
قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ﴾ [يوسف: ٦٦] أي تهلكوا (١) جميعاً.
وأمال أبو عمرو والكسائي (الكافرين) (٢) في جميع القرآن: لأن الكسرة لزمت الراء بعد الفاء المكسورة، والراء بما فيها من التكرير يجرى مجرى الحرفين المكسورين، وكلما كثرت الكسرات حسنت الإمالة، ولا يميلان نحو (٣): ﴿أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ [البقرة: ٤١] وذلك لأن كسرة الراء غير لازمة (٤) لزومها في (الكافرين) (٥).
٢٠ - قوله تعالى: ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ﴾ [البقرة: ٢٠]. (كاد) موضوع عند العرب لمقاربة (٦) الفعل (٧)، فإذا نفيت (٨) في اللفظ كان في المعنى إثباتا، وإذا أثبت كان نفيًا (٩)، بيانه أنك تقول: كاد يضربني، فهذا إثبات في اللفظ نفي للضرب (١٠)، لأن معناه قرب من الضرب ولم يضرب، وإذا قلت: ما
(٢) وذلك إذا كان جمعا في موضع نصب أو خفض، أما إذا كان مفردا أو جمعا في موضع رفع لم يمل، وبهذا قرأ أبو عمرو، والكسائي في رواية أبي عمر الدوري ونصير بن يوسف. انظر "السبعة" ص١٤٧، "الحجة" ١/ ٣٧٩، "الكشف" ١/ ١٧٣. وبهذا قرأ قتيبة ورويس، وورش بين بين، والبقية على الفتح للكاف. انظر "الغاية" ص ٩١، "وتحبير التيسير" للجزري ص ٧٠، ٧١.
(٣) وهو المفرد المجرور. انظر "الحجة" ١/ ٣٨٩، "الكشف" ١/ ١٩٧.
(٤) لأنها كسرة إعراب فتتغير.
(٥) "الحجة" لأبي علي ١/ ٣٨٩، وانظر "الحجة" لابن خالويه ص ٧٣، "الكشف" ١/ ١٩٧.
(٦) في (ب): (لمفارقه).
(٧) انظر "تهذيب اللغة" (كاد) ٤/ ٣٠٧٦، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٢٩، "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٦١، "حروف المعاني" للزجاجي ص ٦٧.
(٨) في (ب): (بقيت).
(٩) في (ب): (بقى).
(١٠) في (ب): (في الضرب).

كاد يفعل كذا، فهذا نفي في اللفظ، إثبات في المعنى، لأنه قرب من ترك الفعل، وقد فعله بعد بطء (١).
قال ابن الأنباري: (قال اللغويون: كدت أفعل، معناه عند العرب: قاربت الفعل ولم أفعل، وما كدت أفعل، معناه: فعلت بعد إبطاء (٢) هذا معنى (كاد)، وقد تستعمل (٣) بغير هذا المعنى (٤)، وسنذكر ذلك عند قوله: ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ [النور: ٤٠].
وذكر أبو بكر بإسناده أن ذا الرمة الشاعر قدم الكوفة فأنشد [بالكُناسة] (٥) وهو على راحلته قصيدته (الحائية)، فلما انتهى إلى قوله:
إِذَا غَيَّرَ النَّأيُ المُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ | رَسيِسُ الهَوى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَح (٦) |
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (كاد) ١٠/ ٣٢٩.
(٣) في (أ)، (ب) (يستعمل) وأثبت ما في (ج).
(٤) (المعنى) ساقط من (ب). قال ابن الأنباري: (وقد يكون ما كدت أفعل بمعنى: ما فعلت ولا قاربت إذا أكد الكلام بـ (أكاد)، انظر "التهذيب" ٤/ ٣٠٧٧، وهو بقية كلامه الذي نقل الواحدي بعضه. وفي "الخزانة": (قال صاحب اللباب: وإذا دخل النفي على (كاد) فهو كسائر الأفعال على الصحيح، وقيل. يكون للإثبات، وقيل: يكون في الماضي دون المستقبل...)، "الخزانة" ٩/ ٣٠٩.
(٥) في (أ)، (ج): (ما الكناسة) وهي ساقطة من (ب) والصحيح (بالكناسة) كما في "أمالي المرتضى" "الخزانة" كما سيأتي. و (الكناسة) بضم أوله محلة معروفة بالكوفة، كان بنو أسد وبنو تميم يطرحون فيها كناستهم. انظر "معجم ما استعجم" ٤/ ١١٣٦، "معجم البلدان" ٤/ ٤٨١.
(٦) قوله (النأي): البعد، (رسيس الهوى): مسه، ورد البيت في (ديوان ذي الرمة) =

