِمَا لَهَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ، فَأُمِرَتْ أَنْ تُخْبِرَ بِالْحَقِّ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نقصان.

صفحة رقم 458
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية