
عَدُوٌّ مُبِينٌ
(٢٠٨) ظاهر العداوة عن جابر بن عبد الله عن النبي ﷺ حين أتاه عمر فقال انا نسمع أحاديث من يهود يعجبنا افترى ان نكتب بعضها- فقال «١» أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعى- رواه احمد والبيهقي في شعب الايمان.
فَإِنْ زَلَلْتُمْ يعنى زلت أقدامكم فلم تستقيموا على الإسلام مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ الآيات والحجج الشاهدة على انه الحق فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يعجزه الانتقام حَكِيمٌ (٢٠٩) لا ينتقم الا بحق ولا يمهل الا لحكمة فيه دفع توهم الناشي من الامهال.
هَلْ يَنْظُرُونَ النظر بمعنى الانتظار يعنى ما ينتظرون إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ جمع ظلة وهى كلما اظلك مِنَ الْغَمامِ قال البغوي هو السحاب الأبيض الرقيق سمى غماما لانه يغم اى يستر- وقال مجاهد هو غير السحاب ولم يكن الا لبنى إسرائيل في تيههم وقال مقاتل كهيئة الضباب ابيض- وقال الحسن في سترة من الغمام فلا ينظر اليه اهل الأرض وَالْمَلائِكَةُ قرا ابو جعفر بالجر عطفا على الغمام او يكون الجر للجوار والباقون بالرفع اى ويأتيهم الملائكة وَقُضِيَ الْأَمْرُ وجب العذاب للكفار والثواب للمؤمنين- وفزع من الحساب وذلك يوم القيامة والله اعلم- اجمع علماء اهل السنة من السلف والخلف ان الله سبحانه منزه عن صفات الأجسام وسمات الحدوث فلهم في هذه الاية سبيلان أحدهما الايمان به وتفويض علمه الى الله تعالى والتحاشى عن البحث فيه وهو مسلك السلف قال الكلبي هذا من المكتوم الذي لا يفسر وكان مكحول والزهري والأوزاعي ومالك وابن المبارك وسفيان الثوري والليث واحمد وإسحاق رحمهم الله تعالى يقولون فيه وفي أمثاله امرّوها كما جاءت بلا كيف قال سفيان بن عيينة كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عنه ليس لاحدان يفسره الا الله ورسوله وبه قال ابو حنيفة رحمه الله حيث قال في المتشابهات ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ بالوقف عليه ثانيهما تأويله بما يليق به بناء على ما قيل ما يَعْلَمُ «٢» تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ بالعطف قال البيضاوي وغيره الا ان يأتيهم الله اى امره او بأسه بحذف المضاف فهو كقوله تعالى وْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ
- جاءَهُمْ بَأْسُنا- او المعنى- ان يأتيهم الله
(٢) وفي القران وما يعلم إلخ

يبأسه فحذف المأتى به للدلالة عليه بقوله أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قال وانما يأتى العذاب في الغمام لان الغمام مظنة الرحمة فاذا جاء منه العذاب جاء من حيث لا يحتسبه فكان أفظع- قلت وما ذكر البيضاوي من التأويل يأبى عنه ما جاء في تفسير هذه الاية وأمثاله من الأحاديث اخرج الحاكم وابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا عن ابن عباس انه قرا يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ قال يجمع الله الخلق يوم القيامة في صعيد واحد الجن والانس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق فيشقق السماء الدنيا فينزل أهلها وهم اكثر ممن فى الأرض من الجن والانس وجميع الخلق فيحيطون بالجن والانس وجميع الخلق فيقول اهل الأرض أفيكم ربنا فيقولون لاثم ينزل اهل السماء الثانية وهم اكثر من اهل السماء الدنيا ومن اهل الأرض فيقولون أفيكم ربنا فيقولون لا فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم وبالجن والانس وجميع الخلائق ثم ينزل اهل السماء الثالثة هكذا ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة وهم اكثر من اهل السموات واهل الأرض فيقولون أفيكم ربنا فيقولون لا ثم ينزل ربنا فى ظلل من الغمام وحوله الكروبيون وهم اكثر من اهل السموات السبع والأرضين- وحملة العرش لهم قرون ككعوب القناما بين أقدام أحدهم كذا وكذا- ومن اخمص قدمه الى كعبه مسيرة خمسمائة عام ومن كعبه الى ركبته خمسمائة عام ومن ركبته الى أرينه خمسمائة عام ومن ارينه الى ترقوته خمسمائة عام ومن ترقوته الى موضع القرط خمسمائة عام قلت وايضا لو كان معنى الاية كما قال البيضاوي بحذف المضاف ونحوه فهو نظير قوله تعالى «١» وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها يعنى واسئلوا اهل القرية- ولم يقل انه من المتشابهات أحد فحينئذ لم يكن اية في القران من المتشابهات وقد قال الله تعالى مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ- ولاصحاب القلوب في تلك الآيات سبيل اخر وهو ان لله سبحانه تجليات في بعض مخلوقاته وظهورات لا كيف لها كما ذكرنا في القلب المؤمن والكعبة الحسناء والعرش العظيم وعامتها تكون على الإنسان فانه خليفة الله وتلك التجليات قد تكون برقيا كالبرق الخاطف وقد تكون دائميا وتلك لا تستدعى حدوث امر في ذاته تعالى وكونه محلا للحوادث ومتنزلا عن مرتبة التنزيه بل هى مبنية على حدوث امر في الممكن كما ان المرأة المحاذية للشمس كلما صوقلت الجلت الشمس فيها ويظهر في المراءة اثارها من الاضاءة والإحراق- وهذه التجليات هى المصداق لقوله تعالى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ وقوله تعالى