آيات من القرآن الكريم

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ
ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ

فحسن الإضمار لمّا عرف. ومثله فى سورة الواقعة: «يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ. بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ» «١» ثم قال: «وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ. وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ. وَحُورٌ عِينٌ» فخفض بعض القراء، ورفع بعضهم الحور العين.
«٢» قال الذين رفعوا: الحور العين لا يطاف بهن فرفعوا على معنى قولهم: وعندهم حُورٌ عينٌ، أو مع ذلك حور عينٌ فقيل «٣» : الفاكهة واللحم لا يطاف بهما إنما يطاف بالخمر وحدها- والله أعلم- ثم أُتبع آخر الكلام أوله. وهو كثير في كلام العرب وأشعارهم، وأنشدني بعض بني أسد يصف فرسه:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وماءً باردًا... حتَّى شَتَتْ هَمَّالةً عَيْنَاهَا «٤»
والكتاب أعرب وأقوى في الحجة من الشعر. وأمّا ما لا يحسن فيه الضمير «٥» لقلة اجتماعه، فقولك: قد أعتقت مباركا أمس وآخر اليوم يا هذا وأنت تريد: واشتريت آخر اليوم لأن هذا مختلف لا يعرف أنك أردت ابتعت. ولا يجوز أن تقول:
ضربت فلانا وفلانا وأنت تريد بالآخر: وقتلت فلانا لأنه ليس هاهنا دليل.
ففي هذين الوجهين ما تعرف به ما ورد عليك إن شاء الله.
وقوله: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ... (١٦)
ربما قال القائل: كيف تربح التجارة وإنما يربح الرجل التاجر؟ وذلك من كلام العرب: ربح بَيْعُك وخسر بيعُك، فحسن «٦» القول بذلك لأن الربح والخسران إنما يكونان في التجارة، فعلم معناه. ومثله من كلام العرب: هذا ليل نائم. ومثله من كتاب الله: «فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ» «٧» وإنما العزيمة للرجال، ولا يجوز الضمير «٨»

(١) آية ٢٢ من السورة المذكورة.
(٢) كذا فى أ. وفى ش، ج: «وقال».
(٣) هذا توجيه الخفض فى «حور عين» بالحمل على الفاكهة واللحم، فقد خفضا مع أنهما لا يشتركان مع الأكواب فى الطواف بهما، وإنما هو إتباع الآخر الأوّل على تقدير عامل مناسب، فليكن هذا هنا.
(٤) انظر الخزانة ١/ ٤٩٩.
(٥، ٨) يريد بالضمير المحذوف.
(٦) كذا فى أ، ب. وفى ش، ج: «وحسن».
(٧) آية ٢١ سورة محمد.

صفحة رقم 14

إلا في مثل هذا. فلو قال قائل: قد خسر عبدك لم يجز ذلك، (إن كنت) «١» تريد أن تجعل العبد تجارةً يُربَح فيه أو يُوضَع «٢» لأنه قد يكون العبد تاجرا فيربح أو يُوضَع، فلا يعلم معناه إذا ربح هو من معناه إذا كان مَتْجُورًا فيه. فلو قال قائل: قد ربحت دراهمُك ودنانيرُك، وخسر بَزُّك ورقيقك كان جائزا لدلالة بعضه على بعض.
وقوله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً... (١٧)
فإنما ضرب المثل- والله أعلم- للفعل لا لاعيان الرجال، وإنما هو مَثَل للنفاق فقال: مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ولم يقل: الذين استوقدوا. وهو كما قال الله: «تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ» «٣». وقوله: «مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ» «٤» فالمعنى- والله أعلم-: إلا كبعث نفس واحدة ولو كان التشبيه للرجال لكان مجموعا «٥» كما قال: «كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ» «٦» أراد الْقِيمَ «٧» والأجسام، وقال: «كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ» «٨» فكان مجموعا إذ «٩» أراد تشبيه أعيان الرجال فأجْر الكلام على هذا. وإن جاءك تشبيه جمع الرجال موحّدا فى شعر فأجْر الكلام على هذا. وإن جاءك تشبيه جمع الرجال موحَّدا في شعر فأجِزْه. وإن جاءك التشبيه للواحد مجموعا في شعر فهو «١٠» أيضا يراد به الفعل فأجزه كقولك: ما فِعْلك إلا كفعل الحَمِير، وما أفعالكم إلا كفعل الذِّئب فابنِ على «١١» هذا، ثم تُلْقِي الفعلَ فتقول: ما فعلك إلا كالحَميرِ وكالذئب.
وإنما قال الله عز وجل: «ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ» لأن المعنى ذهب إلى المنافقين فجمع لذلك. ولو وُحِّد لكان صوابا كقوله: «إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعامُ الْأَثِيمِ.

