آيات من القرآن الكريم

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ

هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة، فلما نزلت كان رسول الله ﷺ يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه، حتى نزلت سورة براءة كذا قال ابن أسلم حتى قال : هذه منسوخة بقوله :﴿ فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾ [ التوبة : ٥ ] وفي هذا نظر، لأن قوله :﴿ الذين يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ إنما هو تهييج وإغراء بالأعداء الذي همتهم قتال الإسلام وأهله، أي كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم، كما قال :﴿ وَقَاتِلُواْ المشركين كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً ﴾ [ التوبة : ٣٦ ]، ولهذا قال في هذه الآية :﴿ واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُمْ مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ﴾ أي لتكون همتكم منبعثة على قتالهم كما همتهم منبعثة على قتالكم وعلى إخراجهم من بلادهم التي أخرجوكم منها قصاصاً.
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تعتدوا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين ﴾ أي قاتلوا في سبيل الله ولا تعتدوا في ذلك، ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي من المثلة والغلول وقتل النساء والصبيان والشيوخ وأصحاب الصوامع وتحريق الأشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة، ولهذا جاء في صحيح مسلم عن بريدة أن رسول الله ﷺ كان يقول :« اغزوا في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الوليد، ولا أصحاب الصوامع » وعن ابن عباس قال : كان رسول الله ﷺ إذا بعث جيوشه قال :« اخرجوا باسم الله قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، لا تعتدوا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع » وفي الصحيحين عن ابن عمر قال : وجدت امرأة في بعض مغازي النبي ﷺ مقتولة فأنكر رسول الله ﷺ قتل النساء والصبان.
ولما كان الجهاد فيه إزهاق النفوس وقتل الرجال، نبّه تعالى على ان ما هم مشتملون عليه من الكفر بالله والشرك به والصد عن سبيله أبلغُ وأشدُّ وأعظم وأطم من القتل، ولهذا قال :﴿ والفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل ﴾. قال ابو العالية ومجاهد وعكرمة : الشرك أشد من القتل، وقوله :﴿ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ المسجد الحرام ﴾ كما جاء في الصحيحين :« إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، ولم يحل إلا ساعة من نهار - وإنها ساعتي هذه - فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شجره ولا يختلى خلاه، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله ﷺ فقولوا : إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم » يعني بذلك صلوات الله وسلامه عليه قتاله أهله يوم فتح مكة، فإنه فتحها عنوة وقتلت رجال منهم عند الخندمة وقيل : صلحاً لقوله :« من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن » وقوله :﴿ حتى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم كَذَلِكَ جَزَآءُ الكافرين ﴾ يقول تعالى : ولا تقاتلوهم عن المسجد الحرام إلا ان يبدأوكم بالقتال فيه فلكم حينئذ قتالهم وقتلهم دفعاً للصائل، كما بايع النبي ﷺ أصحابه يوم الحديبية تحت الشجرة على القتال لما تألبت عليه بطون قريش ومن والاهم من أحياء ثقيف والأحابيش عامئذ ثم كف الله القتال بينهم فقال :

صفحة رقم 207

﴿ وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ﴾ [ الفتح : ٢٤ ].
وقوله تعالى :﴿ فَإِنِ انتهوا فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ أي فإن تركوا القتال في الحرم وأنابوا إلى الإسلام والتوبة فإن الله يغفر ذنوبهم، ولو كانوا قد قتلوا المسلمين في حرم الله فإنه تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب منه إليه، ثم أمر الله بقتال الكفار ﴿ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾ أي شرك قاله ابن عباس والسدي ﴿ وَيَكُونَ الدين للَّهِ ﴾، أي : يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان، كما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال : سئل النبي ﷺ عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال :« من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ».
وقوله تعالى :﴿ فَإِنِ انتهوا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظالمين ﴾، يقول تعالى : فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك وقتال المؤمنين فكفوا عنهم، فإن من قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم ولا عدوان إلا على الظالمين، وهذا معنى قول ( مجاهد ) أن لا يقاتل إلا من قاتل، أو يكون تقديره ﴿ فَإِنِ انتهوا ﴾ فقد تخلصوا من الظلم والشرك فلا عدوان عليهم بعد ذلك، والمراد بالعدوان هاهنا المعاقبة والمقاتلة كقوله :﴿ فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٩٤ ] وقوله :﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ [ الشورى : ٤٠ ]، ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [ النحل : ١٢٦ ] قال عكرمة وقتادة : الظالم الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله، وقال البخاري قوله :﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾. عن ابن عمر قال : أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا : إن الناس ضيعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي ﷺ فما يمنعك أن تخرج؟ فقال : يمنعني أن الله حرم دم أخي. قالا : ألم يقل الله :﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾ ؟ فقال : قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة وحتى يكون الدين لغير الله. وعن نافع أن رجلاً أتى ابن عمر فقال : يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاماً وتقيم عاماً وتترك الجهاد في سبيل الله عزّ وجلّ وقد علمت ما رغب الله فيه؟ فقال : يا ابن أخي بني الإسلام على خمس : الإيمان بالله ورسوله، والصلاة الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت.

صفحة رقم 208

قالوا : يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه :﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى فَقَاتِلُواْ التي تَبْغِي حتى تفياء إلى أَمْرِ الله ﴾ [ الحجرات : ٩ ]، ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾، قال : فعلنا على عهد رسول الله ﷺ وكان الإسلام قليلاً، فكان الرجل يفتن في دينه وإما قتلوه أو عذبوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة، قال : فما قولك في علي وعثمان؟ قال : أمّا ( عثمان ) فكان الله عفا عنه وأما أنتم فكرهتم أن يعفو عنه، وأمّا ( علي ) فابن عم رسول الله ﷺ وختنه، فأشار بيده فقال : هذا بيته حيث ترون.

صفحة رقم 209
تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد نسيب بن عبد الرزاق بن محيي الدين الرفاعي الحلبي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية