
قوله تعالى: ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ﴾ : في هذه الباء ثلاثة أوجه أحدُها: أنها زائدةٌ في المفعول به لأن «ألقى» يتعدَّى بنفسه، قال تعالى: ﴿فألقى موسى عَصَاهُ﴾ [الشعراء: ٤٥]، وقال:
٨٧٠ - حتى إذا أَلْقَتْ يداً في كافِرِ | وأَجَنَّ عَوْراتِ الثغورِ ظلامُها |
٨٧١ - وأَلْقى بكفَّيْهِ الفتى استكانَةً | من الجوع وَهْناً ما يَمُرُّ وما يَحْلُو |
٨٧٢ -................ | سُودُ المَحاجِرِ لا يَقْرَأْنَ بالسُّوَرِ |
والتَّهْلُكَةُ: مصدرٌ بمعنى الهَلاكِ، يُقال: هَلَكَ يَهْلَكُ هُلْكاً وهَلاكاً وهَلْكاءَ على وزنِ فَعْلاء ومَهْلكاً ومَهْلكة مثلثَ العين وتَهْلُكَة. وقال الزمخشري «ويجوزُ أن يقال: أصلُها التَّهلِكة بكسر اللام كالتَّجْرِبة، على أنه مصدرٌ من هلَّك - يعني بتشديد اللام - فَأُبْدِلَتِ الكسرةُ ضمة كالجِوار صفحة رقم 311

والجُوار»، ورَدَّ عليه الشيخ بأنَّ فيه حَمْلاً على شاذ ودَعْوى إبدالٍ لا دليل عليها، وذلك أنه جَعَله تَفْعِلة بالكسر مصدر فَعَّل بالتشديد، ومصدرُه إذا كان صحيحاً غيرَ مهموزٍ على تَفْعيل، وتَفْعِلة فيه شاذٌّ. وأمَّا تنظيرُه له بالجِوار والجُوار فليس بشيء، لأن الضمَّ فيه شاذٌّ، فالأَولى أن يقال: إنَّ الضمَّ أصلٌ غيرُ مُبْدَلٍ من كسر. وقد حكى سيبويه مِمَّا جاء من المصادر على ذلك التَضُرَّة والتَّسُرَّة. قال ابن عطية: «وقرأ الخليل التَّهْلِكة بكسر اللام وهي تَفْعِلة من هَلَّك بتشديد اللام» وهذا يَقَوِّي قولَ الزمخشري.
وزعم ثعلب أن «تَهْلُكَه» لا نظير لها، وليس كذلك لِما حكى سيبويه. ونظيرها من الأعيان على هذا الوزن: التَّنْفُلة والتنصُبة.
والمشهورُ أنه لا فرقَ بين التَّهْلُكه والهَلاك، وقال قومٌ: التَّهْلُكَة: ما أمكن التحرُّزُ منه، والهَلاكُ ما لا يمكن. وقيل: هي نفسُ الشيء المُهْلِك. وقيل: هي ما تَضُرُّ عاقبتُه. والهمزة في «ألقى» للجَعلِ على صفة نحو: أَطْرَدْتُه أي: جعلتُه طريداً فيه ليست للتعدية لأنَّ الفعلَ متعدٍّ قبلَها، فمعنى أَلْقيتُ الشيء جَعلْتُه لُقَىً فهو فُعَل بمعنى مَفْعول، كما أن الطريد فَعِيل بمعنى مفعول، كأنه قيل: لا تَجْعلوا أنفسكم لُقَىً إلى التهلُكَه.