(١) فى الأصول: «وإن كنت» وما أثبتناه أوفق.
(٢) أوضع فى تجارته (بضم الهمزة)، ووضع (كعنى وكوجل) خسر فيها. وفى ج، ش: «تربح وتوضع».
(٣) آية ١٩ سورة الأحزاب. [.....]
(٤) آية ٢٨ سورة لقمان.
(٥) العبارة فى ج، ش: «ولو كان التشبيه للرجال أراه لكان مجموعا... إلخ».
(٦) آية ٤ سورة المنافقون.
(٧) القيم (جمع قامة أو قيمة) : وهى قوام الإنسان وقدّه وحسن طوله.
(٨) آية ٧ سورة الحاقة.
(٩) فى الأصول: «إذا» والمقام للتعليل.
(١٠) كذا فى الأصول. والأنسب: «وهو».
(١١) فى ج، ش: «هذين».

صفحة رقم 15

كَالْمُهْلِ تغلى فِي الْبُطُونِ» «١» و «يَغْلِي» فمن أنّث ذهب إلى الشجرة، ومن ذَكَّر ذهب إلى المهل. ومثله قوله عز وجل: «أَمَنَةً نُعاساً تغشى طائِفَةً مِنْكُمْ» «٢» للأمنة، و «يَغْشى» للنعاس.
وقوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) رفعن وأسماؤهن «٣» في أول الكلام منصوبة لأن الكلام تم وانقضت به آية، ثم استؤنفت «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ» في آية أخرى، فكان أقوى للاستئناف، ولو تم الكلام ولم تكن آية لجاز أيضا الاستئناف قال الله تبارك وتعالى: «جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً. رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ» «٤» «الرَّحْمنِ» يرفع ويخفض في الإعراب، وليس الذي قبله بآخر آية. فأما ما جاء في رءوس الآيات مستأنفا فكثير من ذلك قول الله: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ» إلى قوله: «وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» «٥». ثم قال جل وجهه: «التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ» بالرفع فى قراءتنا، وفي حرف ابن مسعود «٦» «التائبين العابدين الحامدين». وقال: «أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ اللَّهَ رَبَّكُمْ» «٧». يُقرأ بالرفع والنصب على ما فسرت لك. وفي قراءة عبد الله: «صُمًّا بُكْمًا عُمْيًا» بالنصب.
ونصبُه على جهتين إن شئت على معنى: تركهم صمًّا بكما عميا، وإن شئت اكتفيت بأن توقع الترَك عليهم في الظلمات، ثم تستأنف «صُمًّا» بالذمّ لهم.
والعرب تنصب بالذمّ وبالمدح لأن فيه مع الأسماء مثل معنى قولهم: وَيْلا له، وَثَوَابًا له، وَبُعْدًا وسقيا ورعيا.

(١) آية ٤٣- ٤٥ سورة الدخان.
(٢) آية ١٥٤ سورة آل عمران.
(٣) كأنه يريد الضمير المنصوب فى قوله: «وتركهم» وجعله أسماءهم إذ كان ضميرا مجموعا، فكأنه عدّة ضمائر، كل ضمير اسم، أو أراد بالمنصوبة غير المرفوعة.
(٤) آية ٣٧ سورة النبأ.
(٥) آية ١١١ سورة التوبة.
(٦) فى ج، ش: «وفى قراءة عبد الله». [.....]
(٧) آية ١٢٥- ١٢٦ سورة الصافات.