قال له عبد الله بن شبرمة (١): فقد برح يا ذا الرمة! ففكر ساعة ثم قال:
........ لَمْ أَجِدْ رسيِسَ... الهَوى مِنْ حُبِّ مَيَّهَ يَبْرَحُ (٢)
ومعنى الآية: يكاد ما في القرآن من الحجج تخطف (٣) قلوبهم من شدة إزعاجها (٤) إلى النظر في أمر دينهم (٥).
وقال ابن عباس في رواية مقاتل والضحاك: معناه: يكاد الإيمان يدخل في قلوبهم (٦).
(١) هو عبد الله بن شبرمة بن حسان الضبي الكوفي، أبو شبرمة، كان شاعراً فقيهاً ثقة (٧٢ - ١٤٤هـ). انظر (طبقات ابن خياط) ص ٢٨٣، (الجرح والتعديل) ٥/ ٨٢، (تهذيب التهذيب) ٢/ ٣٥١.
(٢) وردت القصة مسندة في "أمالي المرتضى" ١/ ٣٣٢، "الخزانة" ١/ ٣١١، ويستشهد العلماء بهذا البيت على أن النفي إذ دخل على (كاد) تكون في الماضي للإثبات، وفي المستقبل كالأفعال، وبعضهم قال: كالأفعال في الماضي والمستقبل، وقيل: تكون للإثبات في الماضي والمستقبل. انظر: "الخزانة" ٩/ ٣٩، "شرح المفصل" ٧/ ١٢٥.
(٣) في (ج): (بخطف).
(٤) في (ب) (ازعاجها لهم).
(٥) ذكر هذا المعنى في "الوسيط" وقال: من تمام التمثيل ١/ ٥٢، وفي "الوجيز" ١/ ٦. قال ابن عطية: تكاد حجج القرآن وبراهينه وآياته الساطعة تبهرهم، ومن جعل (البرق) في المثل: الزجر والوعيد، قال: يكاد ذلك يصيبهم. "تفسير ابن عطية" ١/ ١٩٤، ونحوه في "تفسير القرطبي" ١/ ١٩٢.
(٦) لم أجد هذِه الرواية عن ابن عباس، وفي "الطبري" عن الضحاك عن ابن عباس. قال: يلتمع أبصارهم ولما يفعل ١/ ١٥٨، "وتفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٥٧، =

وقوله تعالى: ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ﴾. ﴿أَضَاءَ﴾ هاهنا إن كان متعديا فالمفعول محذوف، وكأنه قيل: كلما أضاء لهم الطريق، ويجوز أن يكون لازما بمعنى (ضاء) (١).
قال ابن عباس: يقول: إذا قرئ عليهم شيء من القرآن مما يحبون صدقوا، وإذا سمعوا شيئاً من شرائع النبي ﷺ مما يكرهون وقفوا عنه، وذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ (٢).
وقال قتادة: هو المنافق إذا كثر ماله وأصاب رخاء وعافية قال للمسلمين: أنا معكم وعلى دينكم، وإذا أصابته النوائب قام متحيرا؛ لأنه لا يحتسب أجرها (٣). كأصحاب الصيب إذا أضاء لهم البرق فأبصروا الطريق مشوا، فإذا عادت الظلمة وقفوا متحيرين. ومثله قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ [الحج: ١١]. وقيل: شبه الغنيمة بالبرق، يقول (٤): الطمع في الغنيمة يزعج قلوبهم، ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ﴾: أي كثرت الغنائم
(١) انظر "معاني القرآن" للفراء١/ ١٨، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٩٤، "وتفسير القرطبي" ١/ ١٩٣.
(٢) ذكره ابن الجوزي عن ابن عباس والسدي، "زاد المسير" ١/ ٤٦، وأبو حيان في "البحر" ١/ ٩١، وذكر ابن عطية عن ابن عباس نحوه ١/ ١٩٥، وكذا "القرطبي" ١/ ١٩٣.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥٦ أ، وأخرجه "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٥٥، وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه إلى عبد بن حميد وابن جرير ١/ ٧٢، وقد ورد نحوه عن ابن عباس. انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٥٤، و"تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٥٩، "الدر" ١/ ٧٢.
(٤) في (ب): (لقول).

وأصابوا الخير، ﴿مَشَوْا فِيهِ﴾: أي رضوا به، ﴿وَإِذَا (١) أَظْلَمَ عَلَيْهِم﴾: قلت (٢) الغنيمة وكانت بدلها الهزيمة، (قاموا): اعتلوا وقعدوا عن نصرة الرسول (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾. خص هاتين الجارحتين لما تقدم ذكرهما في قوله: ﴿آذَانِهِمْ﴾ و ﴿يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ فيقول: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ عقوبة لهم على نفاقهم، فليحذروا عاجل عقوبة الله وآجله، فإن الله على كل شيء قدير من ذلك (٤).
وقيل: ولو شاء الله لذهب بأسماعهم الظاهرة، وأبصارهم الظاهرة كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة، حتى صاروا صُمًّا عُمْيًا (٥).
وكان حمزة يسكت على الياء في ﴿شَيْءٍ﴾ (٦) قبل الهمزة سكتة خفيفة، ثم يهمز (٧). وذلك (٨) أنه أراد بتلك الوقيفة [في صورة لا يجوز فيها
(٢) في (ب): (فله).
(٣) ذكر نحوه "الطبري"، إلا أنه قال: (جعل البرق لإيمانهم مثلا، وإنما أراد بذلك أنهم كلما أضاء لهم الإيمان، وإضاءته لهم: أن يروا ما يعجبهم في عاجل الدنيا....)، "تفسير الطبري" ١/ ١٥٨، وانظر: "تفسير الخازن" ١/ ٧١، ٧٢، "البحر" ١/ ٩١.
(٤) ذكره "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٥٩، وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ١٩٥.
(٥) "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٦ ب، وانظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠١، و"تفسير البغوي" ١/ ٧١.
(٦) من قوله: ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وكذلك يفعل بكل حرف سكن قبل الهمزة.
(٧) انظر: "السبعة" ص ١٤٨، "الحجة" لأبي علي ١/ ٣٩١، "الحجة" لابن خالويه ص٧٢، "الكشف" ١/ ٢٣٤، "التيسير" ص ٦٢.
(٨) في (ب): (من ذلك).