صفحة رقم 16

وقوله: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ... (١٩)
مردود على قوله: «مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً». أَوْ كَصَيِّبٍ:
أو كمثل صيِّب، فاستُغني بذكر «الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً» فطُرِح ما كان ينبغي أن يكون مع الصيب من الأسماء، ودل عليه المعنى لأن المثل ضرب للنفاق، فقال:
فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ فشبه الظلمات «١» بكفرهم، والبرق «٢» إذا أضاء لهم فمشوا فيه بإيمانهم، والرعد ما أتى في القرآن من التخويف. وقد قيل فيه وجه آخر قيل: إن الرعد إنما ذُكِر مَثَلا لخوفهم من القتال إذا دُعُوا إليه. ألا ترى أنه قد قال في موضع آخر: «يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ» «٣» أي يظنون أنهم أبدًا مغلوبون.
ثم قال: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ فنصب «حَذَرَ» على غير وقوعٍ من الفعل عليه لم ترد يجعلونها حذرا، إنما هو كقولك: أعطيتك خَوْفًا وفَرَقًا. فأنت لا تعطيه الخوف، وإنما تعطيه من أجل الخوف فنصبه على التفسير ليس بالفعل، كقوله جل وعز: «يَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً» «٤». وكقوله: «ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً» «٥» والمعرفة والنكرة تفسِّران في هذا الموضع، وليس نصبه على طرح «مِنَ». وهو «٦» مما قد يستدل به المبتدئ للتعليم.
وقوله: يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ... (٢٠)
والقراء تقرأ «يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ» بنصب الياء والخاء والتشديد. وبعضهم ينصب الياء ويخفض الخاء ويشدد الطاء فيقول: «يَخْطَفُ». وبعضهم يكسر

(١، ٢) الأولى عكس التشبيه، فالكفر مشبه بالظلمات، والإيمان مشبه بالبرق.
(٣) آية ٤ سورة المنافقون.
(٤) آية ٩٠ سورة الأنبياء.
(٥) آية ٥٥ سورة الأعراف.
(٦) يريد أنه قد يقرب المفعول لأجله للمبتدىء بما يصلح فيه تقدير من.

صفحة رقم 17

الياء والخاء ويشدد فيقول: «يَخْطَفُ». وبعضٌ من قراء أهل المدينة يسكن الخاء والطاء فيجمع بين ساكنين فيقول: «يَخْطَفُ». فأما من قال: «يَخْطَفُ» فإنه نقل إعراب التاء المدغمة إلى الخاء إذ كانت منجزمة. وأما من كسر الخاء فإنه طلب كسرة الألف التي في اختطف والاختطاف وقد قال فيه بعض النحويين: إنما كسرت الخاء لأنها سكنت وأُسكنت التاء بعدها فالتقى ساكنان فخفضتَ الأوّل كما قال: اضربِ الرجل فخفضتَ الباء لاستقبالها اللام.
وليس الذي قالوا بشيء لأن ذلك لو كان كما «١» قالوا لقالت العرب في يَمُدّ:
يَمِدّ لأن الميم [كانت «٢» ] ساكنة وسكنت الأولى من الدالين. ولقالوا في يَعَضّ:
يَعِضّ. وأما من خفض الياء والخاء فإنه أيضا من طَلَبِه كسرة الألف لأنها كانت في ابتداء الحرف مكسورة. وأما من جمع بين الساكنين فإنه كمن بني على التبيان «٣» إلا أنه إدغام خفيّ. وفي قوله: «أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى» «٤» وفى قوله: «تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ» «٥» مثل ذلك التفسير إلا أن حمزة الزيات قد قرأ: «تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ» بتسكين الخاء، فهذا معنى «٦» سوى ذلك «٧» وقوله: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ... (٢٠)
فيه لغتان: يقال: أضاءَ القمر، وضاءَ القمر فمن قال ضاء القمرُ قال:
يضوء ضَوءا. والضّوء فيه لغتان: ضم الضاد وفتحها.
يضوء ضَوءا والضّوء فيه لغتان، ضم الضاد وفتحها.
وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ فيه لغتان: أظلم الليل «٨» وظلم.

(١) فى ج، ش: «على ما».
(٢) ساقط من أ.
(٣) يريد بالتبيان الإظهار وعدم الإدغام.
(٤) آية ٣٥ سورة يونس.
(٥) آية ٤٩ سورة يس.
(٦) يريد أنه جاء فى معنى الغلبة أي يغلبون فى الجدل والخصومة. يقال: خاصمت فلانا فخصمته، أخصمه، بالكسر فى المضارع، وهذا مما شذ. والقياس الضم فى المضارع. وانظر اللسان (خصم) والطبري فى تفسير الآية.
(٧) ما بين النجمتين ساقط من ش، ج.
(٨) الليل: ساقط من ش، ج. [.....]

صفحة رقم 18
معاني القرآن للفراء
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء
تحقيق
أحمد يوسف نجاتي
الناشر
دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية